مثلما نجحت ثورة 25 يناير وكشفت الستار عن قضايا الفساد والفاسدين والمنتفعين وغيرهم, مثلما توقفت الحياة – علي أمل العودة سريعا – وتراكمت المشاكل وعمت الفوضي وعدم الاستقرار في كل مكان, كما أن كل يوم يمر علي ثورة 25 يناير ينتج مكاسب, علي الجانب الآخر تعطلت أعمال كثير من الشباب والبعض منهم خسر عمله لاعتماده علي السياحة وغيره, فلكل حدث في الحياة وجهان وجه نجاح ووجه فشل, وجه مكسب ووجه خسارة, وأيضا لثورة 25 يناير وجه آخر غير الوجه المفرح, الذي قضي علي النظام ومفاسده, وأسوأها ما حدث بأطفيح في كنيسة الشهيدين, وكنا قد توقعنا أن الفتن قد ذهبت بلا رجعة, ولكن ما حدث في قرية صول, أفسد فرحتنا بالثورة, وبدأ الاعتصام المفتوح أمام ماسبيرو, مطالبين ببناء الكنيسة في مكانها, عودة الفارين إلي منازلهم, تعقب الجناة.
وبينما كان الملايين يحتفلون يرقصون في ميدان التحرير والشوارع المجاورة بـجمعة النصر كان رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء اللواء أبوبكر الجندي يعلن بعض خسائر الاقتصاد المصري في أسبوع واحد في بعض القطاعات, وبلغ إجمالي الخسائر المحققة في قطاع الصناعات التحويلية والاستخراجية بالمناطق الأكثر تأثرا القاهرة الكبري – مدن القناة – الإسكندرية – العاشر من رمضان 3736.6 ملايين جنيه, وبلغت الطاقة العاطلة في هذه المناطق حوالي 60% من إجمالي الطاقة الإنتاجية المتاحة خلال تلك الفترة, كما حققت صناعة المنتجات الغذائية أعلي نسبة خسائر سواء في الإنتاج بسعر البيع 20% أو في القيمة المضافة الصافية 18.2% من إجمالي الخسائر خلال الفترة نفسها.
خسرنا كتير
ثورة الشباب الغاضب سيطرت علي كل شيء حتي وصلت إلي مبتغاها, لكن هل هناك وجه آخر حزين من هذه الأحداث؟ هل من متضررين جراء ما حدث؟ في السطور المقبلة سوف نتعرف علي شباب لم يكونوا في ميدان التحرير وإن شاركوا الملايين فرحتهم بالثورة, ولكنهم وجدوا أنفسهم في مشاكل وكوارث حلت بهم وبأسرهم.
يقول وائل مجدي مدير مبيعات في شركة لتجهيز الفنادق في شرم الشيخ: تضررت كثيرا من ثورة 25 يناير, فكل السياح رحلوا إلي بلادهم وتوقف عمل الفنادق وبالتالي توقف عملنا نهائيا, لم أحصل علي راتبي حتي الآن والمعيشة في شرم الشيخ مكلفة جدا, بكيت عندما وجدت الشوارع هنا فارغة من السياح والفنادق مغلقة الأبواب, لا يوجد الآن في شرم الشيخ سوي العمال الذين ينتظرون بفارغ الصبر رجوع السياح إلي شرم الشيخ, وأنا أعمل هنا منذ 10 سنوات لم تمر علي أيام صعبة كهذه الأيام.
وتقول صحفية شابة رفضت الإعلان عن اسمها: إن الثورة جعلت الإعلانات تختفي من جريدتها مما أدي إلي تقليص عدد الصفحات وتغير الأبواب والمساحات المخصصة لها, كل هذا أنتج خلافات شديدة بين المحررين وبعضهم, وأعتقد أن الفترة المقبلة إذا لم يستقر الحال سريعا سوف يغلق الجورنال ونلتزم منازلنا لأنه لا نستطيع التوجه إلي العمل في جرائد أخري لنفس الأسباب, فكل الجرائد تمر بنفس الظروف فلن يقبلنا أحد.
ويقول نور محمد جواهرجي إنه لم يستفد من الثورة غير أن محله تعرض للنهب من البلطجية الذين خرجوا إلي الشوارع, وخسر ذهب يعادل 200 ألف جنيه غير أن جميع ما كان في المحل تعرض للتكسير, ويقول إن الأمن كان يحمينا طوال النهار والليل, أما الآن فنحن عرضة لأي لص أو بلطجي!!
أما علي الفيس بوك فقد ظهرت صفحة باسم مساعدة المتضررين من ثورة شباب مصر تكونت هذه الصفحة لتهدف إلي مساعدة من تضرروا من الثورة ومساعدة توصيل صوت الشباب المصري إلي الخارج.
مرحلة صعبة مقبلة
وأشار تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلي أن عدد السائحين الذين غادروا مصر في الأسبوع الأخير من شهر يناير 210 آلاف سائح, مما أدي إلي انخفاض الإنفاق السياحي بحوالي 178 مليون دولار خلال هذا الأسبوع, وألغيت حجوزات شهر فبراير, مما كبد مصر خسائر قدرها 825 مليون دولار خلال هذا الشهر, وأثرت الأحداث علي العمالة في قطاع السياحة نتيجة استغناء المنشآت السياحية عن العمال المؤقتين بها وخفض أجور العاملين الدائمين نظرا لانعدام الإشغال بها, وقدر الانخفاض في أجور هذه العمالة بما قيمته 70 مليون جنيه خلال هذه الفترة, مما سيؤثر تأثيرا سلبيا علي أسر العاملين في هذا القطاع.
وبعيدا عن التقرير, يتوقع عدد كبير من الخبراء أن تدخل مصر مرحلة اقتصادية في غاية الصعوبة تتمثل في تراجع الاستثمارات الداخلية والخارجية علي السواء, مما يعني التوقف عن إنشاء مشروعات جديدة, في الوقت الذي ستبدأ فيه المشروعات القائمة في اتخاذ إجراءات لتصحيح الأوضاع وضغط الإنفاق, والتخلي عن أعداد غير قليلة من العاملين.
والتراجع والانكماش الاقتصادي راجع لسببين مهمين هما: حالة الانفلات الأمني التي تعيشها مصر, في ظل الغياب شبه الكامل لجهاز الشرطة, وعدم وضوح شكل المرحلة المقبلة, إذ أن مصر تعيش مرحلة انتقالية, لا تبدو ملامحها السياسية معروفة أو مفهومة.. وفي النهاية تبدو معالم المستقبل غامضة وضبابية, لذلك سيفكر القطاع الخاص جيدا قبل أن يضخ مليما جديدا في بلد لا يبدو مستقبله واضحا.