تقع بولندا في وسط القارة الأوربية, وتمتد من سلسلة جبال الكربات جنوبا إلي بحر البلطيق شمالا في المنطقة البيئية ذات الحرارة المعتدلة صيفا والباردة شتاء. وتتنوع في بولندا المظاهر الطوبوغرافية, ففي الجنوب نجد سلسلة جبال الكربات التي تضم جبال التترا نحو الجنوب وجبال السوديت إلي الجنوب الغربي والبسكيد إلي الجنوب الشرقي علي طول امتداد الحدود السياسية بين كل من بولندا وجمهوريتي التشيك وسلوفاكيا. وتغطي الثلوج قمم هذه الجبال صيفا كما إنها تدوم علي سفوح تلك الجبال طوال شهور الشتاء, الأمر الذي يفسح المجال أمام هواة التزلج علي الثلج للاستمتاع بتلك الرياضة. وفي المنطقة السهلية يجري في بولندا نهران كبيران هما الفيستولات والأودرا براوفدهما المختلفة مكونين أودية عميقة وسهول بولندا الغرينية الصالحة للزراعة علي مياه الأمطار, والواقعة بين الجبال والبحر. وإلي الشمال الشرقي من بولندا توجد منطقة مازوري والتي تضم المئات من البحيرات العذبة, والتي تكونت في تلك المنخفضات نتيجة انحسار العصر الجليدي الأخير تاركا وراءه منخفضات مليئة بالمياه, والتي كونت سلسلة بحيرات المازوري والتي تتمتع بجمال طبيعي أخاذ. هذا بالإضافة إلي المنطقة الساحلية الممتدة علي طول شواطئ بحر البلطيق من حدود جمهورية روسيا وبيلورسيا في الشرق إلي حدود ألمانيا في الغرب.
السياحة الطبيعية
تمثل منطقة الجبال في جنوب بولندا مصدرا للجذب السياحي سواء كانت سياحة شتوية أو صيفية, ففي الشتاء يقصد هواة التزلج تلك المناطق التي يدوم فيها الثلج لفترات تصل إلي أربعة شهور في السنة. وأهم مراكز التزلج هي زاكوبانا الواقعة في أحضان جبال التترا إلي الجنوب من مدينة كراكوف والتي تتمتع ببنية تحتية متكاملة لخدمة هذه الرياضة متمثلة في سلسلة الفنادق وبيوت الشباب والمنتجعات, كما يوجود فيها خط للتلفريك (العربات المعلقة) يحمل السائحين بمعدات تزلقهم إلي قمة جبل كاسبروفي والذي يصل ارتفاعه إلي 1985م. وبالقرب من زاكوبوانا وبين سلسلة جبلية دائرية تقع بحيرة مورسكي أوكو وترجمتها عين البحر وهي بحيرة عميقة تحيط بها القمم الشاهقة فيبدو المنظر رائعا للغاية. وهي تعد محمية طبيعية يقصدها كل سائح يزور المنطقة. وإلي الشرق من زاكوبانا, وعلي امتداد تلك الجبال يقع منتجع كرينيتسا في جبال البيشادا وهي جزء من جبال التترا, وبالإضافة لكونها مركزا للتزلج فهي تتميز بوجود ينابيع المياه المعدنية الشهيرة التي تستعمل في الاستشفاء, ولهذا ليس غريبا انتشار المشافي الفندقية علي طول وادي كرينيتسا. أما علي مرتفعات جبال السوديت الأقل ارتفاعا, فلا تلقي حركة جذب كبيرة للسياح من أجل رياضة التزلج فقط, بل ومن أجل جمال مناظرها الطبيعية المتنوعة أيضا, وهي تجذب الكثير من السائحين الألمان لقرب بلادهم من هذه المنطقة. وتعد منطقة الجبال مقصدا للسياحة الصيفية حيث تمارس خلاله رياضة المشي وتسلق الجبال, كما توجد مراكز أخري ولكن أقل أهمية كبولانيتسا زدوري ولونديك زدوري ودوشينكي زدروي والتي تتمتع بمياهها المعدنية, ولذلك تكثر بها المشافي والمنتجعات الصحية.
