يتفق خبراء المال والاقتصاد المعنيون بأسواق المال والذين التقتهم وطني أن البورصة تنجرف بسرعة غير عادية نحو نفق مظلم, وهي في حالة ترنح حاليا, وقد يصل الأمر إلي إغلاقها لوضع نهاية حتي لو كانت درامية لنزيف الخسائر المستمر منذ أحداث يناير 2011 وحتي يومنا هذا, وبلغة الأرقام فقد خسرت البورصة المصرية 12 مليار جنيه من قيمتها متأثرة بمليونية الإنقاذ الوطني مما دفع إدارة البورصة لتعليق التداول في السوق الثلاثاء الماضي لمدة ساعة بعد أن هبط مؤشر الأسعار بنسبة 5%.
وطبقا لإحصائيات هيئة سوق المال خسر رأس المال السوقي للأسهم المقيدة بالبورصة نحو 80.4 مليار جنيه من قيمته خلال الربع الثالث من العام الجاري متأثرا بالأحداث السياسية والعالمية التي شهدتها البلاد في تلك الفترة من أزمة الدين الأمريكي التي أدت إلي انخفاض التصنيف الائتماني الرفيع للولايات المتحدة الأمريكية إيه. إيه. إيه من جانب مؤسسة ستاندر آند بورز للتصنيف الائتماني الذي عصف بأداء أسواق المال العالمية بالإضافة إلي التوقعات المتعلقة بزيادة عجز الميزانية الأمريكية فضلا عن الأحداث السياسية المحلية التي شهدتها مصر في محاكمة الرئيس السابق ونجليه وأعوانه, والمخاوف من تصاعد الأحداث السياسية الداخلية مع قرب إجراء الانتخابات البرلمانية وانتشار الإضرابات والاعتصامات وانخفاض السيولة بالبورصة.
يوضح د. أشرف الشرقاوي رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية ما يصيب البورصة المصرية حاليا من خسائر قائلا: البورصة في أي بلد بالعالم تعد بمثابة المرآة لاقتصاد هذا البلد أو ذاك, ومؤشرات البورصة تتسم بحساسية عالية مع التطورات السياسية, ومن الطبيعي أن تشهد البورصة هبوطا مع أحداث سياسية تتسم بالتصعيد وتمتزج بالتظاهرات التي لم تعد قاصرة علي القاهرة وحدها حيث امتدت لتشمل العديد من محافظات مصر, لأن المستثمر سواء كان محليا أو أجنبيا في ظل هذه الأحداث يكون خائفا علي أمواله وتزداد حدة قلقه كلما تصاعدت وتيرة الأحداث وهو ما لمسناه فعليا إبان أحداث يناير 2010, وإبان جمعة المطلب الوحيد وما تلاها من أحداث أدت إلي هذا الهبوط وهذا التراجع الذي أصاب الجميع بالفزع!!
وأضاف د. أشرف الشرقاوي: الانتخابات البرلمانية تمثل التحدي الأخير الذي تنتظره سوق المال بعد جملة الخسائر التي منيت بها, ومن ثم فإن حالة الترقب التي تمر بها السوق خلال الفترة الحالية أمر طبيعي في ظل انتظار حدث سياسي جوهري يرسم أول ملامح النظام المصري الجديد, كما أن عودة مؤشرات البورصة المصرية مرة أخري لوضعها الطبيعي لن تأتي إلا بعودة الاستقرار للشارع السياسي, وأن الهيئة العامة للرقابة المالية تنتظر بشغف البرلمان الجديد لحاجتها لتقديم عدد من مشروعات القوانين أو تعديل عدد آخر والتي لابد أن تعترض أولا علي البرلمان لمناقشتها البت في تعديلها من عدمه.
وأكد د. محمد عمران رئيس البورصة أنه لا نية ولا يوجد أي تفكير لوقف التداول بالبورصة حيث توجد الآليات والضوابط, ما يجب أن نعرفه جميعا أن كافة المتعاملين بالسوق في حالة قلق ومراقبة لما يحدث في ميدان التحرير وميادين مصر, وكذلك يترقبون الانتخابات البرلمانية المقبلة علي أمل أن تجري بشكل طبيعي وسلمي بعيدا عن أي تجاوزات لتكون بداية الطريق نحو برلمان قوي يراقب السلطة التنفيذية بمصر ويشكل من الأغلبية دون أي اتهامات بالتزوير.
