نقضي حياتنا كلها كرحلة طويلة قبل دخول أورشليم السمائية.. بعد أن تأكدنا بالقيامة أن هناك حياة أخري جديدة بعد الموت. لذلك فحدث القيامة يحمل لنا معاني وقيما إنسانية وانتصارا علي الذات, بل وعلي كل قوي الشر, وانتصار الحق علي الباطل..
وهل لنا ونحن نعيش أفراح القيامة أن نتساءل.. إلي أي مدي خلال مشوار حياتنا علي الأرض نفعل كما فعل السيد المسيح له المجد وهو علي الأرض بالتجسد.. هل انتصرت محبتنا علي كراهية الآخر لنا؟! هل تولدت لدينا قوة النفس المنتصرة القادرة علي كسب قلوب الآخرين ومحبتهم؟! هل لدينا الاستعداد لقبول الضيقات والأزمات بالأسلوب الذي عشناه خلال فترة أسبوع الآلام, وكيف شرب السيد المسيح من كأس الآلام, ناظرين إلي أن المجد الأرضي جهالة, أم نرفض كأس الألم ونعتبر ذلك ضعفا واستسلاما وخنوعا, وترتفع أصواتنا بالشكوي والتذمر والرفض لآلام هذا العالم!! وهذا لا يعني مبدأ حق الدفاع عن النفس, والإعلان عن الظلم وعدم العدالة بل والمطالبة بتوضيح الأسباب وراء ذلك.. أليس هذا ما حدث في رحلة المحاكمة ليسوع المسيح عندما لطمه خادما قيافا رئيس الكهنة.. ذلك الخادم المنافق قائلا: أهكذا تجاوب رئيس الكهنة.. أجابه يسوع: إن كنت قد تكلمت رديا فاشهد علي الردئ, وإن حسنا فلماذا تضربني؟! وهكذا يعلمنا السيد المسيح أن لنا حق الدفاع عن النفس حتي لو لم يأخذ الإنسان حقه أو رد اعتباره فوريا.. فإنه يدرك قول الرب: لي النقمة أنا أجازي يقول الرب. المهم أن يكون الألم بسبب مسيحك.. وتذكر قوله لك: طوبي لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة (من أجلي), (كاذبين) افرحوا وتهللوا.. (مت5: 11- 12), ليس قبول الألم فقط بل بفرح وتهليل لأننا نتطلع لأجر سمائي.. مقتنعين أن كل ممالك العالم تزول..
أن نكون مصدر فرح وسلام للآخرين.. ولا يتم ذلك إلا إذا شعرنا نحن أولا بالسلام الداخلي.. كما قال لنا السيد المسيح: سلاما أترك لكم, سلامي أعطيكم, ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا, لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب (يو14: 27). وهذا يتطلب أن تكون لدينا القدرة علي نقل هذا السلام.. أن تتفجر في مشاعرنا قوة حب القيامة داخلنا.. فالقيامة انتصار واقعي للجانب الإنساني, انتصار السلام علي الخصام.. تحرير من الظلم والفساد والعنف والإرهاب, وتثبيت السلام والعدالة والحق.. وهذا ما يؤكده قول الرب في سفر التثنية (30: 19): أشهد عليكم اليوم السماء والأرض, قد جعلت قدامك الحياة والموت.. البركة واللعنة.. فاختر الحياة لكي تحيا أنت وتسلك…. هذا هو انتصار الحب الذي هو السر الأول في كل هذا الوجود.. الحب الذي يطفو فوق المصاعب والآلام والتحديات..