التطوع رغم أهميته لكن مازال هناك جدل يثار حول جدوي المشاركة فيه, فهناك من يري هذا المجال مضيعة للوقت والجهد وعلي الجانب الآخر هناك من يري أن ذلك المجال يقدم نوعا من التكافل الاجتماعي والشعور بالغير والتواصل مع الآخر, ويضفي راحة علي النفس ويساعد شرائح كثيرة لديها طاقات لا تدري كيفية استغلالها فهو من أهم الوسائل المستخدمة للمشاركة في النهوض بمكانة المجتمعات في عصرنا الحالي. وأصبح التطوع من أهم أشكال الدعم التي يقدمها المجتمع المدني والأهلي للحكومات للمساعدة في نهضة المجتمع وتقدمه خاصة أن العمل التطوعي يكتب أهمية متزايدة يوما بعد يوم.
تقول ماريان سعيد متطوعة في إذاعة راديو المحروسة: إن التطوع بالنسبة لها يعني الاستفادة من وقت الفراغ الموجود عند كثير من الشباب, وأنها استفادت بالكثير من الخبرات في الإعلام بهذه التجربة. مشيرة إلي أن المقابل المادي آخر حاجة ممكن أن يسأل عليها الشاب عند التطوع.
وتوضح نانسي إميل أكمل أن التطوع يفيد المجتمع والناس ويقدم لهم خدمات مثل محو الأمية أو مساعدة المسنين أو الأطفال اليتامي بالإضافة للإفادة التي تعود علي الشاب المتطوع أيضا, فهو يستغل فراغه خاصة مع انتشار البطالة يعني بدل من الجلوس علي القهوة ولا الفيس بوك يعمل حاجة يفيد الناس إللي حواليه ولابد من وجود طريق وسائل الإعلام وتدعيم الدولة لهذا المفهوم فالعطاء دون مقابل هو أسمي شيء في الدنيا.
ويري خضر أحمد أن التطوع يعكس حب الإنسان لمجتمعه ومدينته ووطنه, وكلما كان المجهود كبيرا كلما كانت نتائجه مفيدة لأفراد المجتمع ويحتاج التطوع إلي جهات تدعو إليه وتظهر نتائجه ليتشجع الناس علي المشاركة في خدمة المجتمع ورغم الفوضي التي تجدها عند كثير من الشباب سواء في المنزل أو المدرسة أو الشارع أو عند قيادة السيارة ولكن يوجد من يتمني التطوع لخدمة أهله ووطنه من باب حب الخير للناس والأمل بالثواب من الله أو من باب رد الجميل إلي الوطن الذي أعطاه الأمن والأمان والتعليم وتقلد المناصب المرموقة. ودعا خضر الجهات الحكومية أن تضع خطة سنوية لهذا الشأن وتدعمها وسائل الإعلام وتؤكد مدي جدواها للوطن.
قوة محركة
وعن نظرة المجتمع للتطوع تقول حنان محمد فارع كاتبة صحفية: إن العمل الاجتماعي التطوعي من الأعمال التي تحقق الفائدة الملموسة علي الفرد المتطوع والمجتمع عامة ويستثمر الطاقات والجهود في سبيل خدمة الوطن وإحداث تنمية ونهضة اجتماعية شاملة. والعمل الاجتماعي التطوعي هو عمل نبيل ذو قيمة معنوية لغايات إنسانية بحتة, حيث يتبرع المواطن بالجهد والوقت طواعية دون إجبار للقيام بعدد من الأعمال ولا ينتظر عليها كسب مادي ويعتمد التطوع علي قناعة الأفراد في المشاركة بالعمل وينطلق من إيمانهم به والإحساس بالمسئولية تجاه المجتمع, فالتطوع يقدم دليلا علي تماسك أفراد المجتمع ومؤسساته التطوعية في التصدي للمشكلات والأمراض الاجتماعية.
وكلما تقدمت الأمم واتسعت ثقافتها ودرجة وعيها شهد العمل التطوعي اتساع رقعته وخرج عن المشاركة الشكلية إلي العمل الجاد, فهو قوة محركة للمجتمع وتظهر آثاره الإيجابية علي النفع العام, ففي الدول المتقدمة حقق العمل الاجتماعي التطوعي إنجازات مهمة, حيث بلغ عدد المتطوعين في بريطانيا 20.3 ملايين متطوع عام 2003 وفي أمريكا قدرت القيمة الكلية للأعمال التي تم التطوع لها خلال نفس العام 266 مليار دولار, بينما في مجتمعنا لايزال هذا القطاع يعاني حالة من الركود وعدم الفاعلية مع وجود مشاركات خجولة لا ترتقي لحاجة المجتمع, فهناك قلة في عدد الأفراد المنخرطين بالتطوع في المؤسسات والمراكز والجمعيات, وسبب ذلك يعود لعدم وجود ثقافة مجتمعية تنشط وتدعم التطوع وتطوره بما يتجاوب مع متغيرات الواقع إضافة إلي تعرض المتطوعين لعدم التقدير والسخرية جراء عملهم دون قيمة مادية.
