تاريخ الإسكندرية العريق الثري بثقافاته المتعددة حاضر في كل ركن من أركان المدينة الجميلة ويظهر ذلك من خلال أسماء كثيرة في الأحياء والشوارع مثل كامب شيزار أي معسكر قيصر, وسانت كاترين وسان ستيفانو والشاطبي نسبة للإمام الشاطبي وسموحة وهو اسم يهودي يرجع للجاليات اليهودية التي كانت بالإسكندرية.
قامت الحكومة المصرية برئاسة محمد سعيد باشا رئيس النظار بشراء مقر للوزارة في منطقة بولكلي وذلك في 13 يوليو عام 1913م ليصبح مقرا لاجتماعات مجلس النظار طوال أشهر الصيف حيث جرت العادة في عهد محمد علي باشا أن تنتقل كافة مصالحة وهيئات الدولة لتقضي الصيف في الإسكندرية فتتحول المدينة إلي العاصمة الصيفية لمصر لمدة ثلاثة أشهر هي يونية ويوليو وأغسطس.
كان وقتها يوجد قطار خاص يسمي قطار البحر لركاب الدرجة الثالثة أيام الجمعة والسبت والأحد من كل أسبوع يذهب من القاهرة 6.15 صباحا ويعود من الإسكندرية 8.30 مساء وكانت قيمة التذكرة ذهابا وإيابا 325 مليما, وأعدت بلدية الإسكندرية أكشاكا للاستحمام مجانا ما بين سبورتنج وكليوباترا وسيدي بشر, وكان هناك أتوبيس مخصص للتنقل بين الشواطئ, وكانت الأجرة خمسة مليمات إلي سبورتنج وكليوباترا, وعشرة مليمات إلي سيدي بشر, ومن الدرجة الأولي كانت تشمل الذهاب والإياب والإقامة في الفندق وتناول الإفطار والغداء والعشاء واستعمال الحمامات العمومية فكانت الأسعار تختلف باختلاف الفنادق والأشهر, فعلي سبيل المثال وقتها كانت الأسعار في فندق سان ستيفانو خلال شهري يونية ويوليو أربعة جنيهات لمدة ثلاثة أيام وستة جنيهات لمدة سبعة أيام, أما شهر أغسطس فيزداد المبلغ 200 مليم لثلاثة أيام و500 مليم لمدة سبعة أيام.
وعن دولة النحاس باشا, فكان يقضي راحته الصيفية في الإسكندرية, حيث اعتاد أن يستأجر بها فيلا علي مقربة من الشاطئ ويكون دائما برفقته الأستاذ مكرم عبيد وبعض من زملائه, فهو يستيقظ مبكرا من الصباح ويقوم ببعض التمرينات الرياضية ثم يخرج تقريبا في الساعة التاسعة صباحا إلي البلاج ويكتفي دائما بساعة واحدة للاستحمام بماء البحر وهكذا يقضي الصيف كل عام, وكانت وقتها الإسكندرية تشتهر بجمالها وهدوئها حتي شهدت زحاما شديدا في أول شهور الصيف في عهد الملك فاروق الذي اعتاد أن يقضي الصيف بالإسكندرية هروبا من حر القاهرة ومعه كبار رجال الحكومة, واعتاد أيضا حضور حفلة تقام سنويا بدعوة من اللواء حسين رفقي باشا في مياه رأس التين بقباري للألعاب المائية وكان يحضر الحفلة سعيد ذو الفقار ومحمد أمين بك الأمين الثاني للملك والمسيو جاك جوهر رئيس اتحاد الأندية الرياضية وقتئذ. وبالتالي أصبحت الإسكندرية العروس التي تحتفل طوال فترات الصيف علي مرور السنوات بزفافها وبحضور الزعماء والقادة السياسيين حتي قامت ثورة 1952م التي تم في أعقابها إلغاء مصيف الوزراء وبقي المبني حاليا في بولكلي يتبع رئاسة مجلس الوزراء وسمي المكان الموجود أمام المبني باسم محطة الوزارة.
ووجهت الأنظار مرة أخري إلي المدينة العريقة والعاصمة الثانية لمصر من قبل الحكومة عندما أعلن الرئيس جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس من ميدان المنشية عام 1956م, وأوفد لها الكثير من المصطافين في هذا العام حتي ارتفعت الأسعار مما ترتب عليه في الأعوام التالية قلة المصطافين بها وأصبحت الإسكندرية تبحث عن مصطافين فقال راغبو الاصطياف وقتئذ إن غلاء المساكن قد بلغ حدا لا يطاق فإيجار الشقة لمدة ثلاثة أشهر الصيف مائة وخمسين جنيها ووجبة غذاء مكونة من طبق من اللحم والخضار والفاكهة في مطعم درجة ثانية بـ45 قرشا والحجرة في الليلة الواحدة في فندق متوسط بـ75 قرشا.
ولحل هذه المشكلة رأت بلدية الإسكندرية أن تسمح للمصطافين ببناء كبائن علي نفقاتهم الخاصة بشرط أن تؤول ملكيتها للبلدية بعد ثلاث سنوات وقبل الكثير هذا الشرط وبدأ البناء ولكن الكبائن لم تحل المشكلة وأصبح المصطافون يقولون كنا نقبل الاصطياف لوفرة المال.. والآن قد نضب المال ولم نعد نتحمل الغلاء.
ومع ذلك لاتزال الإسكندرية عند الكثيرين عروس البحر المتوسط التي تتزين دائما للعريس المصطافين ولدفع مهرها الذي يتغير كل سنة خلال أشهر الصيف.