طوال جيل كامل, كان الأمير بندر بن سلطان رجل الرياض في واشنطن. وكسفير السعودية لدي الولايات المتحدة من عام 1983 إلي عام 2005, أطلقت عليه تسمية ##بندر بوش## بسبب علاقاته الوثيقة مع تلك السلالة السياسية الأمريكية القوية. وبعد مغادرته واشنطن, في ما بدا أنه إعياء [من شغل المنصب لفترة طويلة], عاد بندر إلي السعودية ليرأس ##مجلس الأمن الوطني## السعودي المؤسس حديثا, والذي كان – وما يزال – دوره غير واضح حتي الآن. ومع ذلك, استمر بين الحين والآخر بالقيام بزيارات خاطفة إلي الولايات المتحدة لأن الملك عبدالله, قرر بسرعة بأنه يفضل بندر علي خلفه الأمير تركي الفيصل كقناة اتصال مع البيت الأبيض – الأمر الذي دفع تركي إلي الاستقالة من منصبه احتجاجا علي ذلك.
وبعد ذلك, حوالي عام 2008, اختفي بندر بعيدا عن أعين الجمهور. وما يزال من غير الواضح تماما سبب فقدان بندر للحظوة السياسية, لكنه كان قد اكتسب عددا من الأعداء, حتي ضمن العائلة المالكة, خلال فترة خدمته الطويلة كقناة الإتصال الرئيسية بين السعودية وأهم حلفائها.
وأثار اختفاء بندر عددا من نظريات المؤامرة. فعلي سبيل المثال, تميزت وسائل الإعلام الإيرانية بنسج رواية اتهمته فيها بأنه كان العقل المدبر لنشاطات تنظيم القاعدة في العراق, وبأنه كان يقوم بتمويل الجماعات السنية التي تدور في فلك القاعدة في لبنان في محاولة لتقويض حزب الله.
لكن بندر عاد الآن إلي بلاده. وقد ذكرت ##وكالة الأنباء السعودية## في خبر موجز نشرته الأسبوع الماضي أن ##رئيس الاستخبارات السعودية, الأمير مقرن بن عبد العزيز, استقبل الأمير بندر في المطار##.
وكان في استقبال بندر كوكبة من الشخصيات المؤثرة في السياسات السعودية, من بينهم: مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام للشئون العسكرية, الأمير خالد بن سلطان; مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية, الأمير محمد بن نايف; وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء ورئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء, الأمير عبد العزيز بن فهد; وزير الدولة ورئيس ##ديوان رئاسة مجلس الوزراء## ومستشار ولي العهد, الأمير فيصل بن خالد بن سلطان; ومساعد الأمين العام لـ ##مجلس الأمن الوطني##, الأمير سلمان بن سلطان. ووفقا لـ ##وكالة الأنباءالسعودية## حضر مراسيم الاستقبال أيضا ##عدد من كبار الأمراء##.
لقد كان ذلك استقبالا غير عادي للأمير بندر بأي معيار من المعايير. ووفقا للمعايير السعودية كان ذلك استقبالا هائلا حضره: أحد أعمام بندر, وأخ غير شقيق, وثلاثة من أبرز أبناء أعمامه, وأحد أبناء أشقائه, ناهيك عن كبار الأمراء الذين لم تذكر أسماؤهم. وأفاد التقرير أن الأمير بندر عاد ##من الخارج##, لكنه لم يعط مزيدا من التفاصيل. ولم تنشر حتي صورة واحدة [من مراسيم الاستقبال], علي الرغم من أن أحد التقارير قد ذكر بأن بندر فقد قدرا كبيرا من وزنه.
فما الذي يحدث [في السعودية]؟ لنبدأ بالتحذير التالي: هناك مثل قديم مفاده أن الذين يعرفون في الواقع ماذا يجري في العائلة المالكة السعودية لا يتحدثون عن ذلك – وأن الذين يتحدثون عن ذلك لا يعرفون ماذا يجري ,في المملكة]. وغالبا ما يستخدم هذا المثل من قبل أولئك المقربين من آل سعود كوسيلة مريحة لتقويض التقارير الانتقادية حول المملكة العربية السعودية. لكن, يشكل هذا المثل أيضا تذكرة مهمة بأن معرفتنا بالسياسات الغامضة للمملكة لن ترقي يوما إلي المستوي المطلوب.
