يتصدر الأمن الغذائي وتضخم أسعار المواد الغذائية الأولويات السياسية في عدد من دول العالم فأندونيسيا-علي سبيل المثال- أطلقت حملة وطنية لتشجيع مواطنيها علي زراعة ما يستهلكونه من الفلفل الحار كذلك أغرقت الحكومة الكورية الجنوبية الأسواق باللحوم والأسماك وغيرها من المواد الغذائية لمكافحة التضخم المالي. والحكومة الهندية ناقشت ضمن أولوياتها إرتفاع أسعار البصل, وقد سبق أن ساهم إرتفاع الأسعار في إسقاط حكومتي هنديتين من قبل. وطبقا لتقرير حديث صادر عن صندوق النقد الدولي فأن طيف التضخم بات يخيف المستثمرين, فمداولات سوق الأسهم الهندية انخفضت منذ بدايات يناير الماضي 5%, وتدنت الأسهم الإندونيسية 7%, كما أعلن بنك أندونيسيا أنه يتخوف من أن يؤدي رفع أسعار الفائدة إلي تدفق الأموال الحارة التي ينقلها المستمرون من دولة لأخري للاستفادة من تغير أسعار الصرف الدولية ولذا كان طبيعيا أن يبقي بنك أندونيسيا علي معدلات الفائدة نفسها طوال 17 شهرا.
وفي الصين وطبقا لتقرير صندوق النقد الدولي فأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يؤجج التضخم المالي الذي ارتفع 5% في نوفمبر الماضي ولذا أعفت السلطات الصينية شاحنات الخضار من الرسوم الضريبية علي الطرقات السريعة.
إن السؤال الملح والذي يشغل بال العديد من خبراء المال والاقتصاد هو: هل ستبقي أسعار السلع الغذائية علي حالها من الارتفاع رغم جهود الحكومات لمكافحة هذا الارتفاع؟. الإجابة علي هذا السؤال الشائك جاءت علي لسان أحد كبار الخبراء في البنك الدولي حيث أفاد في دراسة صادرة حديثا عن البنك أن عددا كبيرا من المستثمرين يرجح أن ترتفع أسعار الغذاء علي وقع تحسن الأوضاع المعيشية في العالم النامي, وفي الهند والصين علي وجه التحديد, علما بأن عدد سكان البلدين يناهز المليارين والنصف مليار نسمة. وقبل نحو ثلاثة أسابيع أدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلي اضطرابات وأعمال شعب في عدد من الدول. وارتفاع الأسعار هو وجه من وجوه تعاظم حركة الطلب في أوساط شرائح سكانية كبيرة تعاني من نقص التغذية ففي الهند يفوق عدد الأطفال الذين يعانون نقص التغذية نصف مجمل عددهم. وإذا بدأ نحو 500 مليون هندي من الفقراء يتناولوا ما يكفي من الغذاء ارتفعت حركة الطلب علي الغذاء ارتفاعا لا يستهان به. فبين 1965م و 1998م وعلي رغم زيادة عدد السكان العالم من 3.3 مليار نسمة إلي 5.9 مليار نسمة انخفضت أسعار لمواد الغذائية وأغلب الظن أن موجة ارتفاع أسعار الغذاء الأخيرة -
كما يقول الخبير الإقتصادي د.حمدي عبد العظيم- مردها إلي صدمة الأسواق جراء الفيضانات في أستراليا والحرائق في روسيا وارتفاع أسعار المواد الغذائية كما يقول د. عبد العظيم لا تترتب عليه بالضرورة نتائج سلبية, فالارتفاع قد يساهم في نقل الثروات من المدن إلي الأرياف والمناطق الفقيرة, ويفترض أيضا أن يحفز ارتقاع الأسعار الاستثمار في القطاع الزراعي وبنيته التحتية, ولعل النزاع بين الصين واليابان حول بعض الجزر هو في حقيقته نزاع علي البروتين الحيوي.
تقرير حديث صادر عن البنك الدولي وضعة خبراء البنك المعينون بالتنمية الزراعية يؤكد أن أحد أبرز العوائق التي تقف حائلا أمام زيادة الإنتاج الغذائي هو ارتفاع أسعار السلع وهو ما كان وراء صدمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال عامي 2007 و 2008 فتحديث وسائل الزراعة يزيد من اعتماد القطاع الزراعي علي الطاقة والمواد الهيدروكربونية. وإذا ساهم النمو في كل من الصين والهند في أسعار النفط والطاقة, فلابد وأن نتوقع ارتفاعا في أسعار الغذاء !.