أحد الشعانين أو أحد السعف هو عيد من أعيادنا السيدية الكبري لأن فيه أعلن المسيح أنه ملكنا وملك كل البشر. وإن كان ملكه يتدرج شيئا فشيئا, لكنه في نهاية الأمر هو ملك إلي الأبد ولا يكون لملكه نهاية. وهذا ما نردده في قانون الإيمانليس لملكه انقضاء نعم. ملك وملك إلي الأبد. وهذا ما أعلنه الملاك جبرائيل وهو يبشر السيدة العذراء مريم قائلا يملك علي بيت يعقوب إلي الأبد ولايكون لملكه نهاية(لو33:1).
حرية الإنسان وطول أناة الله:
لم تكن مهمة المسيح مع البشر ومع الشيطان رئيس هذا العالم مهمة سهلة. كان عليه أن يظهر بالرعية التي خلقها علي صورته ومثاله. ولكنها خسرت مكانتها إذا استسلمت للخطيئة وللمعصية. فسيطر الشيطان عليها ولم تعد هذه الخليقة للهبإنسان واحد دخلت الخطيئة إلي العالم وبالخطيئة الموت. وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس بالذي جميعهم أخطأوا فيه(رو5:12). الله هو ملك الخليقة نعم. ولكنه خلق الخليقة حرة. مناط أمرها بيدها فارتضت لنفسها أن تبيع نفسها لإرادتها ولإرادة الشيطان. ففقدت امتيازاتها, أما الله الخالق فمن حنانه وحبه لم يغضب إلي النهاية, وإنما أتاح للبشر أن يرتدوا إلي الحظيرة المقدسة. وانتظر قرونا وقرونا وأجيالا قبل أن ينزل بنفسه ويخلص بذراعه, ولو أن هذه العملية كلفته الكثير من الآلام ومن الأحزان. ويمكننا أن نتصور في ليلة الآلام كيف كان المسيح مكتئبا وكيف كان حزينا. ومع ذلك أتم عمل الفداء وارتضي لنفسه أن يأخذ وضع الإنسان. وبعد ذلك صعد إلي السماء وجلس علي العرش. وجاء في الرسالة إلي العبرانيين أنه بعد أن جلس علي العرش يقول الوحي الإلهيمنتظرا بعد ذلك حتي توضع أعداؤه موطئا لقدميه(عب 10:13). لأنه لم تنته العداوة بعمل الفداء وصعود المسيح إلي السماء وجلوسه علي العرش. بل كان هذا انذارا وتوجيها أن هناك عداوات وأن هناك مضايقات. وأن هناك عثرات وأن هناك معاكسات ولكنه طويل الأناة. فبحكمته يعطي فرصة لكل الكائنات ترجع إلي نفسها. لعل البشر يرجعون من تلقاء أنفسهم.وشيئا فشيئا مع طول أناته يملك المسيح علي بعض المؤمنين المفديين المخلصين باختيارهم. ولن يقف الوضع إلي هذا الحد. قال النبي داودقال الرب لربي أجلس عن يميني حتي أضع أعداءك موطئا لقدميك(مز110:1), إذن ملك المسيح ليس فقط بأن ينضم إلي مملكته كثيرون من الذين يؤمنون به. ولكن لأنه حاكم الكون سيخضع المتمردين ويكسر شوكتهم فيبقي هو الملك إلي الأبد.. الذين يخلصون بإرادتهم نعم يقبلهم ولكن مع طول أناته سيخضع المقاومون.
الدجال ومعني الارتداد:
في فصل الإنجيل عبارة لها معناها, عندما رأت القيادات اليهودية الجموع تهتف به مخلصا وتقول أوصنا لابن داود مبارك الآتي باسم الرب أوصنا في الأعالي(مت21:9), ورأوا أنهم فقدوا بانضمام الناس إليه مكانتهم, فقالوا بعضهم لبعضانظروا أنكم لاتنفعون شيئا هوذا العالم كله قد ذهب وراءه(يو12:19).
