* * خبراء الاقتصاد:
* دعم الفلاح من أقوي الحوافز لزيادة الإنتاجية
* ضرورة تطبيق استراتيجية الدولة للوصول بالاكتفاء الذاتي إلي 75%
* الجمعيات التعاونية في القري جب أن تستعيد دورها المفقود
تشير معظم التقارير الاقتصادية إلي أن الحكومة الروسية برئاسة فلاديمير بوتين لن تتراجع قيد أنملة عن قرارها الفجائي يتوقف صادراتها من القمح لمختلف دول العالم وبالتالي تجميد كافة التعاقدات التي كانت وقعتها مع جهات رسمية خارجية. القرار الروسي والذي بدأ سريانه الأحد الماضي يستمر حتي نهاية العام الحالي, وهو ما يعني حدوث اضطرابات وقلاقل في كثير من دول العالم خاصة الدول النامية المستهلكة للقمح. حيث تعد روسيا ثالث أكبر دولة منتجة ومصدرة للقمح علي مستوي العالم, إذ يبلغ متوسط الإنتاج في المواسم العادية قرابة الـ90مليون طن من القمح, وقد تصل الإنتاجية إلي 100 مليون طن, إلا أن الحرائق التي شبت مؤخرا أثرت بالسلب علي المحاصيل الروسية خاصة القمح وتتوقع التقارير الصادرة من روسيا إلي توقعات بانخفاض كبير في إنتاجية روسيا هذا العام بمقدار 20 مليون طن وهو ما دفع الحكومة لإصدار قرارها بوقف التصدير حفاظا علي احتياطات السوق الداخلية من جهة, ومنعا من زيادة في أسعار الخبز والمواد الغذائية وهو ما حدث بالفعل إذا ارتفعت الأسعار هناك بنسبة تراوحت بين 10% و15%.
مصر كانت أكثر الدول تضررا من قرار روسيا بوقف صادرراتها من القمح, وسارع رئيس الوزراء د. أحمد نظيف بالتأكيد علي أنه لن تحدث زيادة في سعر رغيف الخبز المدعم وسيظل كما هو دون تحميل المواطن أي أعباء إضافية من جراء الأزمة. وطني تابعت ملف القمح وناقشت أطرافا عديدة حول الأزمة وكيفية إيجاد حلول عملية لمواجهتها.
أوضح د. عبدالسلام جمعة الخبير العالمي المتخصص في محصول القمح والمعروف باسم أبو القمح المصري أن مصر من كبريات دول العالم استيرادا للقمح, وأن نصف وارداتها من القمح يأتي من روسيا, ولذا فإن التوقف المفاجئ للقمح الروسي من شأنه أن يصيب الجميع في مصر, حكومة ومؤسسات ومواطنين بحالة من القلق والارتباك بالرغم من وجود احتياطي من القمح يكفي لمدة 4 أشهر مقبلة.
وقال د. جمعة إن الحكومة المصرية لن تجد أية مشقة في استيراد القمح من دول أخري منتجة غير روسيا لكن الإنتاج الروسي والذي تأثر سلبا بفعل الحرائق الرهيبة سيؤثر بدوره علي أسعار القمح عالميا في ظل وجود مخاوف من أن تستغل الدول المنتجة والمصدرة للقمح الموقف لترفع أسعار أقماحها بصورة كبيرة, مما سيرهق ميزانيات الدول المستوردة وعلي رأسها مصر.
وطالب د. جمعة الحكومة بالاستمرار في سياسة دعم صغار المزارعين بمنحهم أسعار مجزية لمحاصيلهم الاستراتيجية وبما يفوق الأسعار العالمية, وفي مقدمتها القمح والذرة والقطن.
دعا د. حمدي عبدالعظيم الخبير الاقتصادي المعروف إلي دعم جمهور وزارة الزراعة في التوسع الرأسي والأفقي في زراعة محصول القمح وتشجيع المزارعين للوصول بالمساحة المنزرعة إلي 4 ملايين فدان وفق الدورة الزراعية المطبقة, وتنفيذ الخطة الموضوعة والمتعلقة برفع إنتاجية الفدان إلي 24 أردبا بدلا من 17 أردبا حاليا.