علما بأن التطوع يشكل ركيزة أساسية في المجتمع, ويشغل شريحة واسعة من الشباب العاطلين عن العمل ويقيهم شر الوقوع في سلوكيات منحرفة نتيجة الفراغ وغياب الهدف من الحياة, بالمقابل يعزز روح الانتماء والمشاركة الاجتماعية ويعطيهم الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم في القضايا المهمة ويساعدهم علي اتخاذ القرارات بعيدا عن الاتكالية والكسل, وتأصيل القيم الحميدة وتتعلم مهارات حياتية جديدة, إن التطوع من شأنه تغيير نظرة الإنسان للحياة ويزيد من نسبة تواصل الفرد مع الآخرين ويعزز الثقة بالنفس ويدفع المتطوع نحو إعمال العقل في الأقوال والتصرفات.
وتضيف حنان فارع: تتعدد ميادين العمل الاجتماعي التطوعي, منها ما يتجلي في قضايا المرأة والطفل والأسرة, والبيئة, ومحو الأمية, والرعاية الصحية, وحقوق الإنسان, ومحاربة العادات والتقاليد السيئة, والفساد الأخلاقي, والقيام بحملات توعية في مجال الدفاع المدني وغيرها من الأعمال الاجتماعية, حيث تكون حصيلتها في النهاية أن يكسب المتطوع حب الناس تقديرا لجهوده المبذولة في خدمتهم.
إن العزوف عن العمل التطوعي ناتج عن عدم وجود دعم له وإدراك لأهميته, فإذا أردنا لهذا القطاع أن يتطور في بلادنا فلابد من تركيز المناهج الدراسية علي مفاهيم التطوع وتعميق نظرة الطلاب للعمل بروح الفريق والشعور بالمسئولية وربط الجانب النظري بالتطبيق العملي, أما وسائل الإعلام يقع عليها مسئولية تغيير نظرة المجتمع وبيان مدي الحاجة للتطوع.
الدكتور راشد بن سعد الباز – أستاذ علم الاجتماع يقول: إذا أردنا أن تكون ثقافة التطوع ثقافة عامة لدي المجتمع علينا الاهتمام بالتوعية الإعلامية واستخدام وسائل الإعلام المختلفة في تبصير أفراد المجتمع بدور العمل التطوعي وأهميته في تنمية المجتمع, وإنشاء هيئة يناط بها العمل التطوعي وشئونه ورسم سياساته, والعمل مع المؤسسات ذات العلاقة لفتح الطريق أمامه, وتسهيل الإجراءات للراغبين في المشاركة وتشجيعهم ومنحهم حوافز معنوية تقديرا لما يقومون به, وتفعيل المشاركة بين الشباب من خلال القطاع التعليمي بتضمين العمل التطوعي في المناهج الدراسية ومشاركة الطلاب في أعمال تطوعية لخدمة المجتمع, مع رفع مكانته من قبل أجهزة الدولة وتقدير العاملين والمشاركين فيه, وإقامة الندوات والمؤتمرات التي تتناول موضوعه وقضاياه لزيادة الوعي والاهتمام به في المجتمع.
بذور الأمل
قال الدكتور بهجت سمعان إخصائي الأمراض النفسية الإكلينيكية إن التطوع من الاسم معناه الشخص الذي يأخذ المبادرة فلا أحد يدفعه للقيام بذلك, وهناك حافز ودافع داخلي غالبا مبني علي تركيبته الشخصية, مشيرا إلي أن التطوع الإيجابي يعني الإيثار وتفضل الغير علي النفس لكي تتحرك بالعمل ناحية الآخر.
والتطوع يحتاج إلي بذل الجهد والمال والوقت مؤكدا أن عدم الانضباط في الخدمة والتكاسل أيضا يجعل التطوع يأخذ شكلا اجتماعيا مظهريا أكثر مما هو إنجاز حقيقي, وإضافة إلي أن هناك أشكالا مختلفة للتطوع منها خدمة أشخاص وخدمة البيئة وإنشاء بعض المشاريع لمساعدة الناس.
ومن أجل وضوح الصورة قررنا سؤال المسئولين بالمنظمات المختلفة التوجهات عن الصعوبات التي يواجهونها في مجال التطوع فأجاب مايكل سعد رئيس منظمة OBLSD لدعم الليبرالية والتنمية الاجتماعية أن التطوع كمفهوم لا تستوعبه غالبية فئات المجتمع وربما يرجع هذا للنشأة أو للتعليم المدرسي والجامعي فيما بعد والذي لا ينمي ثقافة الحقوق والواجبات لدي الطفل وقبل نضوجه مما يخلق مجتمعا سلبيا في القيام بواجباته وعدوانيا في طلب حقوقه, وهو ما أصبح عليه حال المجتمع العربي بأكمله.