لقد عاني الأمير بندر من الناحية الصحية لسنوات [عديدة], وأجري مؤخرا عمليتين جراحيتين في ##مستشفي جونز هوبكنز## في ##بلتيمور## [في ولاية ماريلاند الأمريكية]. إن التفسير الأكثر عاديا لعودته هو أنه بعد أن أمضي فترة نقاهة في المغرب – حيث يمضي والده ولي العهد الأمير سلطان إجازته – تعافي وعاد إلي بلاده. إن مرضه الأكثر ترجيحا هو معاناته من آلام في الظهر, علي الرغم من أن سيرتين صدرتا عن الأمير بندر في السنوات الأخيرة تحدثتا عن مشكلات [إدمان] للكحول واكتئاب. فقد وصفه ديفيد ب. أوتاوي في كتابه ##رسول الملك##, بأنه ## يتناول الكحول أكثر من بين حين وآخر##, بينما أشار صديقه (السابق, علي الأرجح) وليام سمبسون, في كتابه ##الأمير: القصة السرية لأحد الأمراء الأكثر روعة##, إلي فترة منتصف التسعينيات من القرن الماضي بصفتها ##أولي فترات الاكتئاب الكامل## التي عاشها بندر.
ولكن يبدو أن عودة بندر إلي السعودية تعني أكثر من مجرد تحسن صحته. فوفقا لمعلومات مصدر مقرب من العائلة المالكة, يتعلق الأمر بالسياسات الداخلية لآل سعود وبالأسئلة المحيرة عن الخلافة الملكية: من سيتولي العرش بعد الملك عبدالله, ومن سيكون الملك بعده؟ ويفترض أن مواهب بندر في عقد صفقات سياسية قد جعلت العائلة المالكة تتغاضي عن سمعته كشخص يميل لاتخاذ قرارات تخدم مصلحته الذاتية [وبطريقة] فيها بعض من قلة الاحترام تجاه الكثير من أعمامه.
وعلي الرغم من الواجهة الخارجية عن استتباب الأمور في المملكة, تعيش عائلة آل سعود في قلق حول الخلافة. فالملك عبدالله هو في السابعة والثمانين من عمره هذا العام, ولكن أخاه غير الشقيق وخليفته المعين الأمير سلطان هو في السادسة والثمانين من عمره. وللتعبير عن ذلك بصورة لطيفة نقول إنه علي الرغم من أن هناك [احتمالا] بأن يخلف الأمير سلطان الملك الحالي – حياته من الناحية الجوهرية تتميز بضعف الإدراك بسبب سنه – إلا أنه لن يكون قادرا بتاتا علي إدارة شئون البلاد [بصورة فعلية]. ومن الواضح أن الخليفة التالي من حيث النسب هو الأخ الشقيق لسلطان الأمير نايف, 77 عاما, وهو وزير الداخلية المتشدد المعروف بادعائه علنا بأن هجمات 11 سبتمبر قد تم تنفيذها من قبل اليهود.
والواضح بشكل متزايد بأن الملك عبدالله والأمراء الـ 19 الآخرين المتبقين من أبناء الملك عبد العزيز — مؤسس المملكة العربية السعودية ##الحديثة## الذي توفي عام 1953 — إما كبار السن أو لا يملكون الخبرة أو الحنكة لتسيير شئون المملكة لفترة أطول. وليس هناك مفر من انتقال الخلافة إلي أبنائهم, أي أحفاد الملك عبد العزيز. ومع ذلك يطرح سؤال حاسم: أي فرع من عائلة عائلة آل سعود سيخرج منتصرا من الصراع علي الخلافة؟
وفقا لمصادر داخل العائلة المالكة, هناك ملامح للتوصل إلي صفقة. وليس من الواضح ما الذي سيكون تسلسل الأحداث, لكن من الممكن أن تبدأ التغييرات قريبا. أولا, سيتخلي الأمير سلطان عن منصبه كوزير للدفاع الذي شغله مدة طويلة, ويسلم الوزارة لابنه (والأخ غير الشقيق لبندر) الأمير خالد بن سلطان, الذي يشغل حاليا منصب مساعد وزير الدفاع وكان سابقا قائد القوات العربية أثناء تحرير الكويت في عام .1991 إن الشارات التي يحملها خالد علي كتفه هي كبيرة, ولكن مؤهلاته العسكرية ضعيفة – وقد اتسمت قيادته [للقوات السعودية] أثناء المناوشات الأخيرة ضد المتمردين [الحوثيين] في منطقة الحدود مع اليمن, بمجموعة من الأخطاء التكتيكية الفادحة. ومع ذلك, تصر حاشية الأمير سلطان علي أن يخلف خالد والده العاجز إلي حد كبير.
