تستعد الكنيسة القبطية في هذه الأيام المباركة لاستقبال أسبوع الآلام الذي يلتحم بالصوم الأربعيني المقدس وتعتبره من أقدس أيام السنة وأكثرها نسكا نظرا للأحداث الصعبة التي مرت علي السيد المسيح خلاله… وفيه يزداد الأقباط عبادة ونسكا وروحانية… وأطلق البعض علي هذا الأسبوع تسمية ممتدة من العهد القديم وهي أسبوع البصخةوبصخة كلمة قبطية معناها فصح وبالعبرية تعني عبورا أو اجتيازا وهي تذكار بما حدث في عهد موسي وجاء عنه في سفر الخروج الأصحاح الثاني عشر عن خروف الفصح الذي كان برش دمه علي الأبواب فيعبر الملاك المهلك عن البيت وربطا بالمسيح حمل فصحنا الذي بدمه ننجو من الهلاك ولاسيما إذا آمنا وقبلناه فاديا لنا كما جاء في 1بط1:9-20 و1بط2:2:21 1كو5:6-7 وربما لانشغال الكثير بهذه الأمور الأكثر أهمية فتكون المعلومة التاريخية بالنسبة لهم غير متاحة وأود أيها القاريء العزيز في هذه السطور القليلة أن أضع بين يديك نبذة مختصرة عن تاريخ أسبوع الآلام وتطوراته التاريخية وارتباطه بالصوم الكبير.
الكتاب المقدس وأسبوع الآلام
لقد سجل لنا العهد الجديد ولاسيما البشائر الأربعة أحداث أسبوع الآلام تسجيلا رائعا يروي ما حدث في كل يوم منذ أن تشاور اليهود فيما بينهم في أمر القبض علي المخلص وحتي يوم صلبه ودفنه وقيامته فكتب لنا القديس متي الرسول والذي كان موجها بشارته إلي جماعة اليهود فقالحينئذ ذهب واحد من الاثني عشر الذي يدعي يهوذا الإسخريوطي إلي رؤساء الكهنة وقال ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم فجعلوا له ثلاثين من الفضة ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمه.
وجاء عن عشاء الفصح مع التلاميذمر14:12-21,لو22:7-23,يو13:21-30وفي أول أيام الفطير تقدم التلاميذ إلي يسوع قائلين له أين تريد أن نعد لك لتأكل الفصح.فقال اذهبوا إلي المدينة إلي فلان وقولوا له المعلم يقول إن وقتي قريب عندك اصنع الفصح مع تلاميذي… ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع وأعدوا الفصح.ولما كان المساء اتكأ مع الاثني عشر.وفيما هم يأكلون قال الحق أقول لكم أن واحدا منكم يسلمني,فحزنوا جدا وابتدأ كل واحد منهم يقول له هل أنا هو يارب.فأجاب وقال الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني.إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان… كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد.فأجاب يهوذا مسلمه وقال أنا هو يا سيدي قال له أنت قلتوسطر لنا العهد الجديد عن تأسيس سر التناول أي عشاء الربسر الإفخارستياالذي تم في هذا الأسبوع المقدس فيمر14:22-26,لو22:15-20وأما قيامة يسوع من الموتمر16:1-10,لو24:1-12,يو20:1-10.
وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخري لتنظرا القبر وإذا زلزلة عظيمة حدثت لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه.وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج.فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخافا أنتما فأني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوبومن منطلق النصوص السابقة يتضح لنا إن الأسبوع الأخير من الحياة الجسدية للمخلص بيننا كان آلاما مبرحة تحملها عن بشريتنا التي أخطأت في حق الله وقبل في نهايته الموت بإرادته ليردنا مرة أخري بقيامته إلي رتبتنا الأولي… لهذا كان لأسبوع الآلام مكانة خاصة عبر التاريخ.
