الحجم الطبيعي للتيار الإسلامي في مصر يتراوح من 20% إلي 30%
السلفيون كانوا يقولون قبل الثورة: إن السياسة دناسة ونجاسة..!!
علي الشباب القبطي أن يؤكد وجوده كشريك في الوطن
الدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية ومؤسس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية له مكانته العريقة في مجال حقوق الإنسان إلا أنه واجه الكثير من الصعوبات والتهم بسبب دفاعه عن الأقليات المضطهدة ومناهضته للنظام السابق.
اقتربنا من الدكتور سعد الدين إبراهيم ليروي لنا كيف يري الربيع العربي وكيف ستسير الأوضاع في مصرنا الحبيبة.
* تعرضت للسجن واتهامك بالعمالة والتجسس هل كان متوقعا سقوط هذا النظام؟
* * لقد عرفت آل مبارك عن كثب وتعاملت معهم مباشرة فبداية هذه العائلة كانت سوية مثل معظم المصريين ولكن تحت إغراءات السلطة فسدوا, وإنني أدعو إلي الحساب وإلي إصدار حكم القضاء الطبيعي علي كل من أخطأ أو أذنب وعلي كل من اشترك في جريمة الرشوة والفساد فقد كنت أحد ضحايا ذلك النظام الذي لاحقني طيلة خمسة عشر عاما, وبتلفيق عشرين تهمة كانت نتيجتها الحكم علي بالحبس سبع سنوات قضيت منها ثلاث سنوات حتي برأتني المحكمة من كل التهم التي لفقها لي زباينة نظام مبارك, لكني خرجت من السجن مشلولا علي كرسي متحرك وقضيت ثلاث سنوات أخري لإجراء جراحات في المخ والعمود الفقري حتي استعدت بالكاد القدرة علي الحركة ثم المشي.
وحينما رأيت مع الملايين مشهد حسني مبارك علي سرير متحرك في قفص الاتهام أشفقت علي الرجل الذي كان ملء الأسماع والأبصار والذي طغي وتكبر, ومع هذا الإشفاق تعجبت إذا كان الرجل سيتذكر أولئك الذين تم إعدامهم أو سجنهم في عهده, وإذا كان نجلاه علاء وجمال ووزير الداخلية حبيب العادلي في قفص الاتهام سيتذكرون من لفقوا لهم القضايا والتهم ورموهم في السجون ومع ذلك فإني من المطالبين بمحاكمة عادلة.
* هل هناك مخاوف من اختطاف الثورة المصرية؟
* * منذ الشهر الأول بعد نجاح ثورة يناير كتبت في عدة مقالات أن الثورة المصرية مهددة بالاختطاف من الذين قاموا بها من الشباب وأن الذين يتحفزون لهذا الاختطاف هم ثلاثة:
المجلس العسكري الذي فوضه مبارك في تولي السلطة يوم تنحيه عن الرئاسة في (2011/2/11) ورغم خبرتهم السياسية المحدودة إلا أنهم يملكون القوة المادية.
الإسلاميون من الإخوان المسلمين والسلفيين وهم معا عدة ملايين ويحتكرون الاستخدام السياسي للدين.
فلول النظام الذين تربوا في كنف الحزب الوطني الذي كان حاكما لثلاثين عاما.
وقراءات التاريخ تكشف لنا أن هذا حدث في ثورات أخري مثل الثورة الروسية في فبراير 1917 التي قامت بها حركة وطنية روسية وتسلل إليها الشيوعيون وكان عددهم قليلا في روسيا ولذلك يسمونهم المونشيفيق بالروسي التي تعني الفصيل الصغير.
وخلال ثمانية شهور استطاع ذلك الفصيل الأصغر بقيادة قائد قوي اسمه لينيين أن يسيطر علي الثورة الروسية وأصبح القوة المهيمنة وتحول المونشيفيق أي الفصيل الصغير إلي البولشفيق أي القوة المسيطرة المهيمنة ونجح في اختطاف الثورة من تلك الحركة الوطنية الروسية.
والمرة الثانية التي حدث فيها اختطاف للثورة كانت في الثورة الإيرانية في 1979 والذين كافحوا ضد شاه إيران ومات كثيرون من بينهم تنظيم اسمه مجاهد خلق ولكن يوم هروب الشاه من إيران وصل شخص من باريس اسمه آية الله الخوميني ومعه مجموعة من الملالي أو رجال الدين واستطاعوا أن يخطفوا الثورة الإيرانية.
* تعدد الأحزاب وكثرتها بعد الثورة.. هل تراه إيجابيا أم سلبيا علي مصر؟
* * تعدد الأحزاب في مثل هذه الفترة هو طبيعي في أعقاب كل الثورات التي شاهدها العالم في الأربعين سنة الماضية, فالثورات بدأت من ثورة في البرتغال سنة 1974 بعد حكم ديكتاتوري استمر 60 سنة, ففي السنة الأولي تكون ما يقرب من 60حزبا ولكن بعد فترة تقلص العدد ليصبح من 4إلي 6أحزاب ناشطة.
