اعتبر حقوقيون وناشطون مرسوم قانون بتجريم التمييز خطوة متأخرة ولكنها مهمة نحو تعزيز قيم المواطنة في المجتمع والمساواة بين كل المصريين, والبدء بشكل قانوني في ملاحقة كل من يسعي للتمييز بين المواطنين علي أساس الجنس أو الدين, وأن مثل هذا القانون من شأنه التأكيد علي سيادة القانون, وأن الدولة لن تسمح بالتمييز داخل المجتمع, وأن كل من سيقوم بذلك سيتعرض للحبس والغرامة..
وحول كيفية تطبيق القانون والنتائج المتوقعة, ومستقبل مصر بعد ثورة 25 يناير بما دعت إليه من ترسيخ العديد من المبادئ وأبرزها المساواة والعدالة والحرية يدور هذا التحقيق.
حق المتضرر
قال حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: إصدار المجلس العسكري مرسوما بإضافة مادة لقانون العقوبات لتغليظ عقوبة التمييز خطوة أولي علي الطريق الصحيح لمنع التمييز علي أن يتم استثمارها واستكمالها فيما بعد بمرور المرحلة الانتقالية لكون المرسوم أعطي عنوانا لتجريم التمييز كحصر المسألة في عملية التمييز الديني فقط, أيضا معاقبته للمتسبب في حين إغفال حق المتضرر أو الممارس ضده التمييز وهو ما يصبح أمرا منقوصا, حتي يظهر فيما بعد قانون خاص شامل قائم بذاته لا يضاف لمادة بقانون العقوبات لتجريم كافة أشكال التمييز سواء الدينية أو الاقتصادية أو الاجتماعية وليس التطرق للتمييز الديني فقط إلي جانب وجود توضيح كامل لكافة التفاصيل بتعريف التمييز وآليات تطبيقه وتفاصيل وأنواع جرائم التمييز بحيث لا يترك عملية تقدير التمييز للتقديرات الشخصية والعموميات بل يجب أن يكون محددا وواضحا, وهو ما يعده المجلس القومي لحقوق الإنسان منذ أربع سنوات, ومن يتعرض لحالة تمييز عليه بتقديم شكواه للنيابة العامة للتحقيق فيها لتحال فيما بعد للمحكمة حتي تأخذ مجراها القانوني لكونها أصبحت جريمة وفقا لقانون العقوبات.
خطوة متأخرة ولكن..
من جانبه أكد ناصر أمين عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان: هذا القانون ظهور للنور رغم تأخره بعد مشاورات عديدة قام بها المجلس القومي لحقوق الإنسان وعدد من المنظمات الحقوقية, ومع ذلك هو خطوة مهمة ولكنها أولية تتطلب أن يتبعها استراتيجية مستنيرة بين كل مؤسسات الدولة المصرية تتبني الإجراءات السريعة والعاجلة, تجاه تفعيل مبدأ المواطنة وغرس قيم المساواة والتسامح بين المواطنين المصريين, وألا يكون هناك سواء في التشريعات الوطنية أو الممارسات العملية أي نوع من أنواع التمييز سواء في ذلك التمييز بسبب الجنس أو المنشأ الاجتماعي أو الملكية أو العقيدة أو الرأي السياسي وغير السياسي, وأن تراعي هذه الاستراتيجية, تنقية المناهج الدراسية ومواءمة كافة التشريعات الوطنية مع الاتفاقات والمواثيق والتعهدات الدولية, ووضع رؤية إعلامية مناهضة لكافة أشكال التمييز بين أبناء الوطن الواحد.
يبقي تنفيذ القانون
من جانبها قالت فريدة النقاش رئيسة تحرير جريدة الأهالي: هو إجراء جزئي يتعامل مع قضية كبيرة بشكل متجزء, وسيواجه مشكلات كثيرة في الواقع لكونه لا يرتبط بحزمة من الإجراءات التي دعت إليها القوي السياسية من قبل وإغفالها بشكل واضح خاصة المؤتمر الذي عقد في أكتوبر من العام الماضي بنقابة الصحفيين والدعوة لإصدار قانون واحد لمنع التمييز متضمنا 13 بندا قدمه المفكرون والكتاب والشخصيات العامة لمواجهة الحالة المحتقنة التي تمر بها البلاد إلي جانب ما يعده المجلس القومي لحقوق الإنسان من مشروع قانون لمناهضة التمييز منذ سنوات ولم يخرج للنور حتي الآن.
أضافت فريدة: رغم الترحيب بصدور مرسوم قانون تجريم التمييز الذي أعلن عنه المجلس العسكري بإضافة مادة لأحكام قانون العقوبات باعتبارها خطوة إيجابية في طريق تدعيم المواطنة إلا أنه ستظل إشكالية تنفيذ القانون الخطوة الأهم, فما أكثر القوانين المشرعة غير المفعلة علي أرض الواقع ولعل وضع الدستور خير دليل علي ذلك الانتهاك الصريح رغم إقراره في أحد مواده أن المصريين جميعا سواء في الحقوق والواجبات هنا تجد التناقض ما بين تأسيس مبدأ المساواة والمواطنة وبين عدم تنفيذه وتطبيقه علي أرض الواقع ولم تجر معالجته, فالمسألة لم تكن في إصدار قانون من عدمه لمنع التمييز وإنما معالجة جذور التمييز بوجود إرادة سياسية لتطبيقه, وأن تظهر الدولة بمختلف مؤسساتها نية حقيقية بمناهضة التمييز بتنقية المناهج التعليمية والارتقاء بالمستوي الإعلامي لنبذ الكراهية ومنح تولي الأقباط المناصب والقيادات العليا وغيرها من مهام لتصحيح المفاهيم المغلوطة لدي كافة الأطراف وتعميق منظومة القيم ونشر التسامح وقبول الآخر. فالدولة أمامها خطوات كثيرة لتأكيد نيتها في التغيير حتي لا يصبح مجرد قانون هدفه ترضية للأقباط وتهدئة للأوضاع.