وخلافه, فالانتهاء من الانتخابات البرلمانية هو أولي خطوات الاستقرار خاصة علي الصعيد السياسي الذي تعرض طيلة الفترات الماضية لأحداث متلاحقة كانت مؤشرات البورصة أبرز ضحاياها.
ناصف نظمي الخبير المالي المعروف والرئيس الأسبق لبورصة الأوراق المالية قال إن حجم الخسائر المالية الفادحة التي تعرضت لها البورصة المصرية منذ أحداث يناير وحتي سبتمبر الماضي بلغت 169 مليار جنيه ليتراجع رأس المال السوقي بنسبة 34.63%, كما تراجعت مؤشراتها الثلاثة ليهبط Egx30 الذي يقيس أداء أنشط 30 شركة بنسبة 42% منذ بداية العام مغلقا بنهاية الربع الثالث عند مستوي 40137 نقطة, فاقدا 3005 نقطة, كما تراجع موشر Egx70 للأسهم الصغيرة والمتوسطة خلال الفترة نفسها بنسبة 36.56% مغلقا عند مستوي 458 نقطة فاقدا 264 نقطة, وتراجع مؤشر Egx100 الأوسع نطاقا الذي يضم الشركات المكونة لمؤشري Egx30 وEgx70 بنسبة 39.27% مغلقا عند 708 نقاط فاقدا 458 نقطة.
ويري نظمي أن عودة الهدوء والاستقرار النسبي للسوق المصرية مرهونة بالتطورات الحادثة بالشارع السياسي والتي تبدأ بالانتخابات البرلمانية, بما يسهم في دعم ثقة المستثمرين علي التعامل, ومن ثم فإن فترة الترقب الحالية مستمرة حتي نهاية العام الجاري لحين الانتهاء من الانتخابات وبداية عودة بوادر الاستقرار للبلاد بشكل تدريجي, وبناء علي ما سبق – يقول نطمي – فإن حجم تدفقات الاستثمارات الأجنبية سواء العربية أو غير العربية الوافدة لمصر سيتحدد وفقا لشكل الانتخابات ونتائجها, وخروجها دون عنف أو أي أحداث شغب تفقد السوق المصرية الثقة التي كونتها علي مدار السنوات الماضية, مؤكدا علي أن الاقتصاد المصري قادر بشكل عام برغم ما مني به من خسائر علي تخطي هذه المرحلة بسرعة عقب الانتهاء من الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ويري محسن عادل العضو المنتدب لشركة بايونيرز لإدارة صناديق الاستثمار أن التراجع في مؤشرات البورصة خلال الأيام الماضية أمر طبيعي في ظل أحداث بدأت تتصاعد وتيرتها بشكل سريع وأخذت طابعا صداميا أثمر عن قتلي ومصابين. وأضاف أن الحياة الاقتصادية تأثرت بالسلب بدرجة كبيرة جدا منذ جمعة المطلب الوحيد التي نظمتها التيارات الإسلامية وما أعقبها من أحداث دموية في ميدان التحرير, فكان طبيعيا أن تتهاوي كثير من الأسهم مثل أسهم بايونيرز القابضة التي هبطت 6.2%, وعامر جروب التي هبطت 4.3%, والمنتجات 4.2%, وبالم هيلز 4%, والقلعة 3.9%, وأوراسكوم للإنشاء 3.3%, والتجاري الدولي 3.1%, وهيرميس 2.5%, وأوراسكوم تليكوم 1.6%.
ويتوقع عادل عودة الهدوء والاستقرر للسوق خلال الفترة المقبلة خاصة بعد انتهاء ماراثون الانتخابات البرلمانية بشقيها الشعب والشوري ثم انتخاب رئيس جديد للبلاد, فحينئذ ستعرف البورصة طريق الاستقرار وتتحول تلقائيا لسوق جاذبة لرؤوس الأموال العربية والأجنبية في ظل ما تتمتع به السوق أساسا من ديناميكية ومهارات بشرية للكوادر العاملة مما دفع خبراء المال الدوليين للإشادة بالبورصة المصرية باعتبارها أهم البورصات الصاعدة إقليميا وعالميا.