بعد كل ثورة تنطلق الرغبات المكبوتة عند الناس ولكن بعد أول تجربة انتخابية يكتشفون أن العملية ليست بالسهولة التي كانوا يتوقعونها وليس الأمر مقصورا علي تأسيس الحزب ولكن بقاء هذا الحزب علي الساحة السياسية, وخلق قدرات لكي يستطيع اجتذاب أصوات في الانتخابات.
* ما توقعاتك للانتخابات القادمة علي مصر؟
* * أتوقع كما تمت الانتخابات في تونس بشكل محترم وشارك فيها ما يقرب من 90% ممن لهم حق التصويت وظهرت النتائج علي غير ما كانت ترجوه بعض القوي المدنية, وأن حزب النهضة الإسلامي التونسي فاز بنسبة 40% وهذا ما أتوقع حدوثه أيضا في مصر.
إن الجبهة الإسلامية المتمثلة في الإخوان والسلفيين سيحصلون علي نسبة تتراوح بين (30%: 40%) من الأصوات ولكن لن تكون لهم الأغلبية وإنما سيلعبوا في حلبة ستتعدد فيها الأحزاب علي الأقل لمدة الأربع سنوات الأولي وبعد ذلك الذي تثبت جديته علي الساحة السياسية ويكون الأحسن سيعاد انتخابه فإذا أحسنوا سيكون لهم وجود وإن لم يحسنوا فيتم تراجعهم إلي وضعهم الطبيعي الذي أراه لا يتعدي من (20%: 30%).
* الفترة الراهنة في مصر هل تشابه فترات سابقة عبر التاريخ؟
* * هناك تشابه بين ما نعيشه الآن والفترة من أكتوبر سنة 1952 إلي أكتوبر ..1954 والتشابه في هذه الفترة هو حالة الاضطراب واللبس والمظاهرات والاختلافات الكبيرة.. سواء كانت داخل مجلس قيادة الثورة آنذاك أو بين المجلس والقوي الحزبية أو القوي المنظمة الأخري مثل الإخوان المسلمين والحركة العمالية وغيرهما وفي تلك الفترة تم إعدام عمال كفر الدوار, فهي كانت فترة عصيبة ولذلك من هذه الناحية يوجد أوجه تشابه بين الفترتين: الهرج والمرج- القلاقل والاضطرابات- الغموض..
* الوضع الراهن في مصر من تردي الأوضاع الاقتصادية والانفلات الأمني.. هل هو موجة ما بعد الثورات بصفة عامة؟
* * أي ثورة هي عملية هدم نظام قائم بذاته بكل أطرافه من ثقافة أو تكتلات أو إسقاط بعض الترتيبات وإقامة نظام آخر وتشييده من الأثاث حتي البنية القائمة.
وعملية هدم نظام قديم وإقامة آخر جديد تنتج مخلفات وأنقاض من هذا النظام السابق وفي نفس الوقت تحاول أن تأتي بكل مواد البناء الجديدة لكي تشيد النظام الجديد فنحن في مصر الآن متشابهين مع هذا الوضع.
ولحسن الحظ المجتمع المصري قواعده راسخة وهذا هو العزاء الكبير في أوقات الاضطراب الحالية. إن النظام يأتي ويذهب والمجتمع المصري بقواعده الداخلية قائمة وثابت وراسخ وقادر علي امتصاص هذه الصعوبات وتجاوز الأوقات العصيبة التي تمر بها البلاد.
* كيف تري إدارة المجلس العسكري لشئون البلاد..؟
* * إدارة مختلطة.. بعض القرارات لا بأس بها وبعضها قرارات مترددة أو تأتي متأخرة والمجلس شأنهم شأن المصريين في هذه الفترة.. وانعكاس لحال المصريين لكن في زي عسكري, فهم في حالة اضطراب.
* تنامي التيار الإسلامي بعد ثورة 25يناير.. هل خرج المارد من القمقم؟
* * التيار الإسلامي موجود قبل الثورة ولكن الذي أتي بعد الثورة قوي إسلامية لم يكن لها أي اهتمام بالسياسة أو هكذا كانت تدعي وهي جماعة السلفيين.. أما الإخوان المسلمون فهم موجودون معنا منذ ما يقرب من 80سنة وليس هناك جديدا فأجندتهم واضحة لم تعد الجماعة محظورة وأصبحت لديهم حرية الحركة.. حرية الحديث.. حرية تكوين حزب. أما السلفيون الوافدون الجدد علي الساحة السياسية فيأتون من الحركة الوهابية السعودية أو علي الأقل بدايتهم كانت هكذا رغم إدعائهم بعدم اهتمامهم بالسياسة وأن السياسة دناسة ونجاسة فبعد نجاح الثورة وإسقاط نظام مبارك انفتحت شهيتهم علي العمل السياسي وبدأوا يتصرفون وكأنهم هم الذين قاموا بالثورة.
