* الإعلام المكتوب يتراجع لصالح العالم الافتراضي
الجارديان تعاني .. والبي بي سي تحصل علي دعم حكومي .. والقناة الرابعة تشكو
تلقيت خبر دعوتي إلي زيارة المملكة المتحدة من قبل معهد التنوع الإعلامي ببريطانيا بسعادة غامرة, خاصة أن هذه الزيارة جاءت كمكافأة لأربع صحفيات من مؤسسات مختلفة حول التحقيقات المتميزة التي كتبت عن قضايا التنوع, والتي نشرت في الإعلام المصري, وكان تحقيق يوم علي كرسي متحرك الذي يلقي الضوء علي معاناة الأشخاص المعاقين حركيا في وسائل المواصلات العامة بالقاهرة, الذي نشرته جريدة وطني, أحد هذه التحقيقات التي استحقت المكافأة من قبل معهد التنوع الإعلامي ببريطانيا.
بدأت الجولة في لندن بزيارة مقر معهد التنوع الإعلامي, حيث استقبلتنا مديرة المعهد ميليسيا بيسيتش, والعاملون معها بترحاب شديد وقامت بإلقاء الضوء علي مشروعات المعهد الذي يعمل علي المستوي الدولي لتشجيع وتيسير التغطية الإعلامية المسئولة للتنوع, كما يسعي إلي منع الإعلام من نشر التحيز والتعصب والكراهية -سواء كان ذلك عن قصد أو دون قصد- وبدلا عنه, يشجع المعهد التغطية الإعلامية العادلة, والدقيقة, والشاملة, والحساسة, للعمل علي تعزيز التفاهم بين المجموعات والثقافات المختلفة.
وبالرغم من ضيق الوقت المخصص للتجول في اليوم الأول, إلا أن هناك شيئا جذب انتباهي بشكل كبير, خاصة أنني مهتمة بشئون الأشخاص من ذوي الإعاقات لا سيما الإعاقة الحركية, حيث وجدت مكانا مخصصا لهم في كل الأماكن والشوارع, ولذلك يمارسون حياتهم بشكل طبيعي ويتجولون ويقومون بالتسوق دون الحاجة لمن يساعدهم, وكانوا في أغلب الأحيان بمفردهم.
* مؤتمر الصحافة الاندماجية
أما في اليوم الثاني ولمدة ثلاثة أيام متتالية عقد مؤتمر وجولة دراسية للتعرف علي الصحافة الاندماجية في لندن مع مجموعة من مدراء نشر وإعلاميين وأساتذة وناشطين من المغرب, ونظم هذا المؤتمر معهد التنوع الإعلامي تحت عنوان الإعلام الاندماجي لمجتمعات اندماجية. تضمنت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر كلمة ليسلي ابدلا الحاصلة علي نظام الإمبراطورية البريطانية وهي مكافأة تمنح من ملكة بريطانيا, والفائزة كذلك بجائزة صحفية المملكة المتحدة السياسية لعام 2009, وأشارت ليسلي ابديلا في حديثها إلي قصة الأمير هاري الذي يحتل المرتبة الثالثة في بروتوكول العرش البريطاني عندما سخر من أحدهم, ناعتا إياه بصديقنا باكي في محاولة من السخرية منه.. فغضب الإعلام البريطاني آنذاك واعتذر الأمير عن قوله هذا.. ولكن في الوقت ذاته كانت بريطانيا تعيش علي إيقاع حادثة الحكم بالسجن علي صحفي تبين أنه كان يتلصص علي مكالمات العائلة الملكية وعلي أخبارها بطريقة غير مهنية, ولم يكن في الأمر ما يجعل الإعلام يصرخ بنهاية الديموقراطية في بريطانيا.
تضمن المؤتمر أيضا مناقشة حول مدي مسئولية واندماجية الإعلام في المملكة المتحدة, خاصة فيما يتعلق بتغطية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والجالية المسلمة في المملكة المتحدة. تحدث بالمؤتمر كل من شريف حكمت النشاشيبي, مدير منظمة مراقبة الإعلام العربي أرب ميديا ووتش, ونيك كارتر من جمعية المحررين, وجيمس براندون من مؤسسة كويليم, والبروفيسور روبرت بنكر من هيئة الشكاوي الصحفية.
الجارديان وشراسة المنافسة
علي هامش المؤتمر كان هناك مجال واسع لزيارة بعض المؤسسات الإعلامية المهمة, فذهبنا إلي صحيفة الجارديان البريطانية الشهيرة إحدي أكبر وأعرق اليوميات في المملكة المتحدة والعالم, حيث يقع مقرها في قصر الملوك بلندن وتضم ما يقرب من 800 صحفي.