وطالب د. حمدي عبدالعظيم الدولة بالسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح بنسبة لا تقل عن 75% في أقل من 7 سنوات تنفيذا وترجمة فعلية لاستراتيجية وزارة الزراعة الممتدة من 2010 وحتي .2017
أكد نعماني نصر نعماني نائب رئيس هيئة السلع التموينية أن مصر لا تواجه أزمة في مخزونها من القمح. إذ لديها بالفعل ما يكفي 4 أشهر, وأن الصفقة التي سبق التعاقد بشأنها مع روسيا كانت تبلغ 540 ألف طن, وكان سيتم تصديرها إلينا في فترة زمنية لا تقل عن 5 أشهر ولذلك فإن العروض الكثيرة التي إنهالت علي مصر إثر أزمة القمح الروسي اتسم أغلبها بالطمع واستغلال الأزمة, وأن الحكومة المصرية غير مجبرة علي قبول أي عرض لا يناسبها سواء من حيث السعر أو من حيث الجودة, ولذا قامت الهيئة بالتعاقد علي استيراد 120 ألف طن من القمح الفرنسي بسعر 280 دولارا للطن لا يشمل تكاليف النقل, علي أن يتم توريد هذه الكميات في الفترة من 10 إلي 25 سبتمبر المقبل.
د. محمود منصور أستاذ الاقتصاد الزراعي يلفت النظر إلي خطورة أزمة القمح في ضوء الزيادة السكانية الكبيرة, وقال إن القمح من حيث توافره أو ندرته هو المؤشر الحقيقي للاستقرار أو عدمه.
وأوضح بأن إجمالي الاستهلاك الأسري سنويا يبلغ 53 مليون طن, وأن الفاقد في الاستهلاك الآدمي يبلغ 315ألف طن بنسبة 3% من إجمالي الاستهلاك, ويقدر الفقد في مرحلة الحصاد والنقل 4.2ألف طن, والفقد في التقاوي 15 ألف طن, والفقد في التخزين 66 ألف طن, والفقد في المخابز 6.5ألف طن, وفي المطاحن 5.8 ألف طن, ويبلغ إجمالي الفقد في استهلاك القمح في مصر نحو 3 ملايين طن سنويا بنسبة 8.10% من إجمالي استهلاك القمح وهو ما يدعو كافة الجهات المعنية بضرورة التصدي لفقد القمح في جميع المراحل وتحسين وسائل استخدامه وتشديد الرقابة علي المخابز المختلفة.
ويري د. إمام الجمسي الخبير المعروف في اقتصادات الزراعة أن فرض روسيا حظرا علي صادراتها من القمح سيكلف الخزانة المصرية وحدها ما قيمته 4 مليارات جنيه, لكن الأمر ليس بهذا السوء الذي تصوره وسائل الإعلام وكأن مصر تقترب من مجاعة, واستطرد قائلا إن مصر ممثلة في حكومتها الحالية أمسكت مرة أخري بزمام الأمور وعرفت أهمية زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي وهو ما تنفذه وزارة الزراعة حاليا علي أكثر من اتجاه سواء فيما يتعلق زيادة أسعار توريد القمح من الفلاح أو عن طريق تحسين التقاوي وأساليب الزراعة الحديثة لمضاعفة إنتاجية الفدان وتقليل الفاقد في القمح استهلاكا وتخزينا, وقد اقتربت مساحة محصول القمح هذا العام من 7.2مليون فدان, وأن الإنتاج المتوقع يقدر 5.7 مليون طن بنسبة اكتفاء تصل إلي 60%.
وطالب د. الجمسي الحكومة بإعادة دور الجمعيات التعاونية تسويقا وشراء لأن الحكومة وحدها لا يمكنها مواجهة المضاربات, مشيرا إلي ضرورة الالتفات إلي أهمية القضاء علي الفساد الذي قد يصاحب عمليات تسليم القمح!!.
د. محمد يوسف رئيس جامعة بني سويف وأحد أبرز الخبراء الاقتصاديين يؤكد أن الدولة تولي المنظومة الغذائية, وأن الدولة زادت من الدعم المخصص لرغيف الخبز من 9 مليارات جنيه إلي 16 مليار جنيه ثم إلي 21 مليارا العام الحالي, في الوقت الذي تعتمد فيه البلاد علي استيراد 40% من غذائها و60% من احتياجاتها من القمح.
أشار د. يوسف إلي أن أزمة الغذاء عموما والقمح خصوصا لا تمثل حاليا حالة مصرية بل هي مشكلة مزمنة في كافة الدول العربية, حيث يستورد العرب 49% من غذائهم, وبالتالي زادت الفجوة الغذائية في العالم العربي لتبلغ 18 مليار دولار, وتشكل فاتورة الحبوب فقط 9 مليارات دولار, والقمح يمثل من هذه الفاتورة 4.5 مليارات دولار وهو ما يدفع الحكومات العربية لأن تعيد النظر بشئ من الجدية في سياساتها الزراعية, حتي تقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي خوفا من أن يتحول الغذاء إلي وسيلة للضغط من قبل الدول المنتجة والمصدرة.