في يوم الخميس الثامن عشر من أغسطس خرج الرئيس أوباما بتصريح طالما طال انتظاره يدعو فيه إلي تغيير النظام في سوريا مصرحا أن ##الوقت قد حان لتنحي الرئيس بشار الأسد.## لكن هل ستسفر هذه الدعوة عن أي شيء من الناحية العملية؟ إن اللفتات التي ألمح إليها أوباما ومنها إنهاء استيراد الولايات المتحدة لمنتجات النفط السورية – التي تصل إلي حوالي 6000 برميل يوميا – ليست أكثر من مجرد تغييرات رمزية في السياسة. وعلي الجانب الآخر, علي الرغم من إزالة استخدام القوة العسكرية بصراحة من الخيارات إلا أنه من الواضح أن الحكومة الأمريكية, ناهيك عن الشعب الأمريكي, ليست لديها رغبة في الانخراط في حرب أخري في الشرق الأوسط.
ولحسن الحظ هناك وفرة في السياسات التي يمكن للولايات المتحدة انتهاجها – باستثناء إلقاء القنابل علي دمشق – للتعجيل بسقوط الأسد. بل الأفضل من ذلك أنه ليست هناك حاجة للانتظار قبل تنفيذها.
تقوم دمشق حاليا بتمويل قمعها الوحشي عن طريق تصدير الأغلبية الضخمة من براميلها النفطية البالغ عددها مائة وخمسين ألف برميل في اليوم إلي أوربا, والتي تجلب للأسد ما يقدر بسبعة إلي ثمانية ملايين دولار في اليوم الواحد. ولو انضم الاتحاد الأوربي إلي الولايات المتحدة بفرض عقوبات في مجال الطاقة – والذي يبدو أنه الاتجاه الذي يسير نحوه مسئولو الاتحاد الأوروبي – فمن شأن ذلك أن يثبت بأنه يشكل ضربة كبيرة للحكومة السورية.
ومع ذلك, فحتي هذه العقوبات المشتركة ستثبت علي الأرجح أنها غير كافية إذا ما اتخذت وحدها. فبدون عائدات النظام من صادرات النفط – التي تمثل 30 بالمائة من عوائد الدولة – فإنه سيضطر إلي الاستهلاك الأسرع للسبعة عشر مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية التي بدأ بها مع بداية الثورة. لكن وفقا لبعض التقديرات يمكن أن تستغرق هذه العملية عاما علي الأقل. وحيث لا تبدي الفظائع المرتكبة أية علامة علي التناقص فإن هذا النوع من الإطار الزمني هو بكل بساطة وقتا طويلا. لكن مع هذا, إن الأسوأ من ذلك هو أنه ليست هناك ضمانة بأن تكون هذه الإجراءات – حتي لو تبقي سارية المفعول لسنوات – ناجحة في إفلاس وطرد النظام. فعلي سبيل المثال, تعرض عراق صدام حسين للعقوبات من قبل الأمم المتحدة بعد قيام بلاده بغزو الكويت في عام .1990 لكن تلك العقوبات – وما تلاها من برنامج الأمم المتحدة ##النفط مقابل الغذاء##- ظلت مستمرة حتي قيام القوات الأمريكية بإطاحة النظام في عام .2003
وبعبارة أخري, ربما تكون العقوبات في مجال الطاقة أفضل سهم في جعبة السياسة الأمريكية, لكن يمكن القول, بخلط الاستعارات, إنها ليست حلا سحريا. وللمساعدة علي التعجيل بنهاية الأسد ينبغي علي واشنطن اتخاذ إجراءات إضافية بالتزامن مع أوربا لزيادة الضغط علي النظام السوري. وبادئ ذي بدء, يجب أن يكون الاتحاد الأوربي مسئولا عن توسيع نظام عقوباته ليشمل مؤسسات أخري بالإضافة إلي مجالات الاقتصاد. وسيكون لزاما علي إدارة أوباما أن تزيد الجهد علي هذا الصعيد بإقناعها الاتحاد الأوربي أيضا علي تبني حظر علي الاستثمار في سوريا, وخاصة في قطاع الطاقة, حيث تهيمن الشركات الأوربية علي سوقه.
وبالإضافة إلي ذلك, عندما يتعلق الأمر بمساعدة المعارضة السورية ينبغي علي إدارة أوباما زيادة ومواصلة اتصالاتها مع الزعماء الرئيسيين في الحركة, سواء في الداخل أو الخارج. وإذا طلب منها, يجب علي واشنطن أن تساعد المعارضة علي تنظيم صفوفها بصورة أفضل, فضلا عن تطوير رؤية مفصلة بصورة علنية حول مستقبل تكون فيه سورية متسامحة وتعددية وديموقراطية. إن الدعم الأمريكي للمعارضة ربما يشمل أيضا تقديم تمويل متواضع لهواتف ##الثريا## الفضائية, التي يمكن أن تساعد خصوم النظام – علي الأرض في سوريا – علي التواصل بشكل أفضل مع بعضهم البعض ومع العالم الخارجي. ومن أجل إظهار التزام الولايات المتحدة, في الوقت نفسه, تجاه مستقبل سوريا ينبغي أن يفكر الرئيس أوباما شخصيا في عقد اجتماع في مكتبه البيضاوي (وفرصة لالتقاط الصور) مع رموز مرموقين من المعارضة السورية.
