مضت الأيام وتغيرت الأزمنة ومازال التاريخ يحتفظ لنا بقطعة من أرض مصرية ذاقت في يوم من الأيام الاستعمار,وخلعت ثوب الحرية وكبلوها بقيود من حديد لتضاف إلي أرض غير مصرية,ولكنها احتجت وصرخت بدموع حفرت علي صخورهاأنا مصرية مهما طال زمان غربتيوفي إصرار مصري احتشدت الجهود مقاتلة ليس برصاص أو بمدفع,بل بالقانون والحجة ورجعت طابا لأحضان مصر,فهي واحدة من أجمل المدن المصرية تقع في آخر حدود مصر الدولية علي رأس خليج العقبة بين سلسلة جبال وهضاب طابا الشرقية من جهة ومياه خليج العقبة من جهة أخري,وتبعد عن مدينة شرم الشيخ 240كم باتجاه الشمال وتجاورها مدينة إيلات الإسرائيلية وتمثل المنطقة الواقعة بين طابا شمالا وشرم الشيخ جنوبا أهم مناطق الجذب والتنمية السياحية بجنوب شبه جزيرة سيناء,مساحتها لا تتعدي كيلو مترا مربعا واحداحوالي508.8 فدانولكن لها أهميةجغرافية وسياحية,فهي مدينة حدودية تغلف الجبال منتجعاتها السياحية وشريطها الساحلي هو الأكثر جمالا علي مستوي شبه الجزيرة ويتكون من عدد من الخلجان والبحيرات,فالزائر لطابا يري أنها من المناطق السياحية التي حباها الله بطبيعة ساحرة تؤهلها لأن تكون أكثر المناطق السياحية رفاهية وجمال,في مصر بل في منطقة الشرق الأوسط,حيث تعانق الجبال مياه البحر الأحمر علي أربع دول.
وعلي امتداد شواطئ طابا نجد منتجعات بدوية أعدها البدو لإستقبال ضيوفهم من كل أنحاء العالم الذين يتشوقون إلي العودة إلي الحياة الطبيعية تاركين وراءهم كل مظاهر الرفاهية والمدنية ليعودوا بقدر الإمكان إلي حياة الإنسان الأول.
من أشهر معالم طابا الأخدود الذي تكون نتيجة عوامل التعرية للصخور الحجرية التي تتميز بألوان مختلفة وتضفي علي هذا الأخدود منظرا طبيعيا فريدا لن تراه في أي مكان في العالم,وهو عبارة عن واد فسيح يضيق تدريجيا كلما توغلت فيه حتي يصل اتساعه إلي متر واحد في بعض المناطق.
هناك أيضا حصن صلاح الدين الذي بناه صلاح الدين الأيوبي لحماية الحدود الشرقية.ومواقع الغوص التي تنتشر بكثرة في تلك البلدة الساحرة للاستمتاع بالشعب المرجانية وعالم ما تحت الماء المذهل.
طابا في التاريخ
بعد وفاة الخديوي توفيق عام 1892 حاولت الدولة العثمانية الاستيلاء علي هذه المنطقة وحرمان مصر من أي وجود علي خليج العقبة,مما أثار قضية مشهورة في التاريخ المصري باسم قضية الفرمانوالتي انتهت بتراجع الباب العالي وباتفاق علي تعيين حدود مصر الشرقية من نقطة تقع شرق العريشرفحإلي نقطة تقع علي رأس خليج العقبةطابا.
وفي عام 1906 اشتعلت أزمة أخري معروفة باسمحادثة طاباوالتي انتهت باستجابة تركيا لتشكيل لجنة مصرية عثمانية لرسم الحدود المصرية مع الدولة العثمانية وأقرت اللجنة بتبعية شبه جزيرة سيناء التي يحدها في الشرق خط رفح-طابا لمصر وكان هذا العام هو عام ترسيم الحدود,وإعلان قيام دولة ذات سيادة في مصر.
وفي نفس الوقت أعلن الانتداب البريطاني علي فلسطين وحدثت اضطرابات سياسية واشتباكات عسكرية في المنطقة,مما أحدث كثيرا من التضارب في التقارير والخرائط بين إنجلترا وتركيا وألمانيا خاصة مع قيام الحرب العالمية الأولي عام 1914 ثم أثناء الانتداب البريطاني علي فلسطين 1922-1948 وهي الفترة التي اتفق فيها الطرفان علي الأخذ بخط الحدود .
ومضت الأيام والأزمنة وأعاد التاريخ نفسه,ولاسيما بعد حرب أكتوبر 1973 ونشأ خلاف آخر بين مصر وإسرائيل حول طابا في تحديد مواقع علامات الحدود بين مصر وفلسطين حتي 1981 وبعد تحديد العلامات رقم88و89و90 بدزت الادعاءات الإسرائيلية خلال تحديد آخر علامة وهي العلامة رقم 91 الشهيرة.وأرادت إسرائيل تحريك موقع العلامة إلي بطن وادي طابا بدلا من سلسلة الجبال المطلة علي الوادي,ومن المفترض أن هذه الحدود مصونة لاتمس وتم تشكيل لجنة مشتركة لتسهيل تنفيذ المعاهدة وتحديد العلامات وعند العلامة 91 أخذ الإسرائيليون الفريق المصري إلي أسفل في الوادي ليروا ما أسموه ببقايا العمود الأخير,وإلي جوار أشجار الدوم أشار الإسرائيليين إلي بقايا مبني قديم قالوا هذا موضع العلامة 91,ولم يقبل الوفد المصري هذا الموقع وأصر علي الصعود لأعلي وهناك وجد المصريون بقايا القاعدة الحجرية للعلامة القديمة ولكنهم لم يجدوا العمود الحديدي في القاعدة الذي كان يحمل في العادة رقم العلامة,ولكن كانت الصدمة الكبري للإسرائيليين حين نجح أحد الضباط المصريين في العثور علي العمود الحديدي علي منحدر شديد الوعورة وطول هذا العمود 2متر وعرضه15سم ووزنه ما بين 60 إلي 70سم وكان موجودا عليه رقم 9,مما جعل أحد أعضاء الوفد الإسرائيلي يقول إن الطبيعة لا تكذب أبدا واتضح أن العمود والقاعدة قد أزيلا حديثا ومع ذلك رفضت إسرائيل الاعتراف بهذه العلامة,ومنذ 1982 وعلي مدي سبع سنوات خاضت مصر صراعا سلميا ومفاوضات مضنية وتم الاتفاق علي مبدأ التحكيم.
ثم تشكلت المحكمة في جنيف من خمسة أعضاء وفي يوم 30 سبتمبر 1988 صدر قرار التحكيم لصالح مصر بأغلبية أربعة أصوات مقابل واحد هو صوت القاضية الإسرائيلية,وبذلك صدر الحكم لصالح مصر وفي 19 مارس 1989 تم انسحاب آخر جندي إسرائيلي من طابا وعادت طابا كاملة إلي السيادة المصرية ورفع الرئيس مبارك علم مصر علي أرضها وجعل هذا اليوم عيدا وطنيا استردت فيه مصر الأم جزءا من ترابها دون أن تنزف نقطة دم واحدة من جنودها البواسل..منذ أيام مر 20 عاما علي عودة طابا إلي مصرنا الغالية مصر الأمن والأمان مهما حاول المغرضون النيل من استقرارها لنحتفل معا وليتذكر العالم معا الاصدقاء قبل الأعداء إننا لن نفرط في شبر من أراضينا الغالية مهما طال الوقت فهي لنا وجزء منا.