استقبلتنا إحدي السيدات العاملات بالجريدة لتقودنا عبر رحلة داخل الجارديان, دخلنا إلي صالات التحرير المختلفة من قسم الأخبار إلي القسم الثقافي.. إلخ. وكان يبدو كل قسم من التحرير وكأنه مثل مكتبة كبيرة تكتظ بعشرات الصحفيين, تحيط بهم الكتب والمطبوعات, ويسود بينهم الصمت والهدوء التام. ولفت انتباهي وجود أماكن للاستراحة داخل كل قسم في صالات التحرير المختلفة علي مستوي عال من التجهيزات لراحة الصحفيين أثناء يوم شاق من العمل الصحفي, بالإضافة إلي أن الممرات تحتوي أيضا علي كراسي وأماكن للاسترخاء, حيث يقصدها الصحفيون للحديث معا. ثم قمنا بمشاهدة أقسام أخري مجهزة للحوارات الصحفية وأخري لوسائل الإعلام المتعددة.
ووجدت قسما خاصا للتعليم, وأشارت إلينا مرشدتنا خلال الزيارة إلي أن هذا القسم يقوم بتدريب تلاميذ المدارس البريطانية علي كيفية الكتابة الصحفية بأشكالها المتنوعة, فهذا القسم يهتم بشكل خاص بما يمكن أن نطلق عليه الصحافة المدرسية.
ثم استقبلنا في أحد مكاتب الجارديان كريس إليوت مدير تحرير الجريدة وتحدث إلينا عن البدايات من سكوت الذي كتب ميثاقها التحريري والأخلاقي منذ ما يقرب من ستين عاما. وكانت أهم النقاط في هذا الميثاق هي الصحيفة عليها أن تتعامل بمبدأ أن الحقيقة مقدسة والتعليق حر.
وأضاف كريس إليوت أن سكوت ليس فقط هو من وضع الميثاق التحريري بالجريدة, بل إن عائلة سكوت هي التي ضمنت للجارديان استقلاليتها, حيث قامت بوقف ممتلكاتهم للمؤسسة.
وكان من الغريب علي مسامعنا أن نعرف أن صحيفة الجارديان العملاقة تعاني هي الأخري مما تعاني منه الصحافة المكتوبة في مختلفة بلاد العالم, خاصة فيما يتعلق بالمشكلات والأزمات المالية, حيث أشار مدير تحرير الجريدة إلي أن توزيع الجريدة تراجع ليصل إلي 100 ألف نسخة يوميا, بالإضافة إلي أن الإعلانات تراجعت في العام الماضي لتصل إلي 230 مليون جنيه إسترليني فقط. وأرجع كريس ذلك إلي عدة أسباب منها الأزمة المالية العالمية, بالإضافة إلي أن الصحافة الإلكترونية أصبحت هي الأكثر انتشارا, خاصة بين الشباب, فلا يعد هناك مجال للصحافة الورقية لديهم, لذلك بدأت الجارديان في تطوير القسم الإلكتروني بالجريدة, سعيا إلي وجود حلول بديلة.
تقابلنا داخل الجارديان مع جوزيف أحد المحررين بالجريدة وهو من السود, وعرض تجربته في العمل وكيف أن الجريدة تحاول بشكل ما أن تمثل التنوع داخل المجتمع البريطاني. وإن كان هذا الأمر لم يكن بألأمر الهين, فلقد كانت هناك صعوبات في البداية لإقناع المسئولين بأن يعمل السود أو غيرهم بداخلها.
داخل القناة الرابعة
ثم جاءت زيارتنا في اليوم ذاته إلي القناة الرابعة بلندن, وتحدثت إلينا دوروثي بارين مسئولة قسم الأخبار وشئون الساعة بالقناة قائلة: إن هذه القناة قامت بتأسيسها مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء الأسبق, ولكن لا تتلقي القناة أي دعم من الحكومة, وتعمتد بشكل أساسي علي الإعلانات وتمويل رجال الأعمال دون أي تدخل مالي من قبل أي جهة حكومية بالمملكة المتحدة. وفي هذا المجال أشارت دوروثي إلي أنه في المقابل تحصل البي بي سي علي دعم كبير من الحكومة البريطانية يصل إلي 4 مليارات جنيه إسترليني سنويا.
