ماهي مدارس التربية الكنسية وماهي مهمتها؟
هي أولا مدارس, والمدارس جمع مدرسة…
هي إذن منهج أو فكرة يجتمع عليها جمع من المعلمين والتلاميذ…
ثم هي مدارس التربية الكنسية. وإذن فليست مدرسة لفيلسوف, ولا هي مذهب يتبع مفكرا من الناس…
مدارس التربية الكنسية هي مدارس المسيح…مدارس الكنيسة…
والأفكار التي تروجها هذه المدارس هيفكر المسيح وتعاليم المسيح, وتعاليم كنيسة المسيح…
فليس لمدرس التربية الكنسية أن يروج في مدرسة الكنيسة لأي تعليم غير تعليم المسيح, أو لأي رأي غير رأي الكنيسة. من المسيح, ومن رسل المسيح, ومعلمي كنيسة المسيح, نستقي التعليم. لسنا نعلم ولا نسمح لأحد أن يعلم في مدرسة التربية الكنسية آراءه الخاصة أو خبراته الخاصة. إننا نأبي أن ينشأ أطفالنا أو شبابنا علي خبراتنا نحن أو تعاليمنا نحن…
من المسيح, ومن كنيسة المسيح, نأخذ التعليم لنفوسنا وللذين نعلمهم. إن مهمتنا مهمة امتصاص لشبعنا نحن, وللذين نعلمهم.
ثم مهمة توصيل وتبليغ, للذين نعلمهم. وليس لنا فيما نأخذ أو فيما نعطي فضل أو قوة…
ويجب أن نكون أمناء حتي لا يتحول الذهب في أيدينا إلي تراب, عندما نحول تعليم الله إلي تعليم الناس, أو عندما نوقف صوت الله , لنسمع الناس أصواتنا, أو نصمت كلمة الله وفكر الله, لنسمع الناس كلامنا وأفكارنا.
وماهي أهميتها؟
مدارس التربية الكنسية كانت ولازالت هي الإسعاف الأوحد وهي اليوم إلي جانب الكلية الإكليريكية أملنا الأوحد. في كنيستنا المقدسة. كانت الإسعاف الأوحد,في زمن كان الشباب قد انفض عن الكنيسة, لجهل الرعاة والكهنة, وعدم صلاحيتهم إلا فيما ندر.
روي لنا الجيل الماضي ونساؤه أن الشيوخ والعجائز وحدهم هم الذين كانوا يقصدون إلي الكنائس. أما الشباب فلا.
فإذا قارنا كنائس اليوم بالأمس, تحققنا كيف كانت مدارس التربية الكنسية(وكانت تسمي بمدارس الأحد) هي الإسعاف الأوحد.
ولاننسي دور الكلية الإكليريكية العظيم في إنشاء مدارس التربية الكنسية والتعليم فيها, ونشرها وتنظيمها وتأليف النشرات ووضع الدروس والصور- بتوجيه وقيادة أستاذنا, أستاذ جيله بلا منازع, المتنيح الأرشيدياكون حبيب جرجس. مدير الكلية الإكليريكية الأسبق.
ومدارس التربية الكنسية هي أملنا الأوحد…
أينما تطلعنا, وجدنا أن آمالنا انحصرت في الكلية الإكليريكية لتخريج القادة, وفي مدارس التربية الكنسية لتنشئة الأطفال والشباب في خوف الله.
وشكرا لله, أن جاء الوقت الذي تحققت فيه آمال أستاذنا حبيب, وأصبح عدد كبير من الشعب ينادي بأن مدارس التربية الكنسية هي أمل الكنيسة الأوحد, وتعدي هذا الإيمان إلي القادة والأراخنة.
