أعلن البيت الأبيض تسمية الرئيس الأمريكي جورج بوش ”مارجريت سكوبي” ”Margaret Scobey” لتكون سفيرة للولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة, بذلك تكون أول سيدة تشغل منصب السفير الأمريكي بالقاهرة, منذ أن استؤنفت العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر في مارس 1974 بعد عدة سنوات من القطيعة التي بدأت مع حرب يونية .1967 ولكن تلك التسمية تنتظر موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي, حيث يمنح الدستور الأمريكي مجلس الشيوخ حق الموافقة علي تسمية الرئيس الأمريكي للسفراء. ولعل تسمية ”سكوبي” سفيرة للولايات المتحدة بالقاهرة في الوقت الراهن يثير العديد من التساؤلات: حول توقيت تلك التسمية؟, ولماذا سكوبي؟, وكيف ستكون العلاقات بين الجانبين المصري والأمريكي في ظل تولي سكوبي هذا المنصب؟.
خبرة دبلوماسية بمنطقة الشرق الأوسط
ولدت ”مارجريت سكوبي” في 1954 بمدينة ممفيس بولاية تينسي وحصلت علي شهادة في التاريخ من جامعة تينسي في نوكسفل عام 1971 و نالت من الجامعة ذاتها في عام 1973 درجة الماجستير, وواصلت التحضير لنيل درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة ميشيجان في مدينة آن آربور.
ولسكوبي خبرة طويلة بقضايا منطقة الشرق الأوسط والثقافة والحضارة العربية, لكونها خدمت في أكثر من دولة عربية, متدرجة في مناصب السلك الدبلوماسي, فهي تعد من أنشط الدبلوماسيات الأمريكيات. فبدأت عملها في السلك الدبلوماسي الأمريكي الخارجي عام 1981, وركزت جل اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط. كانت سكوبي أول امرأة تتولي مهام منصب القائم بالأعمال بالسفارة الأمريكية بالرياض في الفترة من الحادي عشر من سبتمبر 2001 وحتي نوفمبر 2003 بمرتبة وزير مستشار خلفا لتشارلز برايشو.
وفي 9 ديسمبر 2003 وافق مجلس الشيوخ الأمريكي علي تسميتها سفيرة للولايات المتحدة بدمشق. وقد حلفت اليمين في 22 ديسمبر 2003, وبذلك تولت سكوبي منصب السفير الأمريكي بالسفارة الأمريكية بدمشق من أواخر 2003 و بدايات عام 2004 حتي 2005, في فترة من الفترات التي شهدت فيها العلاقات الأمريكية _ السورية مراحل من التدهور و الضغط الأمريكي علي دمشق. وقد مثلت تلك الفترة تحديا عظيما لسكوبي لإقناع سوريا بالتخلي عن سياساتها التي من شأنها الإضرار بالمصالح الأمريكية بالمنطقة وعالميا, ولدعمها للجماعات الإرهابية ـ حيث تصنف الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوربية جماعات المقاومة الإسلامية علي أنها جماعات إرهابية ـ و برامج أسلحة الدمار الشامل, واحتلالها المستمر _ حسب الوجهة الأمريكية _ للبنان, وعدم قيامها بالتأمين الكافي للحدود السورية _ العراقية. حيث كانت تري واشنطن أن الخلل الأمني علي الحدود المشتركة مع العراق يمكن الجماعات المسلحة من الدخول إلي العراق لتنفيذ عمليات مسلحة ضد القوات الأمريكية.
وخلال فترة توليها لمنصب السفير الأمريكي بدمشق تمكنت سكوبي من التواصل مع القيادات السورية لإيصال المطالب الأمريكية و العمل علي خدمة المصالح الأمريكية. و نظرا لكفاءتها الدبلوماسية عينت في عام 2006 مسئولة سياسية بالسفارة الأمريكية في بغداد. وفي سبتمبر 2007 أعلنت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للدبلوماسية العامة وللشئون العامة ”كارين هيوز” مارجريت سكوبي مستشارة كبيرة لها.
وفي السابق شغلت سكوبي منصب مديرة مكتب شئون الجزيرة العربية في إدارة الشرق الأدني بوزارة الخارجية, وشاركت في دورة وزراء الخارجية الأمريكية لكبار المسئولين في الفترة من 1999 حتي .2000 وشغلت سكوبي من قبل منصب نائبة رئيس البعثة الدبلوماسية في السفارة الأمريكية بصنعاء, ورئيسة للقسم السياسي في سفارة الولايات المتحدة في الكويت, كما عملت في القنصلية الأمريكية العامة في القدس.
وفي بداية خدمتها عملت في ليما وبيشاور وإسلام أباد, كما عملت في مقر وزارة الخارجية الأمريكية ضمن هيئة موظفي مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأدني وجنوب أسيا, ومسئولة مراقبة في مركز العمليات. كما عملت مسئولة سياسية وعسكرية لشئون إسرائيل وللشئون العربية ـ الإسرائيلية, ونائب هيئة سكرتارية الوزارة.
بتعيين سكوبي سفيرة للولايات المتحدة بدمشق في أواخر 2003 تعد رابع سيدة تتولي منصب السفير الأمريكي في عدد من بلدان منطقة الشرق الأوسط. فقد تولت ”مورين كوين” ”Maureen Quinn” منصب السفير الأمريكي بقطر في الفترة من 2001 حتي 2004, وأثناء تلك الفترة عينت ”مارسيل وهبة” ”Marcelle Wahba” سفيرة للولايات المتحدة بدولة الإمارات العربية المتحدة خلفا لـ ”ميشيل سيسون” ”Michelle Sison ”.