وكان ما نطقوا به نبوءة. العالم كله سيذهب وراءه, وهذا ما سيحدث في الأيام الآتية, ينتهي الأمر بأن العالم كله يتبعه ويملك علي بيت يعقوب إلي الأبد ولايكون لملكه نهاية. ومن المقاومين للمسيح الذين أشار إليهم الوحي الإلهي في الرسالة إلي العبرانيين المسيح الدجال, الذي ينتظر منع اليهود وإسرائيل أن يكون هو المخلص والمسيح الملك, الذي يرد لهم الملك, هذا سيعطيه الشيطان كل قوته, ويكون مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة بآيات وعجائب كاذبة وخديعة الإثم في الهالكين, ولكن من طول أناة السيد المسيح يقول الكتاب المقدس إن المسيحلا يأتي إن لم يأت الارتداد أولا(2.تس2:3).
ما معني الإرتداد؟ إرتداد الناس عقائديا عن الإيمان إلي الشيوعية والإلحاد واللادينية وأيضا الإرتداد الأخلاقي, الفساد والخطيئة, هذه هي العلامة الأولي قبل مجئ المسيح الثاني, والعلامة الثانية هي أن يستعلن إنسان الخطيئة ابن الهلاك المقاوم والمرتفع علي كل ما يدعي إلها أو معبودا(2.تس2:3). هذا هو المسيح الدجال المضاد للمسيح في تعليمه. أما بالنسبة لليهود فهو في نظرهم المسيح الملك.
لماذا بكي المسيح؟
المسيح الحقيقي هو الملك لكنهم رفضوه, إلي خاصته جاء وخاصته لم تقبله. وتبعا لمبدأ الحرية لم يفرض نفسه عليهم, ماداموا هم قد رفضوه فليرفضوه, وإن كان يحزن, وهذا ما عبر عنه المسيح له المجد حينما كان راكبا علي الجحش, بعد أن وصل إلي أورشليم, بكي علي أورشليم كما جاء في الأصحاح التاسع عشر في إنجيل معلمنا لوقا, أفي هذا اليوم يارب تبكي؟ الجماهير تسبح وتقول تبارك الآتي باسم الرب. وهنا المسيح يبكي, هتافات جماهيرية ومع ذلك لا يعبأ لها لأن قلبه حزين علي هذا الشعب. بكي علي الذين باعوا أنفسهم للعناد والشر والتمرد علي الله. بكي علي أورشليم وقال آه يا أورشليم, المسيح يقول آه, تنهد المسيح وهو الله ذاته, آه يا أورشليم لو علمت ما هو لسلامك, أنا أتيت أمد يدي بالسلام. ولكن قد أخفي عن عينيك, التمرد والذاتية والأنانية والشر حجبت عينيك فأصبحت عمياء, وأغفلت الرؤيةلو علمت أنت أيضا حتي يومك هذا ما هو لسلامك ولكن قد أخفي عن عينيك فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك وبنيك فيك ولايتركون فيك حجرا علي حجر لأنك لم تعرفي زمان افتقادك(لو19:42-44). وحدث هذا بعد صعود المسيح بأربعين سنة. لأنه هو الإله الذي يعلم كل شئ. تم كل ما قاله سيدنا له المجد تماما, عندما قام اليهود بثورة ضد الحكومة الرومانية. فأرسل الإمبراطور نيرون حملة تأديبية بقيادة بسبسيانوس وابنه تيطس. لكن بسبسيانوس رجع لأنه أصبح الإمبراطور, فتيطس ابن بسبسيانوس القائد الروماني هو الذي جاء إلي أورشليم, ومعه عكسر الرومان بغلظتهم وقسوتهم. فحوطوا أورشليم بالمتاريس الحربية, ومع ذلك كان اليهود في غاية العناد, لدرجة أن تيطس لجأ إلي يوسيفوس المؤرخ اليهودي. وطلب إليه أن يتدخل لكي يجعل اليهود يكفون عن عنادهم. لأن تيطس لم يكن يريد هدم الهيكل كما قال يوسيفوس في كتابه حروب اليهود. ولكن عنادهم وتمردهم جعل عسكر الرومان بدون استجابة لتيطس القائد