هل تكون الانتخابات التي تشهدها مصر حاليا هي الخطوة الأولي لإعادة السلام والهدوء والسكينة إلي بر مصر المحروسة باعتبارها درجة مهمة من درجات بناء الدولة العصرية التي ننشدها جميعا؟. هذا التساؤل بات يطرحه الجميع في الآونة الأخيرة بعد أحداث دراماتيكية متلاحقة أصابت مصر كلها بالفزع ودفعت بالاقتصاد الوطني خطوات كبيرة للخلف وجعلته علي مقربة من السقوط والانهيار.أحداث التحرير وشارع محمد محمود الأخيرة أصابت البورصة المصرية بخسائر مالية فادحة.ومن قبل أدت أحداث دمياط وحصار مواطنيها لميناء دمياط لمدة اقتربت من11يوما إلي خسائر اقتصادية جسيمة أخرها إصابة سمعة مصر الأمنية والاقتصادية بأضرار بالغة.
350مليون جنيه حجم الخسارة المالية في تلك الأيام مع ارتفاع غير مسبوق في أسعار بوالص التأمين إلي جانب تهديد عدد كبير من شركات الملاحة العالمية بتحويل وجهات سفتها لموانئ أخري يتوفر فيها الأمن. شئ لايصدقه عقل أن يتضرر اقتصاد مصر بأيدي شريحة من المصريين اندفعوا الحصار الميناء وعطلوا حركته تماما مما أصابه بالشلل .فلا سفن قادرة علي تفريغ بضائعها, ولاسفن قادرة علي تحميل بضائعها للمغادرة.والسؤال الذي يطرحه كافة المعنيين وخبراء المال والاقتصاد الذين التقت بهم وطني هو لمصلحة من مايحدث من تخريب للاقتصاد؟!
الربانعصام حسنينمدير الحركة بميناء دمياط أكد لـوطني أن الخسائر المالية تعدت 350مليون جنيه علي مدار11يوما بسبب اعتصام عدد من أهالي قري محافظة دمياط أمام مداخل ومخارج ميناء دمياط.صحيح أن الأهالي فضوا اعتصامهم وتم فتح بوابات ميناء دمياط لعودة العمل بالميناء بعد توقفه حيث بدأت الشاحنات المحملة بالبضائع بالخروج من الميناء إلا أن ماحدث يناقض تماما ماحدث عام2008 من حيث أساليب الاحتجاج عندما شرعت شركةأجريوم في بناء مصانعها بالقرب من جزيرة رأس البر.في ذلك الوقت قام أهالي دمياط بالاعتراض بشكل حضاري, وكان اعتراضهم بدون تخريب أو ترويع وبدون خسائر مثل ماحدث حاليا.حسبي أن أذكر أن المعتصمين المحاصرين لميناء دمياط لم يكتفوا بحصارهم للميناء وتعطيل كافة أشكال الحركة التجارية من دخول أو خروج للسفن والبضائع إذ قاموا أيضا بقطع الطرق المؤدية إلي رأس البر ودمياط وإحراق محطة ضخ المياه الموجودة بقرية السواحل التابعة لمركز كفر البطيخ والتي تأخذ مياه النيل وتضخها إلي شركة موبكو معلنين الإصرار علي عدم إنهاء الاعتصام وفتح الطرق إلا بعد إزالة المصنع تماما.
اللواءسامي سليمان القائم بأعمال رئيس هيئة ميناء دمياط قال صراحة:علي الرغم من حدوث ثورة25يناير التي أيدناها جميعا إلا أنه علينا أن نعترف بوجود حالة من فقدان الثقة بين المواطن والدولة,وباتت لدي المواطنين معتقدات راسخة بأن تصريحات الوزراء والمسئولين كاذبة ومضللة وغير صحيحة…فالمؤتمر الصحفي الذي عقد بمقر مجلس الوزراء أثناء الأزمة ظهر الوزراء فيه وهم يطلبون ود المواطنين,وبالفعل قدموا عددا من الحقائق ولكن هذه الحقائق كانت كسابقتها ولم يقتنع بها أحد.الخسائر بالفعل فادحة وحسبنا أن نذكر فقذ للتدليل علي ذلك أن ميناء دمياط كان يخسر يوميا طوال فترة الحصار عليه نحو35مليون جنيه وهي خسائر مباشرة وغير مباشرة تمثلت في ارتفاع قيمة التأمين علي السفن مما يدفعها للجوء لموانئ بدول أخري منافسة مثل قبرص مؤكدا أن غرامات تأخير السفن وصلت إلي6ملايين جنيه يوميا,وهيئة الميناء نفسها بلغت خسائرها 9ملايين جنيه يوميا طوال فترة الأزمة إلي جانب 9ملايين جنيه أخري هي الخسائر اليومية لشركة دمياط لتداول الحاويات.
