تجمدت الدموع في عينيه تجلد ضاغطا علي أعصابه ومشاعره وهو يسمعها تناديه ويرد عليها حتي يعرف أين هي.. يأتيه صوتها الضعيف من بعيد..
الحقني يا بابا…الحقني قبل ما أموت…
ضغط علي أعصابه أكثر وهو يرد:
ما تخافيش يا بنتي ماتخافيش أنا جاي لك.كان كل من حوله من الرجال الذين تعبوا في إنقاذ أخواتها قد توقفوا عن الحفر والبحث.
لو حاولنا أكثر من كده لسقطت بقية الجدران علينا.صرخت المشاعر داخله فخرج صوته عاليا صارخا:
أعطوني فأسا احفر بها أنا.. كفاكم أنتم.. ابتعدوا وأتركوني وحدي.. أعادوا عليه كلامهم وأضافوا:
إحنا خايفين عليك يا أفندي.
قلت سأرفع الأنقاض وحدي…ابتعدوا أنتم.
قال هذا وهو يخطف الفأس من أحدهم وأسرع بالتقدم إلي الداخل أسرع أحدهم بالاقتراب منه.. سحب الفأس من يده.
ارجع أنت يا أفندي معقول تحفر أنت وأنت لم تمسك فأسا عمرك وإحنا واقفين نتفرج عليك..ربنا معانا إنشاء الله.
اقترب أكثر.. قبل أن تتحرك الفأس في يده سمعها تتكلم وقد خفت صوتها بعد كلام كثير وصراع أقوي:
أنا هنا يا بابا..تعالي خدني أنا خايفة..
ما تخافيش إحنا جايين لك علي طول.. قال هذا ثم أشار للرجل الذي تطوع لمساعدته.
الصوت جاي من هنا.. احفر من هنا بس حاسب ..خلي بالك
تأثر الرجل هو أيضا حين سمع صوتها.. استمر في الحفر بحرص أكثر وقلبه يدق من الخوف عليها بعد أن شعر بما تعانيه ويعانيه والدها الذي كرر رجاءه:
خلي بالك..اترك الفأس..حاول تبعد الأنقاض بايدك أحسن الفأس تطولها ..اقترب منه..وقفا متجاورين..مد يده يرفع معه بقايا الأنقاض
تلاقت أياديهم فوق قطعة خشب..أزاحا ما فوقها بحرص شديد..
سمع أصواتها وقد ارتفع قليلا:
أنا سامعة صوتك يا بابا.. مد إيدك خدني..
خاف أن يرد حتي لا يخرج صوته باكيا مما يزيد من آلامها وخوفها
لاحظ الرجل ملامح القلق بادية علي وجهه.. رد هو عليها مطمئنا إياها ثم همس لوالدها
ماتخافش..قربنا خلاص..قال هذا وانحني قليلا ..رآها ورأته ..مد يده أزاح قطعة الخشب.. أمسك بذراعها.. مد يده الأخري.. جذبها في فرحة كأنها ابنته هو.. هلل:
الله أكبر..الله أكبر..
دفعها إلي والدها.. أخذها منه وتساقطت دموعه التي تجمدت في عينيه بللت وجهه ووجهها استكانت بين ذراعيه لحظات حتي جاءت زوجته
ربتت عليها في حنان.. أخذتها راحت تتأملها في قلق:
مالك يا بنتي ساكتة ليه اتكلمي.. سألها علي أخواتها وطمأنته بأنهن مع نساء القرية يقمن باللازم نحوهن.. اقترب من الرجل الذي وقف معه حتي النهاية احتضنه قائلا:
جميلك مش ممكن أنساه يا محمود طول عمري.
ثم نظر حوله يبحث عن بقية الرجال الذين تعبوا في إنقاذ أخواتها.. اقتربوا منه في خجل وفرح مهنئين.
ده كله من طيبتك يا جرجس أفندي..مبروك..الحمد لله..
ماتزعلش منا صافحوه وصافحوهم في فرح شاكرا تعبهم.
متشكر قوي يا رجالة علي تعبكم معاي..
قال هذا وعانقهم وعانقوه ونظر إلي الشرق..ثم رفع وجهه نحو السماء يشكر الله علي كل شيء.