حينما ناجي داود نفسه قبل الموت, قال لها: ارجعي يا نفسي إلي موضع راحتك (مز116: 7), ولم يقل لها اذهبي!!
وحينما تحدث الجامعة عن الموت قال: فيرجع التراب إلي الأرض كما كان, وترجع الروح إلي الله الذي أعطاها (جا12: 7).
نحن -إذن- لا نذهب إلي السماء, بقدر ما نرجع إليها, لأن الإنسان في جوهره, ليس الجسد الذي جاء من تراب, ولكن -بالأحري والإكرام- الروح التي أخذها من الله, نفخة قدسية استودعها الرب التراب إلي حين, ولكنها ستعود إلي الرب في الوقت الذي يعلمه الله.
لذلك فالإنسان المؤمن, يتطلع دائما, وفي شوق, إلي الملكوت المعد له منذ تأسيس العالم, وشعاره الدائم هو: إن سيرتنا نحن هي في السموات, التي منها أيضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح, الذي سيغير شكل جسد تواضعنا, ليكون علي صورة جسد مجده (في 3: 20, 21).
ولذلك أيضا كانت نصيحة القديس موسي الأسود لكل تلميذ من تلاميذه: اذكر ملكوت السموات, لكي تتحرك فيك شهوته. إن أكبر تعزية نالها القديس إسطفانوس, رئيس الشمامسة وأول الشهداء وقت استشهاده ورجمه من قبل اليهود, إنه نظر السموات مفتوحة, وابن الإنسان قائم عن يمين الله (أع7: 56).
ولهذا يصرخ فينا الأب الكاهن في كل قداس: ارفعوا قلوبكم فنرد قائلين: هي عند الرب!! وحين يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا (مت6: 21).
وللقيامة أمجاد كثيرة:
ونستطيع أن نحصي -علي الأقل- أربعة أمجاد أخذناها بالإيمان بقيامة السيد المسيح, وسنأخذها بالعيان في الأبدية السعيدة, وهذه الأمجاد هي:
1- مجد القداسة:
فالكل قديسون, في حضرة القدوس, وفي عالم القداسة الكاملة, لهذا رأي يوحنا الحبيب المفديين في ثياب بيض (رؤ7: 9). علامة الطهر والنقاوة, فهيهات أن تطاول الخطيئة الأجساد النورانية, والأرواح المكملة, وسكان السماء!
2- مجد السعادة
إذ سيسمع كل مؤمن يصل إلي مشارف العالم الآخر, كلمات الرب: نعما أيها العبد الصالح والأمين, كنت أمينا علي القليل, فأقيمك علي الكثير, ادخل إلي فرح سيدك (مت25: 23).
وهكذا نشترك جميعا في عشرء عرس الحمل (رؤ 19: 7, 9), مرنمين ومسبحين فادينا المحب, حينما يتحد الرب العريس, بكنيسته العروس.
3- مجد الشركة:
فنحن الآن في محفل أبرار مكملين, إذ هناك نلتقي بالملائكة والقديسين, وعلي رأس الكل, أم النور, سيدة الطهر والنقاء, وكل من ساروا علي دربها من القديسين هناك نلتقي بالآباء: إبراهيم وإسحق ويعقوب, والأنبياء: الكبار والصغار والرسل: تلاميذ الحمل, والشهداء: الذين سفكوا دمائهم علي اسم المسيح, والقديسين: الذين ازدروا بالأرض ليمتلكوا السماء.
4- مجد الخلود:
فالحياة هناك ليس لها نهاية.. إنها الخروج من الزمن, والدخول إلي الأبدية واللامحدود. هناك نتحد بالله في خلود مقيم, تحقيقا لوعده الصادق والأمين: إني أنا حي, فأنتم ستحيون (يو 14: 19), من آمن بي ولو مات فسيحيا (يو11: 25), من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية, وأنا أقيمه في اليوم الأخير (يو 6: 54).
فليعطينا الرب أن نقوم مع المسيح القائم, منفذين وصية بولس الرسول: فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فأطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله, اهتموا بما فوق لا بما علي الأرض. لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متي أظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضا معه في المجد (كو3: 1- 4).
وهكذا تمتد فرحتنا بعيد القيامة المجيد, من فرحة يوم بذاته.. إلي فرحة عمر شامل.. إلي فرحة أبدية سعيدة.. فلنحتفل بقيامة الرب المجيدة.. ذاكرين تجسده العجيب.. وفدائه الباذل.. وقيامته المباركة.. ومحبته الثاني.. ليأخذنا إله.. ألم يقل لنا: أنا أمضي لأعد لكم مكانا.. وإن مضيت وأعددت لكم مكانا.. آتي أيضا.. وآخذكم إلي.. حتي حيث أكون أنا.. تكونون أنتم أيضا (يو 14: 2, 3).