وأضافت دوروثي أن المجتمع البريطاني بطبيعته ليبرالي لذلك علينا كوسائل إعلام أن نعكس هذا التنوع. وأن يتناول الإعلام مناقشة الموضوعات الساخنة التي تكون مثارا للجدل والحديث داخل المنازل والبيوت ومنها الإرهاب وخاصة الذي يكون تحت شعارات دينية, وجرائم الاغتصاب, وقضايا المهاجرين لبريطانيا والمشكلات التي يعانون منها.
وعن نسب المشاهدة التي تحققها القناة الرابعة قالت دوروثي إن القناة تستقطب مليون مشاهد في نشرات الأخبار, وتزيد بشكل كبير بالنسبة للبرامج الأخري.
وحظيت زيارة هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي باستقبال منظم واستمعنا إلي إحدي العاملات بإدارة التعددية -القسم الإنجليزي- حول كيفية تناول قضايا التنوع داخل برامج الهيئة سواء بالنسبة للإذاعة أو التليفزيون لكن اتخذت الزيارة الجانب النظري إلي حد كبير دون التعرف عن قرب عن أقسام البي بي سي وآليات العمل.
* المادة 19:
لم تشمل الرحلة زيارات إلي المؤسسات الإعلامية فحسب, بل كان هناك مجال لزيارة المنظمات غير الحكومية منها زيارة مقر منظمة المادة 19 وهي منظمة غير حكومية مقرها لندن, حيث تعرفنا علي عمل هذه المنظمة التي تنفذ مهاما ميدانية لإعداد تقارير مفصلة حول التشريعات المحلية الخاصة بحرية التعبير, والإمكانات الواقعية لتطبيق تلك التشريعات وتأخذ المنظمة اسمها وهدفها من المادة التاسعة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, والتي تؤكد حرية الرأي والتعبير والتي تشتمل علي حق كل شخص في اعتناق الآراء دون أي تدخل, واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية. وتعمل منظمة المادة 19 بإنصاف ومنهجية لمعارضة الرقابة عالميا, حيث تعمل نيابة عن ضحايا الرقابة من الأشخاص الذين تعرضوا جسديا إلي الإيذاء, أو قتلوا أو سجنوا ظلما أو قيدوا في تحركاتهم أو صرفوا من عملهم. كما تتضمن المنظمة مع وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة التي منعت, وحظرت وهددت, ونيابة عن الهيئات والمجموعات السياسية والعمالية التي انتهكت حقوقها أو قمعت.
مفارقة لها معني
عادة حينما يفقد أحد منا شيئا داخل إحدي المواصلات العامة فإنه يفقد الأمل في أن تعود إليه مرة أخري, لكن ما حدث معنا في لندن جاء مخالفا لهذا الأمر المعتاد, فلقد فقدت إحدي زميلاتنا بالرحلة جهاز الكمبيوتر الشخصي الخاص بها في أحد الأتوبيسات في لندن, وقام معهد التنوع البريطاني بعد اكتشاف الواقعة بإجراء بعض الاتصالات بهيئة النقل هناك في محاولة منهم لإيجاده, وكانت نسبة الأمل ضعيفة جدا, لكن فوجئنا بأنهم يقولون: لقد وجدنا اللاب توب, بالرغم من أن المحيطين بنا أكدوا لنا أننا محظوظون وأن هذا نادرا ما يحدث في لندن.
* معالم وزيارات ممتعة
في نهاية رحلتنا إلي لندن كان هناك يوم للتجوال الحر بالمدينة شاهدنا من خلاله جسر برج لندن الذي كان علي مدي عصور عديدة الجسر الوحيد الذي يربط ضفتي المدينة ببعضها, ولقد تم بناؤه في المدينة فوق نهر التايمز, بالإضافة إلي برج بيج بين الذي يعرف أيضا باسم برج الساعة لوجود ساعة بيج بين الشهيرة فيه. كما شاهدنا كاتدرائية القديس بولس, وهي تعد أهم الكنائس في لندن, ومبني البرلمان البريطاني الذي يحتوي علي مجلس العموم ومجلس اللوردات, ومبني بلدية لندن, وهو مقر عمدة لندن الحالي, ويقع بالقرب من جسر البرج.
كما شاهدنا المتحف الوطني أو جاليري لندن كما يطلقون عليه والذي تم تأسيسه في عام 1824, ويجمع أكثر من 2300 من اللوحات يرجع تاريخها خلال الحقبة من منتصف القرن الثالث عشر إلي 1900, ويضم أعمالا لمشاهير الفنانين أمثال ليوناردو دافينشي ودالي وبيكاسو وبيتر بول روبنز وغيرهم.