المراحل التاريخية لتطور أسبوع الآلام
سمي هذا الأسبوع بأسبوع الفصح المقدس نظرا لأوامر الآباء الرسل ك8ف18 وتحتفل به الكنيسة منذ ليلة الاثنين التالي لأحد السعف إلي السبت نهاية الأسبوع كما جاء في أقوال الرسل أنفسهم ما نصهفليكن عندكم صوم الأربعين جليلا, وبعد هذا اهتموا أن تكملوا أسبوع الفصح المقدس وتصوموه كلكم بخوف وزهد وتقشف لأن فيه تشاور اليهود علي يسوع ويهوذا الدافع أسلمه إليهم وفيه تألم وصلب وماتك8ق18 وقد أشارت الديداخيتعاليم الرسلإلي صوم يومين لاسيما المقبلين إلي المعمودية أي الموعوظين الذين كانت تتعامل معهم الكنيسة في بدايتها عند دخولهم إلي المسيحية حديثا في ليلة عيد القيامة وكانت تقول الديداخيقبل المعمودية ليصم المعمد والذي يعتمد ومن يمكنه من الآخرين وأوصي الذي يعتمد أن يصوم يوما أو يومين قبل المعموديةالقانون السابع الفقرة الرابعة وهذا جاء أيضا في قوانين هيبوليتوس القانون التاسع عشر الفقرة الرابعة كما كان أول ذكر لأسبوع الفصح الذي هو أسبوع الآلام أي الستة أيام كاملة كان في الدسقولية السريانية التي تم تدوينها في شمال سورية ما بين عامي200-250موتدعيالديداسكاليا أي تعاليم الرسلالتي انتشرت في القرن الثالث الميلادي.
كما أكد أهمية الاحتفال بالصوم والنسك في الأسبوع السابق لعيد القيامة كل من الآباء الأولين في الكنيسة مثل القديس إيريناؤس الذي قال إن صوم ما قبل الفصح هو يومان أو ثلاثة أي أنه كان في القرون الأولي الاستعداد للفصح الذي هو القيامة يومان أو ثلاثة أياموأكد هذه العبارة وأوردها المؤرخ يوسابيوس والعلامة ترتليانوس160-225مفي خطابه إلي كنيسة شمال أفريقيا كتب عنصوم الفصحالذي كان يبدأ يوم الجمعة العظيمة ويدوم حتي فجر أحد القيامة… وهكذا كتب القديس أغسطينوس في كتاب حياة قسطنطين وأيضا يوحنا ذهبي الفم والعلامة أوريجانوس وغيرهم من الآباء الأولين والمؤرخين الذين أجمعوا أن المسيحية كانت تحتفل في أيامها الأولي بجمعة الآلام وعيد القيامة أي الفصح, والجدير بالذكر أن التطور الذي لحق بأسبوع الآلام الذي نصومه الآن.إنه في الكنيسة الأولي كنيسة أورشليم كان صوم الأربعين منفصلا عن أسبوع الآلام وكان صوم الأربعين يبدأ بعد عيد الأبيفانيا أي عيد الغطاس مباشرة في اليوم الثاني عشر من طوبة حسب ما فعل المخلص وكان فطره في اليوم الثاني والعشرين من أمشير ثم بعد فترة يعملون جمعة الآلام وتختم بعيد القيامة وظل هذا النظام إلي عهد البابا الأنبا ديمتريوس الكرام واضع حساب الأبقطي البابا الثاني عشر188-230مالذي علم أن يلتصق أسبوع الآلام بالصوم الأربعيني وربط الصومين ببعض مضيفا لهما الأسبوع الأول الذي اختلف البعض علي تسميته وأصبح الصوم الكبير يجمع الأسبوع الأول والأربعين وأسبوع الآلام ومدته55 يوما وهذا ما جاء في الرسالة الثانية الفصحية التي كتبها البابا أثناسيوس الرسولي328-323مفي عام 330م وعرف بعد ذلك أن الفصح المسيحي ميعاده في يوم الأحد التالي للفصح اليهودي وكان هذا تقليدا متبعا في كنائس مصر وفلسطين وروما وكان في ذلك الوقت موضع اهتمام الكراسي