كثيرون يقولون: مدارس التربية الكنسية هي أملنا الأوحد, ونحن نقول: فليقينا الله حسد إبليس, وليحفظ الرب مدارس التربية الكنسية في طريق الكمال المسيحي. وليقيها كل شر وكل مكروه, لتقضي حياة مطمئنة في كل تقوي ووقار, عاملين مرضاة من أحبنا وبذل نفسه عنا.
مبادئ التربية الكنسية:
ليست مدارس التربية الكنسية هيئة مستقلة في ذاتها, وبذاتها, إنها مدارس الكنيسة, فمبادئها مبادئ الكنيسة, للفرد, وللمجتمع.
فما هي هذه المبادئ؟
أولا-الروحانية والقداسة:
ليس منا, من يزعم أنه علي قدر من الروحانية, أو علي نصيب من القداسة. لكننا مع ذلك, نعتبر أول مبادئنا أن نسعي لنكون قديسين, لأنه بدون القداسة لن يعاين أحد الرب(العبرانيين12:14) ومن منا من مدارس التربية الكنسية لايريد أن يري الرب؟!
باطلة خدمتنا, وباطلة صيحاتنا, باطلة كل جهودنا, إن لم تكن أرجلنا سائرة في طريق السماء.
من منا يرضي لنفسه أن يكون نصيبه نصيب بناة فلك نوح الذين أغرقهم الطوفان؟! ومن منا يرضي لنفسه بعد أن كرز للأطفال والشباب, يصير هو نفسه مرفوضا؟!(كورنثوس الأولي9:27). كل منا يلزمه كثير من المجاهدات الروحية والتأملات التقوية…
يلزمنا نصيب من الصمت, ونصيب من الاتضاع. ويلزمنا نصيب من الهدوء والسكينة واستبطان النفس وفحص الضمير…
يلزمنا أن نتوقف عن الكلام أحيانا, وعن الخدمة أحيانا, وعن الاندماج في صخب الحياة أحيانا…
ويلزمنا أيضا أن نعتكف عن الحياة المجاهدة أحيانا, وعن سماع الأنباء الضارة المزعجة أحيانا…
يلزمنا أن نتصل بالروحانيين دائما, لنجلس إليهم ونتعلم وننظر إليهم, إن لم يكن بأشخاصهم فلا أقل من كتاباتهم وتواليفهم…
لتنم فينا الحساسية الروحية, إننا ونحن معلمون نتعلم لنفوسنا, لا ممن يكبروننا علما وخبرة فقط, بل وممن يستوون معنا أو يصغرون عنا, ولنتعلم أيضا من طبيعة الحيوان أحيانا ومن النبات أحيانا, ومن الجماد أحيانا.
لنضع نصب عيوننا أن الروحانية هي أسمي غاياتنا لأننا منها نري الله, وبدونها تعمي قلوبنا وأفهامنا حتي لو تفتحت بالمعرفة عقولنا…
قد نبلغ الحكمة ومراتب المعرفة, وتغيب عنها البديهيات والأوليات.
قد نتقن الدقائق وندخل إلي التفصيلات, وتفلت منا المبادئ والأصول التي تفرعت عليها التفصيلات…
لما قال الأنبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك الذي أتقن علوم اليونان والرومان أن ألف باء التي يعرفها راهب بسيط المعرفة لكنه قديس يجهلها هو, لم يكن قوله مجرد تعبير متواضع من عالم زاهد, لكنه في حقيقته تعبير يصدق علي كل نوع من المعرفة بلا روحانية…
الروحانية لازمة للخدام, لئلا يجوعوا ويعطشوا ويتعروا, ويضحك الشيطان منهم…
الروحانية تبني الخدمة أعظم من جميع المشروعات والخطط المحكمة…
الروحانية بناء حقيقي, لملكوت الله, وتدمير حقيقي لمملكة الشيطان..
من الخدام قوم بدأوا حسنا, لكنهم ظهروا بين الخدام قبل الزمان…لقد نضجوا قبل الأوان, فكان لابد أن يفشلوا وأن ينهاروا.
