في رحلة غير مسبوقة تتجول كبسولة الإنقاذ البارعة فينكس (أي طائر العنقاء الأسطوري -الذي يرمز إلي التجدد والانبعاث), في أنحاء شيلي وتقابل بأعظم ترحاب واحتفال من كل من يسعده الحظ برؤيتها بعد أن نجحت في إنقاذ عمال المنجم المنهار من قلب الظلام في باطن الأرض علي عمق يقترب من 700 متر, الطريف أنه تم تسجيل الـ33عاملا في موسوعة جينس للأرقام القياسية لاستطاعتهم البقاء علي قيد الحياة لمدة 69 يوما في عمق الأرض, وقد أطلق عليهم البعض أهل الكهف الجدد.
وقد تكلفت عملية الإنقاذ نحو 20 مليون دولار أمريكي, واستغرقت عملية انتشال عمال المنجم من أعماق الأرض حوالي 22 ساعة أطلق عليها عملية سان لورينثو نسبة إلي القديس الراعي لعمال المناجم.
سباق مع الزمن
بدأت أحداث القصة الواقعية التي تعد أغرب من الخيال… عندما حبس العالم أنفاسه عقب حدوث انهيار أرضي مروع في منجم سان خوسيه شمال تشيلي, حيث تسبب انهيار كتل صخرية تقدر وزنها بحوالي 700 ألف طن في إغلاق المنجم ,بداخله العمال وأثر ذلك أعلن سيباستيان بيينرا رئيس تشيلي حالة الطوارئ… وفورا بدأ السباق مع الزمن لإنقاذ العمال المدفونين أحياء تحت سطح الكرة الأرضية… بعد مرور يومين من الانهيار فوجئ الجميع بحدوث انهيارات أرضية جديدة عرقلت عملية الإنقاذ تماما, وتضاءلت معها الآمال في العثور علي أحياء كما أعلنت ذلك وزارة المناجم.
ولم يملك أهالي العمال المحاصرين إلا أن يتجمعوا في ساحة علي مقربة من المنجم أطلق عليها مخيم الأمل حيث كان العالم معهم يرفع الصلوات الحارة ممتزجة بالدموع.
وأخيرا أشرقت بادرة أمل عبر اللحظات الخطيرة والمثيرة في حياة العمال الـ33, عندما نجح الخبراء في إرسال أول تموين غذائي للعمال المحتجزين في أعماق باطن الأرض عن طريق أنبوب.
وبدأت طبيعة الحياة تختلف في قلب الظلام, وهنا أخذ لويس أورزوا رئيس نوبة العمال وقت وقوع الانهيار علي عاتقه إدارة الكارثة في باطن الأرض وتولي تقنين الغذاء حيث حرص علي أن يصرف وجبة غذائية لكل فرد من الـ33 المحاصرين مكونة من كوب من اللبن وملعقتين من التونة المعلبة.
احتوي الحدث علي العديد من القصص المؤثرة والطرائف أيضا حيث جذب انتباه عشاق كرة القدم احتجاز نجم الكرة السابق في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي فرانكلين لوبوس في أعماق المنجم وكانوا قلقين من أجله ومن أجل زملائه العمال. ومن الطرائف أن أحد العمال رزق بطفلة جميلة بعد عشرة أيام من احتجازه وقد أطلق عليها اسم أمل.
رغم انقطاع صلة الـ33 المحاصرين مع العالم إلا أنه مع اقتراب نهايات الشهر الأول من الحصار قام التليفزيون التشيلي بعرض صور لهم, ودارت حواراتهم الأولي مع أسرهم الملهوفة علي أخبارهم وعن طريق دائرة تليفزيونية مغلقة استطاع العمال وأسرهم مشاهدة بعضهم البعض… كما نجح الخبراء في إرسال 60 أنبوبا تموينيا إليهم وبعد مرور أسابيع بدأ حفر النفق الثاني بآلة الحفر التي أطلق عليها تي-130, والتي استطاعت الوصول إليهم لتزويدهم بالمؤن في 17 سبتمبر… وبعد مرور ما يقرب من شهرين نجحت الخطة B في إيصال نفق إنقاذ إلي العمال المحاصرين في باطن الأرض. وفي اليوم التالي تم تغليف ما يقرب من خمسين مترا من هذا النفق بأنبوب معدني للعمل علي تسهيل حركة كبسولة الإنقاذ أثناء استخراجها للعمال المحتجزين.
ومع صعود أول العمال المنقذين فلورنيسو أفالوس إلي سطح الكرة الأرضية وسط فرحة وتهليل عالمي, ازداد أيضا حبس الأنفاس قلقا علي الباقيين, وارتفعت الصلوات الحارة من أجلهم… واستمرت عملية إنقاذ عمال المنجم أثناء ساعات النهار علي التوالي حيث تحمل الكبسولة البارعة في داخلها فردا واحدا في المرة عبر النفق ليخرج إلي العالم… وبخروجه يسجل له ميلاد جديد ومع الخيوط الذهبية الأولي لفجر اليوم التالي كانت العيون والقلوب تتطلع لكبسولة الإنقاذ والتي لا يزيد وسعها علي كتفي الرجل محشورين, حيث يبلغ عرضها 54سم وهي مزودة بإطارات علي جوانبها لامتصاص الصدمات أثناء الانزلاق عبر الجدران الصخرية للمنجم, وأيضا باسطوانات أكسجين وخطوط اتصالات وأحزمة خاصة لمراقبة وظائف الجسم الحيوية للعمال وقد استغرقت رحلة صعودها عبر الصخور من أسفل إلي أعلي 15 دقيقة في المرة, وفي هذه المرة ظهرت وهي تخرج للحياة من جديد آخر العمال وهو قائدهم البطل لويس أورزوا وفي نفس اللحظة تم إطلاق 33 بالونا مطبوعة بألوان علم تشيلي واحتضنه طويلا سيباستيان بيينرا رئيس تشيلي وسط صخب وتهليل الحشود فرحا بنجاته وعماله.
وشكر لويس العالم لمؤازرتهم وصلواتهم وأعلن فخره بأنه يعيش علي أرض تشيلي التي ساندتهم وبذلت الجهود الجبارة لإنقاذهم وعمت تشيلي الاحتفالات الصاخبة والفرحة العارمة التي امتزجت الدموع بالضحكات حيث خرج الآلاف للتعبير عن سعادتهم البالغة بإنقاذ العمال ونجاتهم كما غمرت الفرحة أسرهم والعالم كله الذي انتظر نجاتهم طويلا… وأغدق العديد من مشاهير العالم الهدايا علي هؤلاء العمال الذين تحول ضيقهم وهلاكهم إلي نجاة وفرح وأصبحوا من النجوم المشاهير عالميا.