من ناحيته ودعما لكلام من سبقوه في الحديث عن الأضرار الاقتصادية التي لحقت بالاقتصاد الوطني…أوضح أحمد فرج سعودي رئيس مصلحة الجمارك أن أزمة مصنع موبكو وماخلفته من اعتصامات وحصار لميناء دمياط الذي يعد واحدا من بين أهم موانئ مصر التي تخدم حركة التجارة الداخلية والخارجية للبلاد وأدت علي سبيل المثال وليس الحصر إلي تعطل تام لحركة تداول الحاويات مما أسفر عن تعطل دخول 6آلاف طن قمح يوميا, و7آلاف طن ذرة, و4آلاف طن سكر وذلك طوال فترة الحصار علي الميناء إلي جانب الأضرار الأدبية والمادية الجسيمة التي أصابت مصر وسمعتها من جراء ماحدث,هذا بالإضافة للخسائر المالية الكبيرة لكافة الأعمال الصغيرة والمتوسطة والتي يديرها مصريون وترتبط أعمالهم ارتباطا كليا بحركة العمل داخل الميناء!!فكيف ندعو العالم الخارجي -يقول سعودي- للاستثمار في مصر بينما عنصر الأمن غير متوفر, علما بأن رؤوس الأموال تبحث في المقام الأول والأخير عن المناخ الآمن قبل الإعفاءات والمميزات لأنه لايوجد استثمار يعمل في ظروف غير آمنة وهو مايدعونا جميعا للتبصر بتحديات هذا المرحلة وضرورة دعم ومساندة كافة الجهود المخلصة لانتشال اقتصادنا من عثرته حتي تعود عجلة الإنتاج للدوران بقوة وبسرعة, ومن ثم تعود مرة أخري حركة التصدير للإنتاج المصري للخارج.
د.علي القريعي رئيس لجنة البيئة بجمعية رجال الأعمال المصريين أوضح لنا أن مصنعموبكوهو السبب في أزمة ميناء دمياط ذلك أنه واحد من تسعة مصانع كبري في العالم بأسره في مجال تصنيع الأسمدة,وقد حصل علي كافة الموافقات البيئية والصناعية وإنتاجه آمن تماما ويتسم بجودة عالية تقدم إضافة للقطاع الزراعي في مصر مع تصدير الفائض للخارج ولو افترضنا أن هناك بعض المخالفات القابلة للحل, فالأمر لايستدعي أبدا حصار المصنع والمطالبة بإغلاقه تماما, وحصار ميناء دمياط الذي تعطلت الحياة فيه علي مدار 11يوما في سابقة جديدة من نوعها لم تحدث من قبل وكأننا بمعالجة خطأ نتسبب في أخطاء أشد جسامة وهو ما نتمني ألا يحدث مرة أخري حتي لا تهرب الاستثمارات من بلادنا تحت شعارانعدام الأمن.
د.حمدي عبد العظيمالرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية والخبير الاقتصادية المعروف أوضح لنا أنموبكو استحوذت عليأجريوم بنسبة 100% مقابل طرح أسهم جديدة من خلال موبكو لصالح أجريوم المصرية حيث إن ذلك الاستحواذ جعل حصة المساهمين في أجريوم المصرية تصل إلي50% وحصة أجريوم الكندية 26% من أسهم شركة موبكو.والخوف كل الخوف أن تستغل أجريوم الكندية تلك الأحداث وتلجأ للتحكيم الدولي مطالبة بتعويضات عن الخسائر التي لحقت بالشركة ومن حق أجريوم الكندية أن تفعل ذلك بالرغم من أن حصتها لاتزيد عن26% من الحصة الحاكمة التي تمتلكها الحكومة المصرية إن قرار مجلس الإدارة لايسري في بعض القرارات إلا بنسبة تصويت من المساهمين تصل إلي80% ومن بينها القرارات المتعلقة باتفاقيات الغاز وتوسعات المصنع وزيادة الاستثمارات مما يعطي الحق لأجريوم العالمية بمقاضاة مصر دوليا خاصة مع عدم احترام اتفاقية دعم وحماية الاستثمار الأجنبي إلا أنه والحمد لله لم تتخذ أجريوم أي أجراء في هذا الشأن لمعرفتها بأن ماجري كانت وراؤه أياد خفية تسعي لإغلاق المصنع تماما لصالح مصانع أخري منافسة تري فيموبكو منافسا قويا يهدد مصالحها!!.