وسيتمثل تغيير ثان في تقاعد الأمير سعود الفيصل, 69 عاما, ابن الملك الراحل فيصل من منصبه كوزير للخارجية. إن سعود المعروف بميوله القومية العربية, قد وصف ذات مرة في وثيقة إحاطة بريطانية رسمية بأنه ##ذكي جدا ولكن ربما ليس ذكيا كما يعتقد##. وهو يعاني من مرض الشلل الرعاش ومن آلام في الظهر, وغالبا ما يظهر في الصور وكأنه في حالة احتضار.
وتقول المصادر إن منصب وزير الخارجية سيؤول إلي الأخ الأصغر للأمير سعود, تركي الفيصل البالغ من العمر 65 عاما, بحيث تبقي الوزارة, حسب تقليد إقطاعي, في أيدي فرع ##الفيصل## من العائلة المالكة. وكان الأمير تركي قد ترأس [جهاز] الاستخبارات السعودية لسنوات عديدة إلي أن تم عزله في عام 2001 – قبل عشرة أيام فقط من هجمات 11 سبتمبر – ثم عمل بعد ذلك بنجاح كسفير للسعودية في بريطانيا, قبل أن يمضي فترة قصيرة وكارثية كسفير في واشنطن. وستقوم العائلة برد الاعتبار للأمير تركي, مجددا, لأن لديه مواهب فكرية وعلاقات دولية يندر وجودها في العائلة المالكة.
إن ##تغيير الحرس## سيطال أيضا العرش السعودي: فالأخ الشقيق لسعود وتركي الفيصل, الأمير خالد (ينبغي عدم الخلط بينه وبين خالد, الابن غير المحظوظ عسكريا لولي العهد) البالغ مم العمر 69 عاما, سيظهر علي الأرجح كملك في المستقبل. فالأمير خالد الفيصل هو شاعر, ورسام متحمس, وصديق لولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز. وقد خدم سابقا كحاكم لمنطقة عسير الجبلية والمتقلبة سياسيا ويشغل حاليا منصب حاكم منطقة مكة المكرمة. والأهم, بالنسبة للمستقبل السياسي للأمير خالد, هو أن قد ظهر كشخصية تحظي باحترام مختلف فصائل العائلة المالكة, كما يتمتع بالقدرة علي توجيه المملكة بيد ثابتة إلي الأمام.
وكما هو الحال دائما, هنالك خيوط غير محبوكة في هذا السيناريو. فمن المتوقع أن تتم ترقية الأمير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد بعد وفاة الأمير سلطان, أو حتي قبل ذلك. لكن يقال أنه ما يزال يتعافي من إصابته بمرض السرطان, والذي يمكن أن يعني أنه لن يصبح ملكا. أما أخوه الشقيق الأمير سلمان, 74 عاما, الذي يشغل منصب حاكم منطقة الرياض والشخص المفضل لدي كل سفير أجنبي ليصبح ملكا, فهو غير مؤهل علي ما يبدو بسبب معاناته من ضعف في القلب.
وليس من المعروف بعد الدور المحدد الذي سيلعبه بندر. ولكونه ابن جارية في بلاط والده, تنقصه أصالة النسب ليصبح ملكا. ولكنه متزوج من أميرة من فرع ##الفيصل##, وعلاقاته في واشنطن تجعل منه حليفا مهما لأي ملك مقبل. وأما داخل أسرة آل سعود, فيستطيع الأمير بندر أن يشرح حماقة النزاع الملكي الداخلي في منطقة يزداد فيها التهديد الإيراني خطورة. وفي خضم كل الشائعات والتلميحات, هناك حقيقة واحدة تحظي بإجماع المطلعين وهي أن بندر قد عاد ليكون لاعبا في السياسات السعودية.
فورين بوليسي