آليات التطبيق
في هذا الإطار قال محمد العجاتي المدير التنفيذي لمنتدي البدائل العربي: قانون تجريم التمييز ليس اختراعا جديدا تقدمه مصر, فهو موجود في معظم الدول الديموقراطية ومؤسس له في العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تعد معايير يمكن علي أساسها تأسيس القانون في مصر, وقانون تجريم التمييز لا يمكن اختصاره في بند قانون العقوبات لأنه أحد الأركان الأساسية لبناء المواطنة, إذ يعتبر الوجه الآخر لمفهوم المواطنة الذي يحميه من الانتهاك.
وهناك ضرورة أن يكون القضاء هو الآلية الأساسية لتطبيق هذا القانون مع ضرورة وجود آلية للمتابعة والرقابة تتمثل في المفوضية العامة لمناهضة التمييز ودعم المواطنة, وحتي يتمكن هذا القانون من تجريم التمييز علي المستوي التشريعي, يجب أن يكون له حماية دستورية, وذلك عبر النص عليه في الدستور كقانون مكمل لا تجوز مخالفته, كذلك هناك ضرورة ملحة في المرحلة الراهنة في مصر لإصدار قانون يحول مبادئ المواطنة بمفهومها العام إلي قواعد تشريعية تفرض التزامات محددة وتضع العقاب علي مخالفتها, وذلك من خلال آليات مؤسسية فعالة للرقابة علي تنفيذ القانون.
ونوه العجاتي: قانون منع التمييز يجب أن يكون السعي إلي تكريس وحماية مفهوم المواطنة من خلال التصدي لكل أشكال التمييز ضد فئة من المواطنين في مصر, والدفاع عن حقهم في شغل كل الوظائف بلا تمييز, ومنع كل أشكال التحريض التي تمارس ضدهم في وسائل الإعلام ودور العبادة وغيرها من المؤسسات العامة, والاعتراف بكل روافد الثقافة المصرية إثراء لها وتقديرا لتنوع منابعها. وذلك من خلال الملامح والآليات التالية: قانون لا يستثني أيا من العناصر التي يتم تأسيس التمييز بناء عليها وألا يقتصر القانون علي مجالات بعينها, مثل التوظيف والتعليم, وإنما يمتد ليشمل كافة المجالات, وأن يكون هذا القانون أداة للطعن علي كافة التشريعات والقرارات الإدارية التي قد تسمح بالتمييز, كما يحدد القانون عقوبات متدرجة علي أساس الشكل وعلي أساس اتساع التأثير, كما يجب أن ترتبط بطبيعة المؤسسات, فالغرامات المالية توقع علي المؤسسات الاقتصادية التي تمارس مثل هذا التمييز, عقوبة الإيقاف تطبق علي المؤسسات الإعلامية التي تمارس أو تروج لمثل هذه الأفكار, أو عقوبات عزل ضد الموظفين العموميين الذين يمارسون هذا التمييز.
لائحة توضيحية..
من ناحية أخري أكد محمد منيب المحامي والناشط الحقوقي: المشكلة ليست في وجود نصوص عقابية رغم الحاجة إليها في هذه المرحلة, وإنما لابد من منظومة متكاملة معينة بإرساء قواعد مدنية حديثة تكفل لمواطنيها حقوق المواطنة الحقيقية دون تمييز, وهذه هي القاعدة القصرية في هذا الشأن فالنص في حد ذاته من القوانين التي تكفل عدم التمييز في كافة نواحي الحياة المدنية والسياسية والاجتماعية ليصبح العقاب نتيجة طبيعة لمنظومة متكاملة من شأنها القضاء علي التمييز وعدم السماح لظهوره علي أي نحو في أي مجال.
وأضاف منيب: رغم ترحيبنا بإضافة مادة لقانون العقوبات لمجرد التجريم وتوقيع الحبس أو الغرامة إلا أن وضع المادة ليس بإمكانها القضاء علي التمييز كثقافة وكسلوك وممارسة لذا الأمر يحتاج للمزيد من العمل علي هذه القضية لإزالة رواسب خلفتها عشرات السنوات من عدم المساواة.
تطرق منيب: هناك ضرورة لوجود قانون خاص لمناهضة التمييز بلائحة خاصة به بعيدا عن قانون العقوبات توضح كيفية تطبيقه ومن المسئول عنه من خلال ضوابط وآليات يجب تحديدها للجميع كمصريين دون تمييز لمنع حدوث اختلافات بأن يحدد أنواع التمييز التي تطبق عليها العقوبة بطريقة موضوعية لتصبح رادعا قويا لكل من يحاول ارتكاب جرائم تمييز داخل المجتمع بدءا من المواطن البسيط حتي المسئول, فضلا عن كونها تعد رادعا لأحداث الفتن الطائفية المتكررة خلال الفترة الماضية لعدم وجود رادع لمرتكبيها, وهو ما يتنافي مع وضع المرسوم بطبيعة حال قانون العقوبات التي لا تحتاج لوجود مثل هذه اللوائح لسرد هذه التفاصيل بكون قانون العقوبات يعد تتويجا لمنظومة قرارات أو إجراءات بل وقوانين تضمن وتكفل عدم التمييز لتجرم كل من يخرج علي هذا الإطار.