الخبر صادم بكل المقاييس فهو مأساة إنسانية, هجر فيها الأولاد والدهم المسن الذي هده المرض وجعله غير قادر علي رعاية نفسه. ولم يكلف أحد منهم نفسه أن يسأل عن والده بالتليفون أو يذهب إليه ويطرق عليه الباب ويسأل عن حاله. مات الأب في فراشة بعد أن تكاثرت عليه الأمراض ولم يشعر أحد به أو بوفاته قرابة عشرة أيام. وعندما توجه ؟؟؟ إلي منزله للاطمئنان عليه وطرق الباب ولم يجبه أحد سأل الجيران الذين أكدوا أنهم لم يروا الكهل منذ عدة أيام..وبعد كسر باب المسكن اكتشفوا أن الرجل مات.ونفس هذه المأساة الإنسانية تكررت مرة أخري, فقد اشتم جيران الضحية الثانية رائحة كريهة تتبعث من شقة جارهم الذي يقيم بها من7سنوات, ولم يقم أحد من أبنائه بالسؤال عنه رغم إصابته بفشل في القلب وقصور في القلب. وتوفي نتيجة إصابته بهبوط حاد في الدورة الدموية وهو وحيد وليس معه أحد ينقذه أو يسعفه.
مات كهلان يعيش كل واحد منهما منفردا, وجيرانهما يؤكدون أن لا أحد من أولادهما يسأل عنهما أو يزورهما ليطمئن علي حالهما أو يعينهما علي قضاء حوائحهما ماتا كما لو كانا بلا أقارب أو أولاد أو أحفاد, كما لو كانا لم ينجبا أبناء أو بنات أو ربيا وأنشأ وذاقا المر والعذاب في تربية هؤلاء الأولاد حتي أصبحوا رجالا أو نساء واستقلوا بمنازل خاصة بهم, وكانوا يأملون أن يكون أولادهم امتدادا وسندا وملاذا عند الكبر عندما يصبح الكبير والمسن غير قادر علي رعاية نفسه ولكن الأولاد انشعل كل واحد منهم بنفسه وحياته وأولاده وانشغل أو نسي وتناسي هذا الأب وانفصل عنه وتحلل من رعايته, ومات الحب في قلبه تجاه أب عاجز وحيد ليس له من يوده أو يؤنس وحدته أو يبتسم في وجههه أو يسمع صوته.
ماذا تسمي ما يحدث, وكيف نحلله ونشرحه ونقلل أسبابه. كيف يصل الجحود فلذات الكبد لأبائهم.إننا نقول أننا لا نملك أبناءنا ولا نستطيع أن نشكل حياتهم بالشكل الذي نريده. وأننا يجب أن نتيح لهم الحرية ليشكلوا حياتهم بالطريقة التي يريدونها, ونترك لهم حرية السفر إلي بلاد بعيدة, ويعيشون حياتهم ويستمتعون بها, كل هذا جميل ومطلوب ولا غبار عليه.ولكن هذا لا يعني بالمرة أن نهمل أباءنا وأمهاتنا والكبار الذين أعطوا بلا حساب, وضحوا بلا مقابل, وأنكروا ذواتهم وتنازلوا عن احتياجات كثيرة وآثروا أن يمنحوها لأولادهم. وفضلوا أن يروا هؤلاء الأبناء والبنات في أفضل حال. ولكننا لا نقبل هذا الحجود أو نتغاضي عنه.الجحود الذي ينكر علي الآباء والأمهات حقوقهم المشروعه في رعايتهم للآباء والأمهات. نضيق بالأبناء الذين يلجأون إلي إبعاد الوالدين وإيداعهم في دور المسنين وبعضها غير لائق ولا تتوافر فيها وسائل الراحة والمعيشة الجيدة وأي نوع من أنواع الترفية, حيث يجب أن ينام المسن في وقت محدد وتطفأ الأنوار في ميعاد واحد.وتخلو هذه الدور من أي نوع من أنواع المرح. ويحدث كل ذلك لتخلو الشقة للابن وزوجته أو للابنة وزوجها. ويكتفي الأولاد بزيارة نزيل دار المسنين مرة كل شهر, ثم مرة كل شهرين أو عدة شهور, أو إذا جاءهم خبر أن النزيل في حالة صحية حرجة, والبعض ينسي تماما هذا النزيل أو تلك النزيلة بالمرة.
ونرفض أيضا أن يترك الأولاد الأب أو الأم وحيدين في البيت بعد أن يستقل الأولاد بحياتهم بعيدا عن بيت الأسرة, وينسون تماما هؤلاء الوالدين ويستكثرون السؤال عنهما أو الانشغال بظروفهم أو السعي في علاجهم أو مجرد السؤال عليهم والاطمئنان علي سلامتهم.وأمامنا التليفونات الأرضية والتليفونات المحمولة والكلمة الطيبة والبسمة الشافية, وإحساس المسن بالحب والدفء والرعاية ووصي الله بإكرام الوالدين ورعايتهم في كل مراحل حياتهم.
أما أن يترك الأولاد والديهم في وحدتهم القاسية وظروفهم الصحية المتردية حتي ينقلوا إلي رحاب الله وحيدين دون أن يشعر بهم أحد فهذه جريمة لا يمكن أن تغتفر أو تنسي علي مر السنين.