لا تمر أفلام السيناريست هاني فوزي والمخرج أسامة فوزي مرور الكرام. فهي ليست مجرد قصص تحكي أو حواديت للتسلية. بل هي أقرب إلي مشرط حاد في مشاهد سينمائية تحارب ذهنية التحريم. التي سيطرت بصورة مرعبة علي عقل وقلب المجتمع المصري.
ناقش فيلم بحب السيما في إطار عرضه التعصب والتزمت الديني تحريم فن التمثيل… أما فيلم بالألوان الطبيعية فيستكمل مونولوج الإنسان مع الله ويناقش ظاهرة تحريم الرسم والنحت. وهذا لا يعني أن فيلم بالألوان الطبيعية يتساوي فنيا -علي مستوي الإبداع والأداء- مع بحب السيما… فللأسف هناك حالة تراجع في أدوات المخرج أسامة فوزي ساعد علي ظهورها الأداء المتذبذب للوجوه الجديدة وهم أبطال الفيلم من الشباب كريم قاسم, يسرا اللوزي, فرح يوسف, رمزي لينر, إبراهيم صلاح وفريال.
الفيلم يناقش العديد من القضايا الشائكة من خلال شخصية يوسف الطالب الذي يحصل بالكاد علي مجموع يؤهله للدخول إلي كلية الفنون الجميلة ويجد معارضة شديدة من أمه ذات الشخصية حادة الطبع والمسيطرة. ويدخل في صراع نفسي رهيب حول تحريم الرسم. خاصة عندما يجد أحد أساتذة الكلية يؤكد علي أهمية رسم الموديل العاري كتشريح لجسد الإنسان. تماما كما يستخدم طالب الطب الجثة للتشريح والتعلم. وهنا يقع الفيلم في مشهد مأزق -لا يعبر عن الواقع الحالي- حيث صدر قرار في سبعينيات القرن الماضي يمنع استخدام الموديل في الكلية. ولعل هذا المشهد يعبر عن الماضي الجميل ويدخل في إطار المبالغة الكاريكاتورية التي اتسم بها النصف الأول من الفيلم وظهرت بوضوح في طريقة تقديم أساتذة الكلية بكونهم غير طبيعيين علي الإطلاق!!.
وانتقد الفيلم بمهارة حالة التردي في التعليم الجامعي من خلال إهمال الأساتذة للطلبة وعدم تقديم أية معلومات أو شرح لهم وعندما يعترض الطلبة علي ذلك يقول لهم عميد الكلية كيف نعلمكم الجمال في مجتمع قبيح! كما كشف عن الكثير من حالات الفساد كاستغلال أستاذ بالجامعة للطلبة من خلال نسخ لوحاته ويكتفي هو بالتوقيع عليها مقابل إعطائهم أجور زهيدة. بل ويعمل بعض الطلبة كـخدم للأساتذة وأسرهم لكي ينالوا التقديرات. ومن خلال شخصية المعيدة ليلي نجد جانب آخر من فساد التعيين بالكلية. حيث لا يخضع الأمر إلي الكفاءة بل إلي أمور أخري…
تتشابك خيوط العلاقات بالفيلم ويقيم يوسف علاقة مع زميلته التي سرعان ما ترتدي الحجاب ثم النقاب وتترك الدراسة في هذه الكلية الحرام بعد انتظامها في دروس داعية عصري.
وفي ظل دوامة التحريم هذه نجد أفكار المؤلف التنويرية تخرج علي لسان يوسف الذي يواجه كل هذا التطرف والفساد. فيقدم له المؤلف كل الإجابات التي لا تتناسب مع سنه أو ثقافته فنجده قادرا علي التأكيد أنه لا يوجد مكان علي الأرض ليس فيه فساد حتي لو عاش الإنسان منغلقا علي ذاته في غرفته… كما أنه يرسم لوحة لفتاة ساقطة ومن خلال رؤيتها لهذا الإبداع الفني تقرر التوبة! وعلي النقيض لشخصية يوسف نجد شخصية علي الذي يعتبر الفن مجرد تجارة للاسترزاق وكل شئ في حياته زائف إلي أن تيقظه كلمات صديقته ألمانية الجنسية والتي تقرر الاحتفاظ بجنين منه وبعد أن تلد تأخذ طفلها وتعود إلي ألمانيا مما يسبب له صدمة كبري.
الفيلم يعبر عن أمزجة بشر متخبطون في الحياة. يصارعون أفكار التطرف والتحرر وتبقي لديهم آمال أن يعيشوا الحياة بالألوان الطبيعية.
ويبقي أن أعلن رفضي لمشهد -لا أجده يثير الضحك أبدا- وهو المشهد الذي يقرر فيه الطلبة تقديم الفضلات الإنسانية كهدية لأساتذة الكلية. اعتراضا علي أسلوبهم في التعامل مع الطلبة. فجاء مشهدا فجا ومنفرا ويتعارض مع رسالة الجمال التي ينادي بها الفيلم!…
EM: [email protected]