الرسولية الثلاثة رومية وأنطاكية وأورشليم وكان هناك بعض البلاد المنشقة علي وحدة يوم عيد الفصح إلي أن جاء مجمع نيقية عام 325م وكان من قراراته أن يكون عيد القيامة هو الأحد التالي ليوم14 نيسان حتي لايكون الفصح المسيحي مع اليهودي واستمرت هذه الوحدة إلي أن أصدر البابا غوريغوريوس الثالث منشوره المعروف سنة 1582م وترتب عليه الانقسام إلي كنائس تتمسك بما جاء في قرارات مجمع نيقية عام 325م ومنهم الكنيسة القبطية… والفريق الثاني تبع ما أصدره البابا غوريغوريوس الثالث.ومما سبق يتضح لنا أن تاريخ الصوم والنسك الشديد قبل الفصح بدأ من الأيام الأولي للمسيحية معتمدين علي ما جاء في الأناجيل الأربعة ثم زاد التأكيد عليه في تعاليم الآباء بالدسقوليا وكتابات الآباء في القرون الأولي ومجمع نيقية الذي أكد وحقق موعده وعدد أيامه علي حساب ما وضعه البابا ديمتريوس الكرام واحتفظت كنيستنا بهذا التقليد إلي يومنا هذا مع ما جاء عن الآباء الرسل ونصهولايكون تزيين في تلك الأيام والنساء يضعن حليهن ويجب علي كل واحد أن يتحفظ في كل الأربعين يوما والبصخة فأن غفراننا وخلاصنا فيهما ولايكون تجنيز ولاتعميد في جمعة البصخة ولا تكريس في خميس العهد بل يجب ملازمة البيعة الجمعة كلهامج ب15 بند 25 لقد كان الآباء الأوائل في المسيحية يمتنعون عن الأشغال العالمية كما كانت الشريعة المدنية تمنع فيه الخدمة الاستعبادية والملوك المؤمنون كانوا يصدرون مرسوما بتعطيل المصالح الحكومية والمدارس سبعة أيام قبل العيد وسبعة أيام بعده وكان الملك ثاؤدوسيوس الكبير يصدر أوامره بالإفراج والصفح عن كل المسجونين في كل المملكة عملا بما جاء في تعاليم الرسلفلتعف العبيد من الأشغال في الجمعة السابقة لعيد الفصح والجمعة التي تليه لأن الأسبوع الأول هو جمعة آلام المخلص والثاني جمعة قيامته من الأمواتومن هذه التعاليم الرسولية والتقليد المسلم لنا من الآباء تحرص الكنيسة علي مواصلة حياتها التعبدية تذكارا لعمل الله من أجلها ومن أجل كل نفس بشرية وتنفيذا لطاعة تعاليم الآباء الرسل الذين كتبوا لنا قائلينيجب أن تصوموا في أيام الفصح ابتداء من يوم الاثنين إلي السبت وهي ستة أيام تأكلون فيها الخبز والملح والماء فقط أما يوم الجمعة والسبت فصوموهما كليهما معا إذا استطعتم ولا يؤكل فيهما شيء حتي صياح الديكفجر أحد القيامة وإذا لم يستطع أحد أن يصومهما معا فليحفظ صوم يوم السبت ففي هذه الأيام حكم علي الرب بالموت صلبا وعد مع المجرمين كما جاء في أش53:12 ولأجل هذا نعلمكم أنتم أيضا أن تصوموا فيهما إلي الليل وليكن الصوم من ثاني الأسبوع لتفطروا في صياح الديكدسقب18و31 وجاء أيضا في المجموع الصفوي 174 ما يؤكد مواظبة الكنيسة علي هذه التعاليم وتفعيل هذا التقليد الذي يسمو ويرتفع بالنفس البشرية إلي أعلي درجات الحب التعبدي والطاعة الإلهية حقا إنها رحلة تاريخية شهية لأسبوع من أجمل أسابيع السنة عبادة وإلصاقا بالله وكنيسته.
المصادر:- الكتاب المقدس-الدسقولية-كتاب الديداكي-اللآليء النفيسة-كنوز النعمةج5-مواقع مختلفة علي الإنترنت.
[email protected]