دق جرس الباب وإذ بشاب وسيم يطلب مقابلة الوالد,وأمامه بدأ يتحدث عن نفسه وظروفه ووضعه الاجتماعي فيما يقرب من الساعة ولا يعلم أحد ماذا يريد؟وأمام تلك الحيرة بادر بالإفصاح عن رغبته في الارتباط بإحدي فتياتنا وكانت الفرحة لا توصف..الحلم الذي ينتظره كل أب وكل أم هاهو يتحقق بقدوم ذلك الخطيب,ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن فسرعان ما تبددت الفرحة حينما علما بأن الخطيب ذا الخلق والعلم والدين والنسب يتقدم لخطبة الابنة الصغري وليست الكبري.فأصبح الأهل بين نارين…ما بين كونه شابا لايرفض وبين زواج الصغري قبل الكبري.
يقول د. غريب عبد السميع- أستاذ علم الاجتماع جامعة حلوان- إن مسألة زواج الابنة الصغري قبل الكبري من المواضيع الشائكة التي مازالت تعاني منها طبيعة مجتمعنا الشرقي خاصة في الطبقات الوسطي والفقيرة سواء في المدينة أو في القرية فهو يمثل أمرا صعبا ومعقدا لدي الكثير من أسرنا حينما يتقدم شاب حسن الخلق والدين والنسب لخطبة إحدي بنات العائلة فيقف الوالدان في حيرة بين تلبية نداء العقل وبين نظرة المجتمع تجاه الابنة الكبري وما يمكن أن يحدثه زواج الصغري بضرر علي مستقبل الكبري ربما يصل لدمار حياتها, وعليه يتم رد الخطيب وإغلاق الباب أمامه..هكذا رفض من أجل عادات وتقاليد, كم جرت علينا من ويلات مازلنا نتجرع عواقبها لكننا لانستطيع التخلص منها حتي الآن وكأنها قانون ثابت لايتغير, والدليل: النظر بسطحية لزواج الابنة الصغري قبل الكبري والتي يعد الرفض فيه إجحافا وظلما وتعصبا للرأي دون النظر في العواقب التي قد تلحق بالابنتين معا الصغري والكبري إذا ما جعل الأهل الكبري عقبة في طريق الصغري.
ويتساءل د. عبد السميع: هل العرف الاجتماعي يمنعنا من زواج الصغري قبل الكبري؟!وهل يحق للمجتمع أن يحرم الابنة الصغري من سعادتها علي حساب الكبري؟! أعتقد أن القرار يخص العائلة وحدها وليس للمجتمع بعرفه وانتقاداته شيء في هذا الكون, رأي الناس لايقدم ولايؤخر ,وهنا بالطبع يختلف قرار الأسرة تبعا لاختلاف المستوي والعادات والأسلوب في التفكير فهناك من يرحب بقبول زواج الصغري قبل الكبري وهناك العكس.لذا المسئول باتخاذ القرار هم أفراد العائلة بأكملها بمناقشة الموضوع فيما بينهم بما يلائم كافة الأطراف دون أن يسبب أية عراقيل لأي طرف.
وفي الواقع إن ما يساعد علي تجاوز الأمر مما لايدعه مشكلة من الأساس هي التنشئة الاجتماعية للأبناء منذ الصغر,وإدراكهم بأنه لامجال للمقارنة في مسألة الزواج, فالفكرة تتعلق بوجود شخص ملائم من عدمه وبالقبول والارتياح وغيرها في ظل ما تشهده من رفض الابنة الكبري وبشدة تكره زواج أختها الصغري قبلها خوفا من الناس والمجتمع.
احذر القطار
ويتفق د. كمال مغيث- الخبير التربوي بمركز البحوث التربوية- مع الرأي السابق بأنه مازالت بعض الأسر تتمسك بالعادات والتقاليد علي نهجالسيد أحمد عبد الجواد في مسألة زواج عائشة وخديجة كنموذج لها, وهو ما يتنافي مع أوضاعنا الحالية في ظل السموات المفتوحة وخروج الفتاة للتعليم والعمل لتصبح لها الشخصية الاعتبارية المستقلة عما كانت عليه في وقت سابق.فأي عقل يقبل رفض شاب زميل للابنة الصغري يتقدم لخطبتها فيتم رفضه لعدم زواج الكبري بحجة الخوف علي مشاعرها؟!
هذا أمر يدعونا أن نتصور الحال إذا ما كانت هناك أسرة لديها خمس فتيات علي سبيل المثال, بالتأكيد هذا الوضع يصعب معه تطبيق القاعدة بزواج الكبري أولا ثم الأصغر ثم الأصغر وهكذا ,وإلا بتأخير فتاة من بينهن في الزواج تجعلها هي وأخواتها في قائمة من ينتظرن القطار إن لم يكن قد فات.وهو أمر بالفعل يدمر الأسرة بأكملها إن لم تتنازل نسبيا عن التمسك بعادات قديمة سابقة تجعلها تضيع من حق الابنة الصغري في تكوين مستقبلها, وتدمر الكبري وتضغط عليها بكافة الطرق مابين حزنها بأنها قد تقف حجر عثرة في طريق سعادة أختها وما بين أن تتزوج من أول خطيب يطرق بابها لتتخلص من المأزق الذي وضعت فيه كحل للمشكلة وهذه الكارثة الأكبر.
الفرصة لن تتكرر
وعن التأثير النفسي الذي قد يتعرض له الأبناء جراء موقف الآباء المتشدد حينما يرفض خطيب الصغري بحجة عدم زواج الكبري يقول د. سمير عبد الفتاح- أستاذ علم النفس جامعة عين شمس- بأنه قد يؤدي إلي الشعور بالعداء والبغض بين الأخوات نتيجة الإحساس بأن إحداهما تقف في طريق سعادة الأخري حتي وإن لم تكن الابنة الكبري تمانع هذا الزواج فمجرد وجودها يسبب لها المشكلة تجاه مستقبلها وحياتها بتشدد الأهل,وهو ما يجعل العلاقة متوترة للغاية علي مستوي الأسرة. لذا علي الأهل النظر للوضع نظرة واقعية موضوعية والتعامل مع المسألة بحكمة دون مبالغة ,وأن يدركا النصيب وأن الفرصة المناسبة لن تتكرر ثانية, لذا فزواج الصغري لايضر بالابنة الكبري في شيء فهي لاينقصها شيئ, فلم تعد أقل منها في التعليم أو في الجمال أو في الخلق, وإنما المسألة مسألة نصيب فلم تكن الأولوية لمن يتزوج أولا وإنما لمن يختار الأفضل مهما طال الانتظار فالفرصة واحدة وعلي الإنسان أن يقتنصها.