في 40 صفحة من الحجم المتوسط ينتظر الدكتور جمال محمد أبو زيد صدور كتابه (النور المقدس) كأول مسلم يتعرض لهذه الظاهرة الفريدة في إطار رصد وتوثيق, دون إبداء رأيه الشخصي, حتي وإن شاركه في تأليف الكتاب الشماس إدوار بشري, حيث أكد الدكتور جمال أن المسألة دينية بحتة, وهو أراد توثيقها فقط. الكتاب يقع في ثلاثة فصول صغيرة ومقدمة جاء فيها أنه بلا شك, ##النور الهابط من السماء## إلي قبر المسيح في القدس ##أعجوبة## بالنسبة إلي كثير من الأرثوذكس. في ##سبت النور## يتحول المقام المقدس محجا لآلاف, ليعاينوا نور القيامة واقعيا. إزاء هذا الإيمان الأرثوذكسي, تثار أسئلة عن حقيقة النور: هل ينبعث بالفعل؟ لماذا يدخل البطريرك الأورشليمي الأرثوذكسي القبر وحده؟ هل ثمة خدعة في الأمر؟ وهل للعلم كلمة يقولها في هذا الخصوص؟وهنا ينقل الدكتور أبو زيد عن (مجلة وكالة إنترفاكس الروسية -17 فبراير 2009- القسم المخصص للمسيحية والعلم في بحث علمي روسي حديث لتفسير انبثاق النور. حاول رئيس معهد الطاقة الذرية في موسكو الدكتور ##أندري فولكوف## قياس إشارات البث الإذاعي ذات الذبذبات المنخفضة والموجات الطويلة بكنيسة القيامة عام 2008 وقت حلول النور, فقال: إن العجيبة المطلقة هي الفرق ما بين الإشارات التي تلقاها يوم حلول النور واليوم السابق, مؤكدا أن التحاليل التي أجريت علي الشق الذي في عمود الكنيسة لا يمكن أن يكون بسبب تسريب كهرباء. وقد صدر عن نائب رئيس لجنة موسكو البطريركية, المحاضر في جامعة القديس يوحنا الروسي الأرثوذكسية, ألكسندر موسكوفسكي بخصوص هذا الحدث العجائبي التصريح التالي: ##إن فولكوف حقق خرقا علميا عندما قام بأول بحث علمي جدي وموثوق ومسئول عن النور المقدس##.
ما النور المقدس؟ وماذا يقول التقليد الأرثوذكسي عنه؟ ##إنه أعجوبة يشهدها القبر المقدس في القدس كل سنة, وتحديدا في ##سبت النور## لعيد الفصح الشرقي الأرثوذكسي, في الزمان والمكان نفسيهما, إذ لا يزال النور ##ينبعث أو يفيض##, علي ما يؤمن به كثيرون, من القبر في كنيسة القيامة حيث صلب المسيح ودفن, في ظاهرة متجددة منذ القرن الميلادي الأول.
وفي الفصل الأول (مفهوم النور في المسيحية) يقدم الكتاب تأملا حول ارتباط النور بقيامة المسيح, مؤكدا ارتباطهما معني وكيفا أن النور يعني ميلاد حياة جديدة؟
وفي الفصل الثاني (ظهور النور في القبر) يسرد الكتاب خطوات قصة الظهور التي تتكرر في صباح كل سبت يسبق أحد القيامة فيقول: يبدأ التحضير ##لاستقبال النور##, حيث يحمل الحضور الشموع وتقام الصلوات ويتم تفتيش البطريرك تفتيشا دقيقا قبل دخوله القبر المقدس ثم ينبثق النور فيضي ء كل الشموع##..
وفي شهادة حديثة, يقول الطبيب اليوناني الأب أنطونيوس ستيلياناكيس الذي تمكن عام 1994 من التقاط صور للنور المقدس علي الكاميرا ووضع كتابا عنه: ##رأيت سيلا من البروق المضيئة ظننتها في البداية ##فلاشات## آلات تصوير, لكنني استدركت للحال أنه لا يمكن أن تعمل مئات الفلاشات في لحظة واحدة معا. وفي الوقت نفسه, عمت هذه البروق الكنيسة وأخذ النور يتراقص علي الجدران والسقف. ثم تمكنت من معاينة كرة نارية برتقالية تخرج من يسار القبر إلي موقعي. ثم رأيت شعلة تتوجه إلي الأعلي بتؤدة, كأنها سفينة فضائية, قبل أن تنطفئ فوق علية النساء, حيث كان الناس يحملون شموعا اشتعلت وحدها##.
ومن صفات النور أن ##لونه أزرق ثم يتغير إلي ألوان مختلفة. وهذا أمر لا يمكن تفسيره في حدود العلم البشري, لأن انبثاقه يكون مثل خروج الغيم من البحيرة, يظهر كأنه غيمة رطبة, لكنه نور مقدس##, يقول البطريرك ثيوذوروس بطريرك الروم الأرثوذكس ويشير أيضا إلي أن ##من أهم صفاته أنه لا يحرق, وقد تسلمته 16 عاما, ولم يحرق لحيتي. فهو يظهر كعمود منير, ومنه تضاء الشموع التي أحملها##.
لكن لماذا لا يفيض النور إلا في عيد الفصح الشرقي الأرثوذكسي؟ يجيب البطريرك ثيوذوروس ##المسألة ليست في حصرية انبثاقه قبل الفصح الشرقي الأرثوذكسي, لأن قاعدة التعييد للفصح مسيحية عموما, وضعها آباء الكنيسة الجامعة في المجمع المسكوني الأول المنعقد في نيقية العام 325, يوم كانت الكنيسة واحدة. وقد رتبوا حسابها لتكون متماشية مع واقع تاريخي, وآخر ليتورجي, فتستند أولا إلي اكتمال البدر في الشهر القمري أبيب (وفق كتاب الخروج الإصحاح 12) الذي في موعده يتم الفصح الناموسي اليهودي, والذي كان رمزا للفصح الحقيقي, يسوع المسيح.. ولكن ما حصل هو تغيير البابا غريغوريوس الرزنامة عام 1582, من دون أن يراعي الحدث التاريخي والناموسي الكتابي لصلب المسيح, فصار بموجب الحساب الغريغوري الجديد يقع يوم القيامة قبل الفصح الناموسي أحيانا.. وهنا نري تحييدا للحقيقة التاريخية والكتابية. فكيف نعيد لغلبته علي الموت, وهو وفق الترتيب الناموسي لم يصلب بعد؟##. أما الفصل الثالث (شهادة المؤرخين العرب والمسلمين حول النور المقدس). فقد رصد وجود الظاهرة ورصد الشكوك والسخرية التي أبداها بعد المؤرخين منهم ابن الجوزية في كتابه (إغاثة اللهفان). وقد كرر نفس الشكوك المقريزي في كتابه (الخطب والآثار), حيث تم وصف النور بأنه ##نزول نار من السماء علي النصاري, فيسرج هناك الشمع وتشتعل القناديل..##, عازين الأمر إلي خدعة يقومون بها عبر ##خيط حديد يطلونه بدهن البلسان ويشعلونه وينتقل من القناديل, فيشعل الكل##..
علي أقوال مؤرخين مسلمين, يأتي الرد بما أخبره مؤرخ معروف وهو##البيروني## في كتابه (الآثار الباقية عن القرون الخالية) أن حاكما مسلما وضع فتائل مصنوعة من النحاس لإفشال المعجزة, لكن عند انبثاق النور المقدس, أضيئت أسلاك النحاس. ويختتم الكتاب بتقديم نبذة عن تاريخ كنيسة القيامة.