وعن مدي إقبال الشباب أو عزوفه عن العمل التطوعي أضاف أن شريحة الشباب في مصر كبيرة ولكن الفراغ حولهم والثقافة الجديدة المتمثلة في الأغاني والموضة تحول دون المشاركة في الأنشطة, وكذلك البحث عن لقمة العيش بالنسبة للعاملين من الشباب يبعدهم عن التطوع خاصة مع احتدام الأزمة الاقتصادية علي مستوي العالم أجمع ولكن أثبتت مشاريع توعية الشباب والفتيات التي تقوم بها المؤسسة أن هؤلاء لا يحتاجون فقط للتوعية وإنما لفرصة حقيقية ينزلون بها عمليا إلي الشارع – وهذا ما حدث – وجاءت النتائج أفضل من التوقعات.
معني التطوع
وعن الآثار الإيجابية للتطوع سألنا د. ماري بشري رئيسة جمعية الناس الطيبة لخدمة الأسر المفككة, فقالت: الشباب غير مستوعب لمعني التطوع فقد تعرفت علي بعض الحالات التي نقدم لها المساعدة بلا مقابل وعلي أتم وجه ولكن عندما نقدم لهم دورات تدريبية بالتزامن مع الخدمات التي يحصلون عليها بلا مقابل ليفيدوا غيرهم, عادة نجدهم يتكاسلون في ذلك ويطلبون مقابلا رغم أنهم حصلوا علي نفس الخدمة من متطوعين دون مقابل, كما أن المتطوعين القلائل قد يصيبهم الإحباط فعلا من تجاهل المسئولين لهم إضافة لبيروقراطية النظام المصري وهو ما يجعل الشباب عازفا عن التقدم للتطوع أو غير مدرك للهدف مما يفعله وهو ما يؤدي بدوره لعدم استمرارية المشاركة ولكن المتطوع الحقيقي لابد أن يحدد هدفا يؤمن به ويسعي لتحقيقه.
وأخيرا أري أن ثقافة التطوع هي بذرة يزرعها الآباء منذ الصغر فينمو الطفل عليها ويحصدها المجتمع خدمة وإيجابية ومشاركة أما تسلط الآباء وجهلهم بقيمة التطوع قد تكون أهم الأسباب الأخري لعدم إقبال الشباب علي العمل التطوعي.
ومن أجل عمل تطوعي أفضل نظمت ورشة عمل بعنوان مهارات التحفيز علي العمل التطوعي ضمت برنامج الأمم المتحدة الإنمائي, حاضر فيها د. توفيق عسيران وحددت المجموعة المشاركة ببعض سلبيات العمل التطوعي منها:
أن بعض الجمعيات تكون أنشطتها التطوعية موسمية ولا توجد بها استمرارية وينعدم التوازن في بعض الأنشطة التطوعية بين الأهداف والخدمات والوسائل المادية والبشرية, كما تتمركز العديد من الجمعيات في المدن الكبري ويتواجد القليل منها في المدن الصغري وبطريقة غير متواصلة, وتفتقد بعض الجمعيات للمصداقية وعدم الثقة وذلك يرجع لمسيريها والمسئولين عنها, ويتزامن مع ذلك فكرة غاية في السوء علي من يعمل بالعمل التطوعي تفتقر للثقة وعدم وجود أمل في شيء جديد, وأخيرا توجد بعض العقبات القانونية خاصة بالتشريعات التي تنظم الحريات العامة مما يفرض وصاية علي الجمعيات من الجهة الإدارية مما يسبب بعض التدخلات البيروقراطية المعرقلة لإنجاز بعض المشاريع.
رصدت الورشة أيضا بعض إيجابيات العمل التطوعي من أبرزها ارتفاع نسبة مشاركة الإناث في التطوع وتفهم بعض الأسر لهذه الثقافة وترك المجال لأبنائهم لخوض التجربة وانتشار تيار ثقافي للتعريف بالعمل التطوعي وأهميته وتوجيه رسالة للشباب للانخراط فيه من خلال بعض المؤسسات والمنظمات بالمجتمع المدني مما خلق نوعا من الإقبال علي التطوع, لما ينتج عنه من إحساس بالذات نظرا لأنه عمل اختياري بلا مقابل قراره نابع من النفس.
وخرجت الورشة أيضا ببيان للعلاقة بين المتطوع والجهة التي يتطوع فيها موضحة ما يحتاجه كل طرف من الآخر, فالمتطوع يريد الشعور بالاحترام والثقة من قبل المؤسسة أو الجمعية أو مجموعة العمل, وأن يتم التعامل معه بشفافية وديموقراطية والمساعدة علي إبراز مواهبه وصقلها, وإدماجه في إطار العمل واستغلال طاقاته وإمكاناته استغلالا مفيدا ومؤثرا ووجود جو من الجدية في تعامل الجهة التي يتطوع بها معه.
كما أن جهة التطوع تريد من المتطوع الالتزام بالتعهدات أي تحديد المتطوع نمط مشاركته والتقيد بها وعدم توريط المؤسسة أو الجمعية في مواقف شخصية وعدم محاولة استغلال التطوع لأهداف أخري واستيعاب المتطوع لأهداف المؤسسة وتطلعاتها والاندماج الفعلي في جهة التطوع بمعني عدم اتخاذ المتطوع نظرة فوقية أو موقف دوني من باقي أقرانه ويجب علي المتطوع أن يتحلي بالجدية والمصداقية فيما يقوم به.