وتنتشر البحيرات في منطقة المازوري بمساحات مختلفة وأكبرها بحيرة شناردفة. أما أهم مراكز السياحة الصيفية فيها فهي أولشتين ومرونجوفا, وهي من المدن المتوسطة وميكوايك, حيث تتواجد فيها وعلي شواطئ البحيرات القريبة العشرات من المنتجعات والفنادق السياحية علي كافة المستويات, وتمارس رياضة القوارب الشراعية والكاياك والدراجات البحرية علي شواطئها, كما أنها مراكز جذب لهواة صيد السمك. وترتبط أغلب هذه البحيرات مع بعضها البعض بقنوات وأهوسة بين البحيرات ذات مستويات ارتفاع مختلفة بين بعضها البعض, كما أنها أيضا مرتبطة بفروع نهر الفيستولا. ويأتي السياح الألمان خاصة إلي تلك المناطق نظرا لأنها كانت تمثل منطقة بروسيا الشرقية الألمانية سابقا.
السياحة الدينية
تكاد تقتصر السياحة الدينية في بولندا علي السياحة الداخلية فقط, ومن أهم هذه المراكز كنيسة ودير تشينستاخوفا الواقعان في مدينة تحمل ذات الاسم وعلي بعد 160كم جنوب وارسو وترجع أهمية تلك الكنيسة إلي القصة البولندية التي تعود إلي فترة غزو السويد لمملكة بولندا في سنة 1655, إذ تقول الأسطورة إن جنود الغزو اقتحموا مذبح الكنيسة, وقاموا بتدمير الآثار الدينية فيها, ومن ضمنها أيقونة مريم العذراء, حيث قام أحد الجنود بضرب وجهها بالسيف وإحداث خدوش بالوجه, الأمر الذي أدي علي الفور لسيلان الدماء من وجهها, ولا زالت الصورة تحمل آثار الخدوش حتي الآن, ويعتقد البولنديون بصحة حدوث هذه المعجزة وإيمانهم بأن مريم العذراء هي التي قوت من عزيمة البولنديين في طرد أولئك الغزاة. وفي شهر أغسطس من كل عام يتوجه البولنديون بالآلاف في طوابير حج احتفالية من كل أنحاء بولندا نحو كنيسة تشينستاخوفا مشيا علي الأقدام, كل من المكان الذي أتي منه.
وإذا كنا نتحدث عن السياحة الدينية, فمن الجدير هنا أن نذكر بعض الأماكن التي تهم المسلمين, فإلي الشرق من بولندا توجد بعض القري التي يقطنها المسلمون البولنديون من التتار, ومن أشهرها سوكوكا وكروشينياني نحو الشرق من مدينة بياويستوك, وبالقرب من حدود بيلورسيا والتي يوجد بها مسجدان صغيران ومقابر إسلامية تحمل الكثير من النقوش بالخط العربي بجوارهما, وعادة ما يذهب المسلمون والعرب في زيارات سياحية لتلك المناطق.
كما أن المعابد اليهودية المتناثرة في معظم المدن البولندية وخاصة في الجنوب تمثل مصدر جذب للسياحة اليهودية من جميع أنحاء العالم. أما يهود إسرائيل والذين يعودون إلي أصول بولندية فغالبا ما يأتون لزيارة منطقة الجيتو اليهودي في مدينة وارسو والمقبرة اليهودية في حي فولا والنصب التذكاري لضحايا النازي الواقع في شارع زامنيهوفا بالمدينة ومعسكرات الاعتقال الجماعي في ميدانك وأوشفيتز.
