مفتتح
إننا نؤكد للجميع أن القانون الدولي ما هو إلا قصاصة ورق..!!
بن جوريون
أخيرا تحركت الدول العربية,بعد صمت طويل..طويل جدا للوقوف بجانبنا نحن شعبغزةالمحاصر منذ شهور بعدما شاهدونا عبر شاشات التلفاز,والحب يموت,والعمر يموت,والشباب يشيخ,والحلم يموت,والمولود يعلن عن موته قبل المجيء ,وأصبحت تسود فيما بيننا الوحدة والعزلة وإحساسنا بالمطاردة الدائمة .
لقد اتفقت-أخيرا-جميع الدول العربية علي أن تخرج من كل دولة أفضل ما لديها من جنود مهرة ثم يتم توزيعهم علي مدينةغزةبحيث يصبح نصيب كل بيت في غزةجنديا عربيا شجاعا يجلس داخل البيت ليل نهار لحماية أفراده وقد كان من نصيب أسرتي هذا الجندي الجالس في بيتنا ليل نهار,حتي أصبح فردا من أفراد الأسرة,يأكل مما نأكل ونشرب مما نشرب,والحق يقال إنه منذ أن وطأت قدماه داخل دارنا لم يحدث لنا مكروه قط,وراح السلام والأمان يعشش في أرجاء البيت.
2- خير اللهم اجعله خيرا,أنا قلبي متخوف هذه الليلة.
قالتها زوجتي ثم وضعت يدها أسفل خدها ,وجلست في حزن شديد رحت أطمئنها:
كيف تخافين والجيوش العربية تقوم علي حراستنا؟!
3- طار النوم من عيني محلقا بجناحيه في الهواء,بعدما تغول بداخلي هذا الخوف الذي زرعت بذرته زوجتي داخلي فصار الخوف يجري في عروقي مختلطا بدمائي.
قمت حاملا بين يدي سكين الوهم كي أقطع بها الشك باليقين رحت أتجول داخل حجرات البيت,أخرج من حجرة لأدخل أخري لأجد الهدوء يعم المكان وكل شيء علي مايرام زوجتي تنام علي سريرها تغط في نوم عميق وطفلي الوحيد نائم في حجرته ممسكا بمسدسهاللعبةالذي يدخل به حلمه الذي لم يتغير حتي الآن والذي دوما يقصه علي فور استيقاظه من نومه وهو يطير فرحا:
بابا أنا حلمت أني قتلت عشرة جنود إسرائيليين
عدت إلي حجرتي ,في محاولة مني للإمساك بحبال النوم مرة أخري.
رويدا..
رويدا..
عاد طائر النوم يحط علي حجرتي مرة أخري حتي احمرت عيناي ودمعت من كثرت تثاؤباتي..
دقائق وشعرت بأصوات غريبة داخل البيت لم أعتدها من قبل.
رحت أطمئن نفسي:
إنه القلق..نعم القلق اللعين الذي راح يتغلغل داخلي في حرية.
الصوت الغريب راح يزداد داخل البيت,تبعته صرخات طفليصلاح الدينتلك الصرخات التي راحت تخترق أذني بشدة:
- أنقذني يا أبي..جندي إسرائيلي يقوم بخطفي الآن..
رحت أوقظالجندي العربيوأخبرته بما سمعته رد علي في ثقة زائدة عن الحد:
لا تخف اتركه يأخذ الطفل,فلن يخرج الجندي سالما.
عقدت الدهشة لساني.
- رحت أتحرك في عصبية شديدة داخل الحجرة عاقدا يدي خلف ظهري تلازمني عيناه أينما تحركت.
يأتيني صوت زوجتي سريعا كطلقات رصاص:
- أنقذني يا أباصلاح الدينجندي إسرائيلي يقوم بخطفي الآن.
جن جنوني
صرخت في وجه الجندي العربيالذي لم يتحرك قط:
- أنت..
فأجابني بقوله البارد مثل لوح الثلج:
- قل لزوجتك لاتخف ولتأمرها أن تذهب معه في هدوء دون مقاومة هدونا هذا تتبعه عاصفة قوية مخططة.
ركبني ألف عفريت,ولفني ذهول أفقدني عقلي وجعلني أصمت مرغما كاتما بركان غيظي.
ساد الصمت بيننا قليلا وثقيلا.
طق..طق..طق
دقات ثلاث فوق باب حجرتنا
ردالجندي العربيدون أن يعرف من الطارق:
- تفضل..
مبتسما دخل حجرتنا تسبقه إلي خطوات الواثق من نفسه حملني بين يديه طفل رضيعا دون أدني مقاومة مني..فجسدي أنهكه المرض حتي صرت كعود القصب الممصوص- وقبل أن يخرج بيالجندي الإسرائيليصرخت في وجهالجندي العربيفي ذهول:
- أنا مخطوف الآن,ولم يتبق غيري في البيت..
فتح فمه الذي تساقط معظم أسنانه وما تبقي أصابه عطب التسوس ثم راح يتمطع ويقول بعد أن أنهي تثاؤباته:
- اذهب معه مستسلما دون مقاومة إنها خطة محكمة هذا الهدوء لم يأت من فراغ..
التفت إلي الجندي الإسرائيلي الذي مازال يتبسم في سخرية.
مرغما مستسلما خرجت معه محمولا بين يديه دون مقاومة,وقبل أن أغادر باب الحجرة نظرت خلفي حيث مكان السلاح العربيالمنكس والمرابط بجوارالجندي العربي الذي يغط في نوم عميق..!!