لقد ملكوا القليل, فاندفعوا به إلي السوق, وهناك بددوا مالهم بعيش مسرف حتي احتاجوا إلي الخرنوب…
كان لهم بعض النور, ففرحوا به واطمأنوا علي نفوسهم وناموا, ولم يعلموا أنه نورا إلي حين, نور لايكفي لهم وللباقين…
إن أول مبادئ مدارس التربية الكنسية هو الروحانية التي يتعهدها صاحبها, والتي يحرص دائما علي أن يكون له منها رصيد لا ينقص ولكنه يزيد…
إنني يا إلهي فقير في كل هذا, لكني إذ أقول هذا, فلكي أنبه نفسي, قبل أن أنبه إليه غيري.
علي أن هناك خطأ يقع فيه بعض خدامنا في مدارس التربية الكنسية, ذلك أن قراءتهم عن الرهبان, وتعليمهم لقصص الرهبان, طبعهم بعقلية ضيقة في فهم الحياة الروحانية والرهبانية. لذلك يظن البعض منهم أن الزواج نقص في الروحانية. أعرف شبابا بل وشابات يحجمون عن فكرة الزواج, كما لو كانت رجسا من الشيطان الرجيم, وأراهم يترددون في التصريح بها لإخوانهم أحيانا, كما لو كانت انحرافا عن مبدأ روحاني سماوي.
ومع أنهم يعرفون أن الزواج سر مقدس, لكنهم في أعماقهم, يحسون أنه نقص في الروحانية.
لكن ليس الأمر كذلك, عند الجميع. حقا إن الزواج حصن للطهارة. وقد قال الرسولإن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا(كورنثوس الأولي7:9). لكن ليس كل من يتزوج بعاجز عن ضبط نفسه, وليس كل من يمتنع عن الزواج بقادر علي ضبط نفسه.
فهناك من يتزوج وهو قادر علي ضبط نفسه, لكنه يتزوج لتكوين أسرة مثالية, ولكي يلد أولادا ويربيهم, أو حبا في مشاركة روحية وفكرية.
وهناك من يتزوج لأن ظروفه المادية, أو ظروفه الاجتماعية تلزمه بلذلك. وربما تكون هذه الظروف ألزم بالنسبة للشابات أكثر منها للشبان. فلا يليق بتاتا أن ننظر إلي الزواج هذه النظرة الناقصة.
حقا إن البتولية أفضل من الزواج, من حيث أن إمكانياتها للروحانية وللخدمة أعظم. لكن هذا المبدأ يختلف عند تطبيقه من فرد إلي آخر. فد يكون الزواج عند شخص أكثر عونا له علي حياة التقوي والخدمة من البتولية.
ليس الزواج والبتولية إذن علي خطين متعارضين, وإنما هما علي امتداد واحد.فإن كانت البتولية أكثر كرامة, فالزواج أكثر مكرم(العبرانيين13:4), وإن كانت البتولية أعظم طهارة, ولكن الزواج أيضا طاهر.
ثانيا- محبة الكنيسة والتعلق بها وبخدمتها:
والكنيسة هنا هي الكنيسة الأرثوذكسية, الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية. وإن كان لكنيستنا القبطية في الجامعة الرسولية محبة خاصة في قلوبنا لأنها الكنيسة التي نعرف تاريخ كفاحها وآلامها, والتي نعرف قوة روحانيتها, ونفخر بالدور الذي لعبته في تاريخ المسيحية لصيانة الإيمان, والصمود أمام الاضطهاد, والأثر الواضح الذي تركته في تراث العالم بأسره.