سياحة المدن:
وارسو:
هي عاصمة البلاد ومركزها التجاري وتقع في وسط البلاد تماما. وقد أعيد إعمار المدينة بعد الحرب العالمية الثانية بحيث تم تدمير 80% من مبانيها. ومن أهم المعالم السياحية فيها المدينة القديمة والتي كانت تعود بالأصل إلي القرن الثامن عشر والتي دمرت تماما وأعيد بناءها في الخمسينيات من القرن الماضي. وفي ساحتها تنتشر المقاهي والمطاعم وعلي جانبيها الشوارع والأزقة القديمة, كما يدور حولها سور المدينة القديمة وبوابتها المعروفة باسم باربكان ويعتقد أن التسمية عربية الأصل وتعود إلي باب الركن ووصلت إلي بولندا عن طريق اللغة التركية.
ويتوسط وارسو مبني كبير معروف باسم قصر الثقافة, وهو في الأصل قصر الصداقة السوفيتية البولندية بناه السوفيت بارتفاع 30 طابقا وقدموه هدية للشعب البولندي في الخمسينيات, ولكنه لا يمثل لدي البولنديين مصدرا للفخر, بل للذكري الأليمة للسيطرة السوفيتية علي البلاد, وهو يضم العديد من المسارح ودور السينما والمسابح والمقاهي والقاعات لمختلف الأغراض. وبالقرب من نهر الفيستولا يقع المتحف القومي البولندي يضم تاريخ بولندا, وبالإضافة إلي ذلك يحتوي علي قاعة للآثار الفرعونية وقاعة أخري للآثار الإسلامية ومتحف حربي. وبالقرب من المتحف تقع حديقةواجينكي الحمامات حيث تضم قصر ستانيسواف أوجست بونياتوفسكي آخر ملوك بولندا والمعروف باسم قصر فوق الماء, إذ تحيط به المياه من كافة أنحائه. وعلي بعد عشرات الأمتار يوجد تمثال للموسيقي البولندي فردريك شوبان, ويقع علي بعد 10 كيلومترات من وسط المدينة قصر فيلانوف الذي كان مقرا للملك سوبيسكي في القرن السابع عشر, وقد بني كنموذج مصغر لقصر فرساي الفرنسي وحوله حدائق علي نفس النمط, وبه متحف يعود لهذه الفترة من التاريخ البولندي.
مدينة كراكوف:
المدينة الدائرية ولؤلؤة بولندا السياحية والتي ظلت عاصمة للبلاد طوال ثلاثة قرون ومازالت تعد حتي الآن عاصمة الفنون والثقافة البولندية. ومازالت المدينة تحتفظ حتي الآن بمبانيها الأثرية العتيقة والتي يعود بعضها إلي القرن الثالث عشر وعهد الملك كاجيميج الكبير, ويختلط بها طراز الرينيزانس عصر النهضة مع الطراز القوطي, كما في قصر فافل وكنيسة ماريتسكا المبنية علي الطراز القوطي, كما أن كثيرا من مباني المدينة تعود إلي عصر الباروك والركوكو, وقد ساهم في بناء المدينة الفنانون الإيطاليون, ويشاهد هذا بوضوح في ساحة المدينة المتأثرة بشكل كبير ببناء المدن الإيطالية القديمة. ويحيط بالمدينة سورها القديم المستدير والذي حمي المدينة من الغزو المغولي في القرن الثالث عشر, ويتخلله عدة أبواب, وتقع جامعة ياجيلونسكي أول جامعة في بولندا وواحدة من أقدم الجامعات الأوربية في وسط المدينة القديمة, وهي تعود إلي القرن الرابع عشر وقد بنيت علي الطراز القوطي.
وتأتي مدينة جدانسك الساحلية علي بحر البلطيق ومدينة بوزنان عاصمة إقليم فيلكوبولسكا في الدرجة التالية من الأهمية السياحية. وتقريبا كل مدينة بولندية تحتوي علي مدينة قديمة تعود إلي العصور الوسطي وقد نمت حولها فيما بعد المدينة الحديثة علي مر القرون.