دلالة التوقيت
يأتي تعيين سكوبي سفيرة للولايات المتحدة بالقاهرة خلفا لـ ”فرانسيس ريتشاردوني” في وقت تشهد فيه العلاقات بين الجانبين المصري والأمريكي حالة من الصعود تارة والهبوط تارة أخري; نظرا للعديد من الملفات الشائكة بين الجانبين والتي تتنوع ما بين ملف الديموقراطية وحقوق الإنسان والإصلاح السياسي والموقف المصري من العديد من قضايا المنطقة.
ولتأزم العلاقات بين الجانبين المصري والأمريكي رأي العديد أن سنوات حكم الرئيس الأمريكي الحالي بوش ربما تكون الأسوأ للعلاقات المصرية ـ الأمريكية خلال أكثر من 27 عاما قضاها الرئيس مبارك في الحكم. حيث توقفت خلالها منذ ما يقرب من أربع سنوات الزيارات الرسمية السنوية التي كان يقوم بها الرئيس المصري إلي واشنطن خلال شهر أبريل من كل عام, والتي كانت معلما رئيسيا علي العلاقات الاستراتيجية والتحالف الاستراتيجي بين الجانبين المصري والأمريكي.
وقد انعكس توتر العلاقات قبيل زيارة الرئيس الأمريكي إلي شرم الشيخ لمدة ساعات في إطار جولته الشرق أوسطية من تعرض بوش لهجمة شرسة في الصحف القومية والبرلمان والنقابات التي أوصلت رسالة إلي بوش مفادها ”أن الجميع في مصر ضدك”.
الدور المتوقع لسكوبي
علي الرغم من أن الرئيس الأمريكي في سنته الأخيرة في البيت الأبيض يقوم بزيارات لتوديع الحلفاء والأصدقاء والتي لا تكون ـ سنته الأخيرة ـ ذات فاعلية في قضايا السياسة الخارجية إلا أن الرئيس الأمريكي قبل نهاية ولايته الثانية أواخر هذا العام. أراد أن يضخ دماء جديدة في سفارة بلده بالقاهرة ذات خبرة بقضايا الشرق الأوسط وعلي دراية عالية بثقافتها وتاريخها ومشاكلها; من أجل الحفاظ علي علاقات طيبة مع مصر التي من شأنها تحقيق العديد من المصالح الأمريكية بالمنطقة التي أشارت إليها العديد من الدراسات الأمريكية, منها دراسة أعدتها مؤسسة الأبحاث التابعة للكونجرس الأمريكي ـ والتي تقدم معلومات وبيانات إلي أعضاء الكونجرس وصناع القرار في واشنطن ـ والتي تتمثل في:
المصلحة الأولي: الاستفادة من الدور القيادي لمصر في الوطن العربي حيث أنه في أغلب الأحيان تنظر الدول العربية الأخري إلي مصر علي أنها صاحبة المبادأة أو الدولة التي تمثل النموذج الذي تحتذي به الدول العربية فيما يتعلق بقضايا المنطقة.
المصلحة الثانية: الحفاظ علي الصوت المصري المعتدل في المؤسسات والمجلس الإقليمية العربية وفي بعض الأحيان الاعتماد علي مصر لإقناع الدول العربية الأقل اعتدالا بحكمة التوصل إلي حل وسط.
المصلحة الثالثة: الحفاظ علي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
المصلحة الرابعة: التعاون العسكري بين البلدين لمواجهة التهديدات والعدوان ضد القوي الصديقة بالمنطقة كما حدث في حرب تحرير الكويت عام .1991
ولهذا وقع اختيار الرئيس الأمريكي علي سكوبي لخلافة ريتشاردوني لخبرتها بمنطقة الشرق الأوسط لأكثر من عقد من الزمان, هادفا من وراء هذا التعيين إعادة إحياء الدور المصري الذي تراجع في الآونة الأخيرة في العديد من ملفات المنطقة المثارة. وهو ما أشار إليه تقرير صادر عن مركز خدمات الكونجرس في 12 ديسمبر الماضي (2007), الذي أشار إلي أن دور مصر البارز في المنطقة قد تقلص في السنوات الأخيرة, وأن بلدانا مثل المملكة العربية السعودية قد تنامت لتحل محل القاهرة منافسة متفوقة علي الدور المصري في العراق وأفغانستان ولبنان, كما أن دولا صغري مثل قطر أصبحت تنازع القاهرة علي المكانة الإقليمية.
وبخبرة سكوبي الدبلوماسية وعملها في عدد من مناطق النزاع بمنطقة الشرق الأوسط يعول الرئيس الأمريكي عليها في تنشيط الدور المصري إقليميا بما يتناسب مع المصالح والرؤية الأمريكية, والتوفيق بين الرؤيتين المصرية والأمريكية لاسيما في الوقت تمر فيه السياسة الأمريكية الشرق أوسطية بحالة من الفشل في العديد من الملفات التي أصبحت في أيدي قوي مناوئة للولايات المتحدة; لذا فهي تريد من القاهرة الإمساك بزمام تلك الملفات التي سوف تكون ضامنة للمصالح الأمريكية ـ وحتي وإن كانت في حدودها الدنيا ـ, علي عكس القوة المناوئة لواشنطن في وقت يتوقع أن تنسحب الإدارة الجديدة من تلك الملفات مستقبلا.
تقرير واشنطن