د.رشاد عبده الخبير الاقتصادي المعروف قال لنا إن ميناء دمياط الذي حاصروه وشلوا حركته علي مدار 11يوما هو من أقدم الموانئ في مصر منذ عهد الفراعنة وهو من الموانئ المهمة الرئيسية في مصر,وقد اكتسب إلي جانب أهميته التجارية أهمية حربية حيث كان يعد مفتاح مصر وقلعتها الأمامية والجسر الذي يربط بين أوربا وآسيا حيث ازدهر بداية من حكم محمد علي بالمشاركة في بناء الأسطول المصري الحربي والتجاري وكانت أهم الصادرات المصرية للخارج بواسطته هي الأثاث والأحذية وغزل شباك الصيد والملح والخوص, أما الواردات فقد اقتصرت علي العرقسوس المطحون وكانت أغلب الصادرات تتجه إلي فلسطين وسورية وقبرص ومنها لأوربا.
وفي العصر الحديث وبازدياد حجم التجارة العالمية بدأ التفكير الجدي في إعادة إنشاء ميناء دمياط لتخفيف العبء عن الموانئ المصرية وأضحي بالفعل حقيقة واقعة وتم افتتاحه أمام حركة الملاحة العالمية عام1986 وبات واحدا من أهم موانئ شرق البحر المتوسط وقد افتتحت مرحلة التحديث والتطوير المتكامل لميناء دمياط مبني الإدارة الإلكترونية بتكلفة 190مليون جنيه تمت تغطيتها بالكامل من إيرادات ميناء دمياط فهو مشروع بلاديون.
ويختتم دعبدهبقوله:لنضمد جراحنا بعد عهد تفشي فيه الفساد علي مدار 30عاما ولننظر إلي الأمام يحدونا الأمل بما يتوفر لدينا طاقات وإمكانات فميناء دمياط هذا الذي حاصروه أتاح فرص عمل وساهم في إقامة مشروعات عديدة جديدة يملكها ويديرها ويعمل بها مصريون,بل وهناك إمكانية أيضا لإقامة مشروع لوجستي للصناعة التكاملية للسيارات علي مساحة88ألف متر مربع مزودة برصيف الاستيراد وتجميع وتوزيع وإعادة تصدير السيارات,علي أن يتم في مرحلة لاحقه إقامة محطة حاويات حديثة متكاملة بما في ذلك إنشاء رصيف بطول1130 مترا بعمق 15.5 متر بنظام المشاركة بتكلفة تقدر بنحو100مليون دولار,بالإضافة إلي إمكانية إنشاء محطة كهرباء تبلغ قدرتها 5ميجاوات لإنتاج الطاقة الكهربائية اللازمة للميناء والمشروعات اللوجستية الحالية والمستقبلية إن الأمل كبير في ميناء دمياط وما يمكن أن يلعبه من دور أكثر فاعلية مما هو عليه حاليا لو توفرت الإرادة السياسية وتحالف بعض رجال الأعمال المصريين مع بعضهم البعض ودخلوا في شراكة لإقامة المشروعات المستهدفة وهي كفيلة بتحقيق أرباح كبيرة, وحسبنا أن نعرف أن إجمالي ماتم تصديره عبر الميناء خلال العام الحالي بلغ12.8مليون طن بينما بلغ ماتم تصديره العام الماضي عبر الميناء 4.8مليون طن وبلغ عدد السفن التي استقبلها الميناء خلال العام الحالي زهاء 4500سفينة.