فنحن في مدارس التربية الكنسية نحب الكنيسة, ونؤمن بعقيدتها, مبادئنا أرثوذكسية صريحة لا نقبل غيرها, ولا نعطف علي سواها. نؤمن بها لا عن تعصب, بل عن اقتناع. وهذا هو واجبنا في مدارس التربية الكنسية أن نعلم بالأثوذكسية في قوة, ونتعلم ونعلم مبادئها, حتي لا يكون إيماننا قائما علي حماس فارغ أو عاطفة هو جاء, بل علي اقتناع وتصديق. حتي إذا صدمت ريح الشك واحدا فينا, فلا يبتلع, بل يجد عند هدوء العاصفة مبادئ الإيمان التي انعقدت عليها النفس ثابتة في مكانها لم تسقط.
ياخدام مدارس التربية الكنسية تنبهوا إلي هذا, يجب أن تدرسوا تعاليم كنيستكم واحدا واحدا, وأن تفحصوها فكرة فكرة. ناقشوا وافحصوا ولا تسمحوا لأنفسكم أن يكون إيمانكم هو ذلك الإيمان الساذج الذي لايعرف أن يجيب علي سؤال, أو يقاوم شكا. بل ليكن إيمانكم إيمانا متعقلا, واضحا للشعور والفكر والتصديق.
لاتنسوا أن تقدموا دائما في تعليمكم للأطفال والشباب ما يثبتهم في عقيدة كنيستهم وما يشبعهم بها, في كل مراحل الحياة.
أدخلوا الأرثوذكسية إلي دماء الأطفال, ودعوها تنمو مع قامتهم, وتتمشي في عروقهم. وكلموا الشباب عن الأرثوذكسية, وفهموهم قوتها.
وإياكم وبدعة الفصل بين العقيدة وبين الحياة. إياكم أن تفصلوا بين الموضوعات الروحية والعقيدية.
إياكم أن تحرموا الأطفال من التعليم الأرثوذكسي تحت دعوي أن العقيدة طعام قوي للبالغين.
أدخلوا الأرثوذكسية إلي نفوس الأطفال بلغة الأطفال وأدخلوها إلي نفوس اليافعين بأسلوب اليافعين. لكن لا تهملوا أن تشبعوا تعليمكم بالروح الأرثوذكسية, والاقناع الأرثوذكسي.
وإياكم أيضا أن تكون أرثوذكسيتهم أرثوذكسية العقيدة دون أرثوذكسية السيرة. فهذه هي الأرثوذكسية النظرية. إن التناول لم يوضع في كنيسة المسيح ليكون موضوعا للجدل النظري بين المؤمنين به والكافرين به. فإذا كنت مؤمنا به فهذا لا ينفعك شيئا إن لم تتناول بالفعل, فتنال غفرانا للخطايا, وتثبت في المسيح, والمسيح يثبت فيك, حينما تتطعم أيها الغصن في الكرمة فتأخذ من دسم الكرمة وعصيرها لتحيا فيها وبها.
وما نقوله عن التناول نقوله أيضا عن الصوم, ونقوله عن شفاعة القديسين ونقوله عن سر التوبة, وسر الكهنوت, وجميع العقائد الإيمانية. إنها ليست للنقاش أو الجدل بين اللاهوتيين.لكنها لحياة التقوي, ولإطراد الفضيلة, وللنمو في النعمة والمعرفة الروحانية.
وكما أن الأرثوذكسية هي الرأي القويم كذلك أيضا الفضائل الروحية الصرفة من اتضاع وحب, ووداعة, وحكمة وما إليها تحتاج إلي فهم سليم ورأي قويم. فهذه الفضائل لها حدود. والخروج علي حدود الفضائل ينقل إلي الرذائل. وكما علي الإنسان أن يرعي الأرثوذكسية في قضايا الإيمان, حتي لا يسقط في بدعة أو تعليم غريب, كذلك عليه أن يرعي الأرثوذكسية في فضائل التقوي. فليزم الجهاد القانوني والشرعي, وإلا ضاع إكليلهإن كان أحد يجاهد فلا ينال الإكليل مالم يجاهد جهادا قانونيا(2تيمو2:5).