وبالتالي الخطاب العام في الساحة السياسية غلب عليه الطابع الإسلامي سواء الإخواني أو السلفي وهذا شئ مقلق للعناصر الأخري المدنية والعلمانية وغير المسلمة ولكن توقعي أن هذه الأمور ستأخذ شكلها الطبيعي خلال الأشهر القادمة.
* هل ستشهد الفترة القادمة مع موسم الانتخابات انفلاتا أمنيا؟
* * لا أعتقد هذا فأنا سمعت بهذه الأقاويل لكن الجيش في مصر سمعته ستكون في الميزان لأنه هو الذي يحكم البلاد وبالتالي مسئوليته كبيرة جدا تأكيد وتنظيم الوضع الأمني في مصر.
* هل هناك مشروع شرق أوسطي إسلامي يربط الثورات التي تجتاح معظم الدول العربية؟
* * المشاريع كثيرة جدا فهناك مشروع شرق أوسط عربي وأنا أدعو إليه وهو الأفضل في الوضع الحالي وهو قائم علي اتحاد يضم مصر وتونس وليبيا وهناك بجانب ذلك مشروع إسلامي ومشروع إقليمي ومشروع أمريكي وآخر أوربي فالمنطقة مهمة جدا للعالم كله وبالتالي تتعدد فيها المشاريع.
* كيف تري وضع الأقباط بعد الثورة خاصة في أعقاب أحداث ماسبيرو الدامية؟
* * الأقباط يتعرضون لانتهاكات وتهميش منذ ما يقرب من 60سنة وتزداد لحظات الانتهاك والتهميش في أوقات الفوضي وفي مناخ ضعف المؤسسة الأمنية في هذا السياق أضع أحداث ماسبيرو فالأقباط لهم مطالب وبدأوا يعبرون عنها بصوت عال.
وكل الذي أرجوه أن يتجاوز الأقباط أحزان وآلام ماسبيرو وكنيسة الماريناب وأطفيح وغيرها ويستعدوا للمشاركة في الحياة السياسية والمساهمة في الانتخابات والذي أطلبه منهم المزيد من المشاركة بالرغم من ازدياد العنف.. لأن النمط التقليدي عند الأقباط منذ تاريخ كبير أنه كلما ازداد العنف والظلم انسحبوا من الساحة.
* كيف تري إدارة الكنيسة لهذه المستجدات التي علي الساحة؟
* * هناك نوع من الخجل في تعبير الكنيسة عن مطالب الأقباط فبعد أن همشت الكنيسة كل المؤسسات القبطية البديلة وأصبحت الصوت الرئيسي المعبر عن الأقباط قصرت في هذا التعبير.
كانت هناك مجالس ملية فاعلة ومؤسسات مدنية قبطية منذ نصف قرن إلا أنها تقلصت وتكاد تكون اختفت وإن كانت موجودة فهي توجد علي الأوراق فقط وأصبح الصوت الوحيد هو الكنيسة والكاتدرائية وأنا أعتبر هذا خطأ وخطرا علي الأقباط وخطرا علي مصر.
* كيف…؟
* * أن يكون هناك صوت واحد قبطي أو صوت واحد إسلامي أو صوت واحد لأي طيف من أطياف المجتمع هو ضعف وخطأ لأننا في مرحلة تعلي من شأن التعددية.. وفي مصر التعددية الدينية والتعددية السياسية, وأنا من دعاة التعددية وبالتالي أنا لست سعيدا بالحالة القبطية والمشهد الحالي وإن كنت أرجو من الشباب القبطي الذي شارك في الثورة العودة إلي الساحة لتأكيد وجوده كشريك لأقرانه المسلمين.
* هل سيكون للأقباط تواجد في الانتخابات والمجلس القادم؟ وكيف تري أهمية مشاركتهم؟
* * أرجو هذا وأتمني مشاركة الأقباط في الانتخابات وألا يفرطوا في أداء دورهم, فمقاطعة الانتخابات ستؤدي إلي عزلتهم مرة أخري.
* قلت أن شعبنا ثائر ولكن ليس محترف ثورة, فهل معني ذلك أن الثورة المصرية مهددة بالانتكاسة؟
* * أنا لا أحبذ كلمة انتكاسة ولكن أفضل تعبير اختطاف الثورة.
ولكنني أتمني أن أري في مصر الديموقراطيين الإسلاميين وهو ما تطبقه تركيا الآن, وأتمني من الإخوان أن يكونوا ندا لا يحتكر السلطة ولكن ينافس عليها وأتمني تقنين دور الجيش ليكون مؤسسة تحمي الدولة المدنية.