وفي غضون ذلك, يتعين علي الإدارة الأمريكية وضع سياسة معلنة في تعاملها مع النظام السوري, تقوم علي استهداف الجيش السوري لتشجيع حدوث المزيد من الانشقاقات في صفوفه. يجب أن تكون رسالة أوباما ,واضحة] وهي أن ضباط الجيش السوري سيتعرضون للمساءلة عن جرائم الحرب التي ارتكبت ضد الشعب السوري.
وفي إطار الأمم المتحدة ينبغي علي الإدارة الأمريكية أن تتحرك قدما نحو العمل ضمن طائفة واسعة من المبادرات منها الضغط علي مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات علي سورية بسبب انتهاك النظام المتواصل لالتزاماته نحو ##الوكالة الدولية للطاقة الذرية##. وبينما قد ترفض الصين وروسيا معاقبة نظام الأسد عن انتهاكاته لحقوق الإنسان (أعلنت روسيا هذا الأسبوع أنها سوف تستمر في بيع الأسلحة لسوريا), إلا أنهما قد يكونا أكثر ميلا إلي الامتناع عن – بدلا من استخدام حق النقض في – التصويت علي قرار يعاقب دمشق بسبب جهودها في تطوير أسلحة نووية.
ومع ذلك, فإن أفضل مصدر نفوذ محتمل للإدارة الأمريكية ضد نظام الأسد يكمن في الشرق الأوسط. فدول الخليج – وقطر علي وجه الخصوص – كانت في السنوات الأخيرة مصدرا مهما للاستثمار الخارجي المباشر في سوريا. يجب علي واشنطن أن تعمل مع حلفائها الخليجيين لضمان غلق هذا الصنبور. (منذ أبريل كانت قطر تبرز – بشكل واعد – المعارضة السورية ومسئوليها علي الهواء من علي قناة الجزيرة).
إن الأهم في هذا الصدد هو التأثير علي جيران سوريا المباشرين حيث لهم جميعا علاقات معقدة مع نظام الأسد. والعنصر الرئيسي هنا هو تركيا التي هي أقوي جار لسوريا في الشمال. فللحكومة الإسلاموية في أنقرة برئاسة رجب طيب أردوغان اتصالات مستمرة مع الأسد, حيث قام وزير الخارجية التركي بزيارة دمشق في بداية الأسبوع الثالث من أغسطس. وعند الحكم من خلال الإنذار النهائي الذي وجهته تركيا – بإعطاء الأسد فترة أسبوعين لكي ينهي العمليات العسكرية – يبدو أن صبر أنقرة قد أوشك علي النفاد. إن الأمر الذي يمثل إشكالية وإحراجا بشكل خاص للحكومة التركية هو أن نظام الأسد العلوي الذي يعتبره كثير من المسلمين بأنه هرطقة, يقوم بذبح المسلمين السنة أثناء شهر رمضان المبارك. ولو انضمت تركيا إلي الائتلاف المتنامي للدول التي أخرجت نظام الأسد من حساباتها – وفرضت عليه أيضا عقوبات – فإنها سوف تقوض الدعم الذي يحوزه النظام بين نخبة رجال الأعمال السنة في البلاد, الذين يمثلون ركنا حاسما لاستقرار النظام.
ومن المؤسف أن العلاقات بين واشنطن وتركيا ليست كما كانت عليه من قبل. وعلي الرغم من أن تركيا شريكة في منظمة حلف شمال الأطلسي إلا أنها صديق آخذ في التباعد من الولايات المتحدة علي نحو متزايد, ولم تكن واشنطن قادرة أن تمارس عليه قدرا كبيرا من النفوذ في السنوات الأخيرة. لكن هذا لا يعني أنه لا ينبغي علي أوباما أن يبذل كل جهد من أجل جلب أنقرة للتوافق مع الإجماع الدولي المتزايد ضد نظام الأسد. إن دعم تركيا لتغيير النظام السوري الذي يحصل من قبل السوريين أنفسهم, من شأنه أن يكمل ويعظم الخطوات التي تقوم بها الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي.
من الصحيح أن الولايات المتحدة وشركاءها الدوليين سيكونون فقط قادرين تدريجيا علي زيادة ضغطهم علي نظام الأسد. لكن بالنسبة للشعب السوري يكون التغيير التدريجي أفضل بكثير من عدم وجود تغيير علي الإطلاق.
نيو ريببليك