ذكريات كثيرة جدا يحملها رمضان في نفسي فأنا أري هذا الشهر لا يملكه أخوتنا المسلمين وحدهم,فهم يصومون فيه إلي غروب الشمس وبعدها نسهر سويا سواء أمام التليفزيون أو في المقاهي بالحسين,كما أن طبق الفول خلال وجبة السحور في مطعم الجحش بالسيدة زينب له مذاق خاص لا ينسي.
وأتذكر أثناء طفولتي في سبعينيات القرن الماضي أن والدي رحمه الله كان يشتري لي فانوسا ألعب به مع أصدقائي المسلمين والمسيحيين في شارع توفيق بحري بحي منشأة لطف الله بالفيوم,وكنت أشارك مع أبناء شارعنا العامر بإعداد الزينة الخاصة برمضان,فضلا عن تشكيل نوبتجيات لحراسة الزينة من الغارات التي كان يقوم بها عيال الشوارع المجاورة لتقطيعها.
وكم قمت ومعي عيال الحتة بغزوات متتالية لتقطيع الزينة الخاصة بالشوارع البعيدة والقريبة باستخدام الطنبور وهو عبارة عن قطعة حديد صغيرة مبططة ومدببة من الأمام نربطها بنهاية حبل طويل ونقوم بإلقائها أعلي الزينة المعلقة في الشوارع ثم نجذبها بشدة نمزقها وبعدها نفر هاربين ونعود إلي شارعنا,بالإضافة إلي المشاركة في دورات كرة القدم الرمضانية التي كان ينظمها نادي محافظة الفيوم القريب جدا من منزلنا.
لم يشعر أحد منا أبدا أن هناك فرق بين المسلمين والمسيحيين,فمثلا أمي رحمها الله كانت تقوم بالمشاركة مع كل البنات والسيدات في المنطقة بتسوية كحك العيد أربع مرات سنويا (مرتان في عيدي الفطر والأضحي ومرتان مثلهما في عيدي الميلاد والقيامة).
وأقنعت كل النسوة من جيراننا أن العيد لا يعتبر عيدا بدون كحك بصرف النظر عن كونه عيدا كبيرا أو صغيرا,بل أن أعمارنا أنا وأصدقائي بالشارع كانت متقاربة بشكل جعلنا نرضع معا وبالتبادل من أثداء أمهاتنا لدرجة أني أتذكر كل أصدقاء الطفولة دائما حينما أشاهد الفنانة شريهان وهي تقول (بولاق الدكرور كلها إخوتي في الرضاعة) خلال أحد مشاهد مسرحية علشان خاطر عيونك.
مرت السنون وتركت الفيوم والتحقت بالجامعة وعوض فراقي لأصدقاء الطفولة شلة الجامعة التي كانت لها طقوس لا تختلف كثيرا عن أيام الفيوم ولا أنسي وجبة الإفطار الرمضاني التي طبختها لنا والدة محمد زكريا وتناولتها في بيتهم بالعمرانية الشرقية الذي يتشابه تماما مع بيتنا,أو ما قدمته لنا والدة محمود صلاح بالحوامدية أو الحوامدسين كما كان يصر محمود علي وصفه لها لأنها منطقة راقية تماما كالمهندسين,وشقة المنيل التي جمعتنا.
ولا ينسي أي منا فتاوي وائل راشد الخاصة بطبخ الأكل فلو كان الأكل ملحه زائد يؤكد لنا بلغة الخبير أن كثرة الملح تقوي العظام,أما إذا كان الملح قليلا يقول وكأنه الأب الخائف علي صحة أولاده أن كثرة الملح ترفع الضغط وتؤذي الكلي.
وحملت آخر سنة في دراستنا بالسياحة والفنادق مشروع التخرج وتأخرنا في اختيار المشروع جعل موقفنا الدراسي صعبا جدا.
ومع دخول شهر رمضان قررنا أن تكون حفلة إفطار رمضاني هي المشروع وقررنا أن تكون عبارة عن وجبات شعبية مثل الفول والطعمية والباذنجان المقلي والمسقعة والكشري والعدس,بمصاحبة أغاني شعبية لأحمد عدوية مثل علي كوبري عباس وأشرف المصري ورائعته وفر أزايز الدواء يا طبيب وكذلك شعبان عبد الرحيم وأغنيته الشهيرة جدا وقتها أحمد حلمي اتجوز عايدة الذي عاد ونفي الزواج في أغنيته الثانية ماتصدقوش يا جماعة دي إشاعات… أحمد حلمي وعايدة أخوات, واشترطنا علي الحضور ارتداء الجلاليب البلدي لدخول الحفل الذي أطلقتنا عليه اسم بيئة بارتي.