“إيها المسرح اسرع إلى نجدتى .. أنا نائم ايقظنى.. أنا ضائع فى الظلام .. ارشدنى إلى شعاع من نور.. أنا كسول ..أنا متعب ..أنا غير مبال فأفقنى “
إذا كانت هذه هى رسالة المسرح كما ترى المخرجة العالمية ” اربان بوشكين ” فحرى بنا أن نتدارس قضايا المسرح فى محاولة للوقوف على بعدين اساسيين .
أولهما : أن المسرح كفن تشخيصى مدعاة لاثارة التشويق و المتعة الانسانية و هو ما يجرنا الى البعد الثانى الخاص بضرورة اتصال المسرح بالقضايا المعاصرة .
و هذان البعدان يقفان جنبا الى جنب كى تتحقق رسالة المسرح المنشودة و اذا كان الحديث عن المسرح اليوم قد يعود بنا احيانا الى سنوات الازدهار التى عاشها المسرح المصرى فى الستينيات ، الا انه من العبث ان نقف عند هذه المرحلة و نبكى على زمن الفن الجميل، ذلك ان مسرح الشباب فى السنوات الاخيرة قدم نماذج رائعة فى مجالات التاليف و الاخراج المسرحى و ايضا فى السينوغرافيا .
التقت “وطنى ” و مجموعة من رموز المسرح فى الستينيات فكان هذا التحقيق .
الداء فى اصل الشجرة
يحدثنا الدكتور حسام عطا عن يوليو و المسرح المصرى ، فثورة يوليو ذات التاثير الاوضح فى تاريخ مصر الحديث لها تاثيرها الايجابى على المسرح المصرى و العربى ،انها حقيقة تستحق الاستفادة و التأمل كلما تذكرنا فرقنا المسرحية الراسخة و دور العرض المهمة و الترجمات المسرحية من المسرح العالمى و المجلات المتخصصة و اشاعة ثقافة مسرحية عامة اعطت للمسرح دور الفاعل فى المجتمع و منحت الفنان المسرحى الاعتراف التام باهمية و قيمة دوره فى الثقافة المصرية و العربية ، مما اصبح معه امر المسرح فى الستينيات المصرية مثار فخر و سعادة و اعترافا تاما بكونه عنصرا ذهبيا للمسرح المصرى- يأتى ذلك الاعتراف من جودة المسرحيات ذات الطابع الواقعى و الكلاسيكى المؤثرة على ذوق المتلقى المصرى حتى الان و لكن بعيدا عن مستوى الجمهور العام يأتى الاعتراف على المستوى الثقافى و من زاوية تاريخ الدراما المسرحية المصرية من كثرة الاتجاهات التجديدية المواكبة أنذاك لاحدث تيارات و مذاهب المسرح فى العالم و هو الامر الذى يستحق التأمل الموضوعى من وجهة نظر جديدة لذلك النوع المسرحى التجديدى انذاك ربما يكون البحث عن الداء فى اصل الشجرة المزدهرة مسألة صادمة و لكنها ضرورية اذا لحظت ان ازمة المسرح التى كثر الحديث حولها فى اواخر تسعينيات القرن الماضى تصاحب ايضا فترة الازدهار المتفق عليها من الجميع و هى فترة الستينيات كما ارجع معظم الباحثين و النقاد الامر فى انهيار المسرح المصرى فى السبعينيات و حتى الان الى سوء فى الادارة و ضعف فى الفنانين الجدد و الى غياب المؤلف و الى العديد من المشكلات و التغييرات الاجتماعية دون ان يناقش احد امكانية وجود ازمة حقيقية لدى صناع المسرح الجاد فى الستينيات و تياراتها التجديدية ، يمكن مناقشة الامر اذن عبر تأمل جماليات التلقى و نماذجها المطروحة فى الازدهار الستينى و التى اعتقد ان دراستها ضرورية لفهم ازمة المسرح المتراكمة منذ ازدهار الستينى و حتى الان و ذلك الاعتقاد يقوم على ان مسرح الستينيات لا يزال يتحاور حتى الان مع الواقع الاجتماعى و المسرحى فى مصر ، و بالتالى فهو يسهم بشكل او باخر فى ازمة المسرح المصرى الحالية فى اطار الفهم العام لتاريخ مصر الحديث على المستوى الثقافى و الاجتماعى و يمكن التركيز على الفترة من 1962 كبداية لمسرح الجيب و لصعود التيارات التجديدية الجادة و حتى بداية الانهيار مع عام 1970 الذى شهد على بداية الانكسار الازدهار الستينى و المتأمل لتلك الفترة يستطيع ان يفترض انه فى اوائل الستينيات و تحديدا فى العقد الاول و قبل ذلك ببضع سنين طبعت الواقعية بمفهومها التقدمى المسرح و القصة و الرواية و حتى الشعر بطابعها الكلى .