أخذوا يضربون اليهود بالمئات وبالألوف. حتي أن يوسيفوس قال إن الذين ماتوا في هذه الحرب مليون ومائة ألف من أورشليم وحدها, صلبوا من صلبوا, وضربوا من ضربوا. وقتلوا من قتلوا حتي الكهنة بملابسهم, كل هؤلاء قتلوا, كان هذا تأديب الله ليس للانتقام ولكن لعلهم يتنبهون, الله علاقته بالبشر ليست علاقة انتقام, ولأنه أب بكي ليعطي فرصة, ولكن هناك شرا آخر, عندما أحاطت المتاريس بأورشليم من كل ناحية, انقطعت عنها المئونة التي كانت تأتيها من البلاد المجاورة, فحدثت مجاعة فظيعة, فاضطر اليهود أن يأكلوا الكلاب والقطط ويفتشوا في القمامة لعلهم يجدون شيئا. وكما قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي ارتكبوا شرا أعظمأيادي النساء الحنائن طبخت أولادهن(مراثي إرميا4:10), الطفل يصرخ من الجوع وأمه لا تعرف أن تسكته. وهي أيضا أصيبت بالجنون لأنها لاتجد ما تأكل, فصارت مثل القطة التي تأكل أطفالها ونتيجة لهذه المجاعة يقول يوسيفوس إن هناك مليونا آخر من أورشليم وحدها ماتوا بهذه المجاعة. ولكن المليون الثالث تشتت, وهذا ما أنبأ عنه المسيح أيضا في إنجيل لوقاشتت المستكبرين بفكر قلوبهم(لو1:52), وفعلا تم ما قاله المسيح فتشتتوا اليهود إلي إنجلترا وفرنسا وألمانيا والنمسا واليابان إلي آخره, هذا الشتات له 2000 سنة, لأن خلاص كل شئ له وقت, فيشاء الله في نهاية هذا الدهر أن الاتحاد السوفييتي يتفتت وتأتي ملايين من اليهود إلي فلسطين, وملايين أخري من يوغوسلافيا التي تفتتت أيضا, وأعداد أخري من الحبشة, ومن اليمن, ومن المغرب, هجرة كبيرة جدا إلي إسرائيل, وهذه هي العلامة التي قال عنها سيدنا له المجد عندما يتكلم عن النهايةفمن شجرة التين تعلمون المثل متي صار غصنها رخصا وأخرجت أوراقها تعلمون أن الصيف قريب(متي24:2, 3). وأن ملكوت الله قد اقترب لأن هذه شجرة التين التي لعنتها وقلت لايكون فيك ثمن بعد إلي الأبد. وهنا السيد المسيح كمعلم يرمز بها إلي الأمة اليهودية, فمنذ أن صار البيت خرابا, انقطعت العلاقة وأصبح اليهود اليوم تحت الغضب الإلهي. وهذا ما قاله المسيح له المجد ماذا يصنع صاحب الكرم بأولئك الكرامين الأردياء؟قالوا:يهلكهم هلاكا رديا ويسلم الكرم إلي كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها(مت21:41). وفعلا سلم الكرم إلي آخرين وهم القيادات المسيحية والآباء الرسل. ولذلك إذا قرأنا في العهد الجديد عن إسرائيل أو عن أورشليم أو عن صهيون هو يقصد أنها الكنيسة المسيحية, إنما إسرائيل القديمة انتهت علاقة الله بها.. بيتكم يترك لكم خرابا, ومع ذلك كأب يبكي.
المسيح الملك الحقيقي وملكه إلي الأبد:
يا أورشليم يا أورشليم يا قائلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها, كم من مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا, هوذا بيتكم-وليس بيتي- يترك لكم خرابا(متي23:37, لو13:24), السيد المسيح يقول هذا ويبكي, لماذا يارب؟ إن هؤلاء مستحقون لهذا. لماذا تبكي؟حنانا وإشفاقا كأب علي مصير إسرائيل وعلي مصير اليهود, لأنه يسعي لخلاصهم حتي يقولوا مبارك الآتي باسم الرب.
