افحص.. فكر.. ثم قرر كان هذا شعار الحملة الصحفية التي قدمتها صحفة المرأة والأسرة والطفل في عام 2004 في خمسة أعداد متتالية, وكان لهذه الدعوة إرهاصات في الخمسينيات بقلم ليلي الحناوي التي كتبت مقالا عن مكاتب فحص راغبي الزواج التي بدأت في خمسينيات القرن الماضي وكانت تابعة لوزارة الصحة ومتمركزة في القاهرة.. ولكن للأسف الشديد لأن عدد المترددين علي هذه المكاتب كان قليلا للغاية في ذلك الوقت, ربما لأن الفكرة كانت جديدة علي الأذهان, أو أن البعض يرفضها تماما.. ومع الأيام والسنوات أغلقت هذه المكاتب أبوابها لندرة المترددين عليها.. ولم يعد أحد يذكرها أو يتحدث عنها.
أشارت ليلي الحناوي في العدد الأول من الحملة الصحفية للفحص الطبي مرة أخري إلي تجربة الخسمينيات, ففي عمود ليالي كتبت بعنوان الفحص قبل الزواج فكرة حضارية وأوضحت أن الفكرة بدأت تظهر أهميتها من جديد بسبب ظهور مشكلات عديدة في زيجات كثيرة أدت أحيانا إلي انهيار الحياة الزوجية, لذلك بدأ الإحساس بالحاجة إلي حماية الحياة الزوجية وتأمينها من الكذب والرياء وحماية الزوجة من الوقوع في براثن زوج لا يصلح للزواج, أو زوجة تخفي مرضا خطيرا عن الخطيب يظهر بعد الزواج, أو يؤدي إلي إنجاب أطفال غير أسوياء.
وتناولت الحلقة الأولي من الحملة أيضا عدة موضوعات مهمة, فاستهلت نادية برسوم حديثها تحت عنوان الفحص الطبي لراغبي الزواج.. ضرورة.. مسئولية.. واجب وأشارت إلي أن هناك أصواتا متناثرة وجهودا مبعثرة تدعو لضرورة الفحص الطبي لراغبي الزواج حتي ينشأ الزواج مؤسسا علي الصخر.. علي الوضوح والشفافية والمكاشفة.. لتتقلص الطوابير الواقفة أمام المحاكم طلبا للبطلان أو الطلاق, وتنخفض نسب إنجاب الأطفال المعاقين الذين وصل عددهم لملايين.
وتناولت الحلقة الأولي من الحملة كذلك آراء الشباب من الجنسين في سن الزواج, وأيضا الآباء والأمهات ومن خلال آرائهم اكتشفنا أنهم يخجلون من مجرد التفكير في الفحص قبل الزواج أو مناقشة أهميته, حتي إن معظم الذين أخذت آرائهم أصروا علي عدم ذكر أسماءهم وكأن الموضوع مشينا!! كما أنه في المقابل تمسك بعض الآباء والأمهات بمنطق القدرية فكل شيء قسمة ونصيب علي حد تعبيرهم.
أما الحلقة الثانية فتطرقت إلي معرفة آراء المتخصصين في علم النفس والاجتماع لتحليل اتجاهات ومخاوف الشباب والشابات والآباء والأمهات أيضا من إجراء الفحص الطبي قبل الزواج.
وأشار أساتذة علم الاجتماع إلي أن التنشئة الاجتماعية الخاطئة متهمة بإعاقة الفحص الطبي, بالإضافة إلي أسباب أخري تقف حائلا دون الفحص منها الموروثات الشعبية الخاطئة والتي تشجع علي زواج الأقارب.
بعد ذلك ناقشت الحلقة الثالثة من الحملة الصحفية نقاطا جوهرية بالنسبة للفحص الطبي قبل الزواج فأوضحت ما هو الفحص الطبي, وما الذي يتضمنه وأين يمكن إجراؤه, وكشفت هذه الحلقة أنه ليست هناك قائمة تحاليل ثابتة لكل خطيبين, بل هناك مستويات لهذه التحاليل تفرضها ظروف كل حالة. وأن فحص الجينات والكروموسومات الذي يعد الأكثر تكلفة لا يتم تحديد الحاجة إليه إلا بعد التعرف علي الحالة الصحية للعائلة والتاريخ المرضي بها.
كما أكد الأطباء المتخصصون في هذه الحلقة من الحملة علي أن هناك أمراضا لا تعيق الزواج أو الإنجاب, ولكن لها مضاعفات يمكن السيطرة عليها إذا تم اكتشافها قبل الزواج.
أما الحلقة الرابعة فأجابت علي تساؤلات الناس حول رأي الدين في إجراء الفحص قبل الزواج, حيث توصلت الحلقة من خلال أخذ آراء رجال الدين المسيحي والإسلامي إلي أنهم يؤيدون فحوصات راغبي الزواج بل ويلعون إليها أيضا. وليس ذلك فحسب بل إن هناك دول مجاورة مثل السعودية وتونس والمغرب تلزم راغبي الزواج بإجراء الفحوصات الطبية. وناشد هذه الحلقة أسقفية الشباب بأن تأخذ علي عاتقها أسقف الشباب حيث أشار إلي أنه يتم ذلك في كل اللقاءات والندوات والمؤتمرات مع الشباب.
ولأن هناك الكثير من الإيبارشيات والكنائس كان قد تم بها تطبيق الفحص الطبي قبل الزواج, وجعلته إلزاميا للخطيبين, فتناولت الحلقة الخامسة من الحملة هذه التجارب المضيئة, ومنها إيبارشية طنطا وتوابعها, وأوضح نيافة الأنبا بولا في هذا المجال أن الحد الأدني من الفحوصات يجنبهما 90% من المشكلات الزوجية.
وفي حوار آخر مع الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة حول تجربة الإيبارشية في الإلزام بالفحص الطبي قبل الزواج, قال الأنبا مرقس إن هذا النظام مطبق بالإيبارشية منذ 18 عاما, وأشار أيضا إلي أن النتائج السلبية للفحوصات ليس معناها منع الزواج فهذا ليس من سلطة الكنيسة ولكن يكون الرأي الأخير للخطيبين سواء بالقبول أو الرفض, وفي حالة القبول يقوم الطرف الموافق بتوقيع إقرار بالموافقة رغم معرفته بالحالة المرضية للطرف الآخر ويوقع علي هذا الإقرار ولي الأمر أيضا. ويستطرد نيافة الأنبا مرقس ويقول: أما عن الحالات التي من سلطتي أن أمنع الزواج فيها فهي حالة الإصابة بالإيدز والمرض النفسي أو العقلي المزمن والذي يورث للأطفال.
أما نيافة الأنبا دانيال أسقف المعادي فأشار إلي أن إيبارشيته قامت بتطبيق الفحص منذ 11 عاما, وأنه من الأفضل أن يتم قبل الخطبة وليس الزواج, لأنه بعد فترة الخطوبة يكون الخطيبان قد ارتباطا نفسيا وعاطفيا, ومن الصعب فك الارتباط إذا اكتشفا مشاكل صحية أثناء الفحص.
وبعد انتهاء الحملة الصحفية انهالت ردود الأفعال.. ورسائل القراء ومكالماتهم وتباينت آراؤهم واتجهاتهم ولكن في النهاية عكست واقعا أكد صواب توجه هذه الحملة الصحفية. ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل توالت ردود الأفعال والاقتناع بأهمية الفحص الطبي, ففي عام 2005 كتبت نادية برسوم في عمودها نبضات عن إيبارشية حلوان والمعصرة التي جعلت الفحص الطبي إلزاميا لإتمام الزواج.