و حدث ذلك على يد الجيل الذى صنعت الاربعينيات وعيه الفكرى و الفنى و هذا النموذج الواقعى التقليدى هو النموذج المستفز و الاساسى الذى حدثت الثورة عليه فيما بعد و داخل العقد الاخير من الازدهار المعروف بمسرح الستينيات وهكذا و خلال الفترة 1962 – 1970 ظهرت محاولات تجديدية للخروج على المسرح الفنى الواقعى و هنا بداية و جوهر المشكلة حين نشأت ازمة المسرح الجاد مبكرا بسبب عدم التفريق بين استيراد التقنية الدرامية و بين امتلاكها وذلك ان صناع النهضة انذاك استوردوا تقنيات من انتاج المسرح الغربى فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية فى عالم فقد الثقة بالبناء المنتظم للقيم بينما تم استخدام تلك التقنيات فى عالم مصرى كان لا يزال يبحث لنفسه عن دور و يحتاج لقيم تبنى وجوده ، حدث ذلك فى ولع منسوب للعائدين من البعثات الخارجية بالتقنيات الغربية الحديثة مما احدث نوعا من التنامى السريع للمسرح و للثقافة المسرحية الجادة فى دائرة ضيقة من المهتمين المتخصصين مما جعل صناع النهضة التجديدية فى الستينيات يتحملون وزر الازمة الحالية بقدر ما ،ليس كل الازمة و لكن جوهرها حيث الاستلاب امام النموذج الغربى الاشتباك مع المشكلات الاجتماعية و القومية مما جعل الجمهور العام باستثنناء جمهور الواقعية و المسرحيات المضحكة بعيدا عن ذلك الازدهار انها ذات المشكلة التى يعانيها المسرح المصرى الجاد الان ، عزلته عن الجمهور العام وذلك هو الداء الحقيقى فى اصل الشجرة الستينية المزدهرة
مسرح الستينيات و مسرح اليوم
ويرى المخرج الكبير احمد عبد الحليم ان مسرح الستينيات كان مسرحا مزدهرا لانه تعامل مع الكثير من الاعمال المسرحية المختلفة ( العالمية ، المصرية ، بعض المسرحيات العربية )و كان المسرح نشطا للغايةلانه كان فى تلك الفترة مشروع قومى كبير و هو القومية العربية و الوحدة العربية مما انعكس بالايجابية على حركة الحياة فى المسرح و الدولة شجعت هذه الحركة باعتبار ان المسرح نبض الانسان فى اى مكان ، فكان هناك وعى كبير باهمية المسرح ، ومن ثم نجد ان المسرح فى تلك الفترة كان مسرحا مزدهرا يقدم كثيرا من الاعمال المسرحية
من خلال مسميات لمسارح مختلفة مثل ( المسرح العالمى ، مسرح الجيب، مسرح الحكيم ،المسرح القومى ، المسارح الاخرى ) فكانت الحركة دائبة و نشطة للغاية ،فاذا رصدنا المنجزات فى المسرح السياسي نجد انه برغم انتشار الحركة المسرحية نجد ان هناك جوانب اخرى كثيرة كتدعيم اكاديمية الفنون المعنية بتخريج كوادر بتخصصات مختلفة مثل السينما و الباليه و الغناء و الموسيقى ، فكانت الحركة الفنية برمتها نابضة بالحياة و الحركة .
تلك كانت هى الاسباب الاساسية لنشاط المسرح السياسى و التى خرج من عباءتها كثير من الفنانين (ممثلين ، مخرجين ، مهندسى ديكور ، نقاد فى الحركة المسرحية ).
و اضاف احمد عبد الحليم : هناك خلاف جوهرى بين مسرح اليوم و مسرح الستينيات وذلك لسبب رئيسى مهم و هوالتحديات الكبيرة التى تواجه المسرح فى هذه الايام و هى كالاتى
– انتشار الفضائيات
– اتساع رقعة الاعمال التليفزيونية
– المسرح فقير ، فالمؤدى فى المسرح من النوعيات المختلفة ( المخرج ،الممثل ، مهندس الديكور، واضع الموسيقى و الالحان ،مصمم الرقصات و خلافه ) ، يتقاضون اجورا ضئيلة جدا بالنسبة للتليفزيون مما اثر هذا على المسرح بهروب كثير من نجوم التمثيل و المسرحيين الى التليفزيون فهو الاجدى و الانفع و الاوفر حظا من حيث امتلاكه للقدرات الانتاجية بينما المسرح يئن من شدة الفقر فى كل شئ .