حقا إنهم تحت الغضب الإلهي, ولكن إذا رجعوا أقبلهم لا من أجل إبراهيم وإسحق ويعقوب وموسي وصموئيل وأيوب وداود, كل هذا يحدث بعد أن يقوم إنسان الخطيئة ابن الهلاك المقاوم والمرتفع علي كل ما يسمي إلها أو معبودا, الذي سيتقمصه الشيطان ويعطيه كل قوته, هذا الشرير الذي يزعم أنه المسيح الملك, والله بحكمته الكبيرة وطول أناته يعطيه فرصة, ولكن في مقابل هذا لايترك البشر لهذا الدمار ولهذا الهلاك, هناك اثنان لم يموتا حتي الآنأي إنسان يحيا ولايري الموت(مز89:48), لكنهما محتجزين لرسالة وهما أخنوخ الذيسار مع الله ولم يوجد لأن الله نقله(تك5:24). وإيليا الذي أخذته مركبه من نار وخيل من نار(2.مل2:11). هذه الرسالة ستكون أيام هذا الدجال الذي يعمل في تدمير وتحطيم وهلاك كل ما يراه, فينزلان لكي يسندا الناس الذين لم يخضعوا للشيطان. هذان الكارزان الكبار لهما عمل ولهما رسالة. ولو أنهما سيموتان شهداء أيضا, بعد أن ينهي الدجال مهمته, يأتي الرب يسوع ويبيده, ورئيس الملائكة ميخائيل سيكون له دور فإن أبيد الدجال الذي كانت معلقة عليه آمال اليهود علي اعتبار أنه هو المسيح الملك, هنا يتبين اليهود خطأهم الكبير برفضهم المسيح الحقيقي فيرجعون ويدخلون إلي الإيمان المسيحي.. من هنا حنان الله الذي يفتح الباب لهؤلاء الناس لأنه أب, لأنهم قطعوا من الزيتونة لعدم الإيمان. فإذا رجعوا إلي الإيمان سيطعمهم الله في الزيتونة مرة أخري, ومعني ذلك أن اليهود سيؤمنون بالمسيح الحقيقي بعد فشل الدجال في مهمته.
ومعني ذلك أن المسيح يصير ملكا علي الكل في الأرض وفي السماء, فالمسيح ملك إلي الأبد, وهذا ما قاله دانيال النبي متنبئاويقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبدا…تسحق وتفني جميع الممالك وهي تثبت إلي الأبد(دا2:44). هذه هي الفترة السعيدة.
من هنا فرح الكنيسة بهذا اليوم السعيد يوم أحد الشعانين, لأن المسيح أعلن فيه ذاته أنه هو الملك, ونزل في هذا اليوم رسميا طبقا لما أنبأ به النبي زكرياافرحي جدا يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب علي حمار وجحش ابن أتان(زكريا9:9), وديع. لأن الملوك يركبون الخيل, لكن المسيح ملك ليس من طراز هيرودس ولا بيلاطس, وهو قال لبيلاطس:نعم أنا هو ملك ولكن مملكتي ليست من هذا العالم(متي27:11),(يو18:36), حتي الذين انضموا إلي المسيح قال لهم:أنتم لستم من العالم وإن كنت أنا أخذتكم من العالم, لأنه بانضمامكم إلي انفصلت علاقتكم بالعالم, وأصبحتم تابعين لي, وهذا ما يحدث في المعمودية. لذلك قبل أن يغطس المعمد في المعمودية ينظر للغرب ويعلن بإرادته انفصاله عن مملكة الشيطان ويقول:أجحدك أيها الشيطان وكل قواتك الشريرة أجحدك أجحدك أجحدك. ثم ينظر إلي الشرق ويقول: بالحقيقة نؤمن بإله واحد. هذا معناه أن هناك مملكتين, مملكة للشيطان ومملكة المسيح.. وبهذا الطقس الذي به لا ننزل في مياه عادية, إنما بانحدار الروح القدس عليها تصبح مياها نارية تنقي وتغسل الخطيئة, وندخل في مملكة جديدة فيها المسيح ملكا علينا.
لذلك نحن نجرؤ ونقول في الكنيسة ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا. من هو ملكنا؟ المسيح, ولذلك الصليب هو علم مملكتنا. حاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به صلب العالم لي وأنا للعالم (غلاطية6:14).
هذا اليوم العظيم يوم أحد الشعانين فيه المسيح يعلن نفسه أنه ملك. المسيح ملك الأرض والسماء إلي الأبد ولايكون لملكه نهاية.
افرحوا يا أتباع المسيح. افرحوا مسيحكم العظيم ملكه لن ينتهي. إن كانت لك مضايقات أو منغصات أو معكرات, إن كان هناك اضطهاد أو مضايقات من أي نوع, اطمئنوا إن المسيح ملك وإلي الأبد ولايكون لملكه نهاية. افرحوا وأقول أيضا افرحوا. لإلهنا الإكرام والمجد إلي الأبد آمين.