(انا لا ادين اى احد و الكلام مازال لاحمد عبد الحليم ) لان المسرح و نشاط المسرح لابد ان يدخل فى اجندة الاستراتيجية العامة للدولة بمعنى ان المسرح ضرورة كما الهواء و الماء و بدونه يفتقد المجتمع الى اهم ملامحه الثقافية و الحضارية
المركز والاطراف
يتناول الكاتب و المخرج المسرحى عباس أحمد العلاقة بين العاصمة و الاقاليم اى العلاقة بين المركز و الاطراف واذا حدث خلل فى المركز يحدث خلل فى كل شئ فيقول : فى فترة الستينيات كان المسرح عظيما و مؤثرا، و كان له جماهيرية ضخمة فى بورسعيد ،دخلت المسرح انا و محمود ياسين و سيد طليب و كونا فرقة خاصة من المسرح الحر .
شاهدنا مسرحية زلزلت حياتنا و هى “الناس اللى تحت “مسرحية اجتماعية ثورية بطلها شيوعى و لما عرضت اول مرة عام 1955 اى بعد الثورة كانت انفجارا و يحسب للثورة ان تسمح بها – تلك المسرحية قدمت مجموعة من الرجال عبروا عن حياتنا و شكلوا و عينا و رؤيتنا ، حيث قدمت طبقة وسطى و كيف تندمج مع الافاق التى تتطلع اليها الثورة ،حدث ايضا فى ذلك الوقت ان كونا علاقة صداقة مع الكاتب الكبير نعمان عاشور الذى تبنانا .
و يضيف : لقد نقلتنا ثورة يوليو وهى التى اتاحت لنا ان نكتب و نمثل و نخرج ،و هذه كلمة حق، و اعترف اننى واحد من نتاج هذا الجهد الذى قامت به الثورة و المناخ الذى اتاحته للناس ان يعبروا عن انفسهم من خلال الجامعة الشعبية التى تبنتها الثورة جامعة ثقافية حرة، و تم عمل قصور ثقافة مماثلة لنماذج تم استيرادها من الاتحاد السوفيتى ،اصبحت بعد ذلك (الثقافة الجماهيرية ) و قد خرج حشود من الكتاب و الفنانين من هذه الجامعة .
ويستمر المسرحى الكبير عباس احمد فى سرد الذكريات فيقول “كان لدينا قصر ثقافة فى ” عزبة فاروق” و هى منطقة مجهولة خرج منها العمال و الفنانون و البسطاء تعلموا فى هذا القصر و خرجوا منه ،كان هناك توازن بين الابداع و مسار الثورة ،و فى عام 1968 اخرجت مسرحية “الحصار” او” الطاعون” لالبير كامى ، و حصلت على جائزة احسن مخرج من المهرجان الاول لمسرح المحافظات التابعة لهيئة المسرح ، لم يكن هناك اعتراض من احد عليها ، ثم قدمت “السيد بونتلا و تابعه ماتى “فى دمياط عام 1969 وحدث ان وجد اختلاف فى الطرح فطلبت وقف العرض لكن امين الاتحاد الاشتراكى قال سنتناقش و لم يتم وقف العرض ،و فى رفح و على السلك الشائك قدمت مسرحية “سالم ابو طويلة ” الذى اغتالته اسرائيل و كان السلك الشائك هو الديكور، و قدمت اغانى و طنية لعبد الحليم حافظ ، ولاقت اقبالا كبيرا ،حيث وقف سبعة الاف متفرج راحوا يهتفون، فقد جاءوا من جهات متفرقة و كان خلفنا جنود إسرائيل على ن الانغماس فى الثورة الى حد كبير خطأ و معاداة الثورة خطا”.
ويستطرد عباس أحمد فيقول إنه كانت هناك فترات يحدث فيها انحياز و فترات مراجعة، لقد حققت الثورة انجازات كبيرة و لها اخطاء ايضا مثل أية حقبة فى تاريخ الوطن فهى حقبة من حقب العمل الوطنى المصرى، و هذا جزء من نسيج المصريين، أن هذا النظام ( 1952 – 1970 ) كانت له أخطاء و مراجعات، كانت هناك أشياء ترفض لكن لم تكن هناك مسرحيات ترفض، فالجمهورية الأولى كانت تنحاز إلى الفقراء بقيادة جمال عبد الناصر، و اعتقد أن السبب الرئيسى للفجوة للمسرح فى الجمهورية الثانية هو الانسحاق الكبير الذى اصاب الطبقة الوسطى .
==
س.س