والإله أبولون كان معروفا في الديانة اليونانية, ولازال له معبد في مدينة دلف التي تبعد عن أثينا بحوالي اثني عشر ساعة بالأتوبيس وهي علي جبل عال, ويعد أبولون كبير الآلهة وعلي جدار هذا المعبد وجدسقراط الحكمة التي تقول اعرف نفسك بنفسك واتخذها أساسا لفلسفته.
ويبدو أن الإمبراطور لم يكن يدري حتي هذه الساعة أن القائد الأعلي لجيوش الإمبراطورية الرومانية, مرقوريوس, مسيحي, ترك مع والديه عبادة الأوثان, وصار يؤمن بدين المسيح. لأن المسيحية كانت تمارس تحت الأرض, فكان الفرد لا يعلن عن ديانته لأنه لم يكن هناك اعتراف بالديانة المسيحية, الاعتراف بالمسيحية جاء في عهد قسطنطين, إنما قبل ذلك كان المسيحي يأخذ اسما جديدا في المعمودية, ويظل باسمه القديم المعروف, فصدور منشور ديكيوس باضطهاد المسيحيين, سوف يعرض أشجع جنوده وقواده لعذابات مريرة, وهنا وقع مرقوريوس في مأزق وفي حرج شديد, وعليه أن يختار واحدة من اثنين: إما الإخلاص للمسيح وما يستتبعه الاستمساك بدين المسيح من اضطهاد وحرمان وعذاب وآلام وقطع الرأس بالسيف, وإما الخضوع لأوامر الإمبراطور وما يستتبعه هذا الخضوع من كرامات, ومع احتفاظه بمكانته ومركزه ومنصبه وما يتلوه من ترقيات.
وبينما كان مرقوريوس, في مخدعة يصلي إلي الرب يسوع, والجنود نيام, يضئ المكان مرة أخري بظهور رئيس الملائكة الجليل ميخائيل بنفس المنظر والجلال الذي رآه فيه من قبل عندما سلمه السيف العجيب. فارتعب مرقوريوس من جماله وبهائه, لكن رئيس الملائكة طمأنه بابتسامة نورانية روحانية قال له: هل تذكر يامرقوريوس, ما قلته لك, وأنت في ساحة المعركة, وقبل النصر, ألم أقل لك: لا تنس الله؟! إذن لماذا قبلت تلك الخلع والرتب من الإمبراطور؟ ألم تعلم أن الإمبراطور جدف علي السيد المسيح, وأمر بتعذيب كل من يؤمن بالمسيح؟ أيرضيك هذا يامرقوريوس؟ أيرضيك أن تكون في خدمة ذاك الشيطان الرجيم؟ لا تتوان عن أن تدافع عن الإيمان المسيحي بشجاعة أبطال الإيمان, ولا تتأخر عن أن تقبل بسرور الآلام من أجل اسم المسيح, فأنت إذا صمدت في معركة الإيمان, ستنال أخيرا إكليل البر, وستكون لك الحياة الأبدية في ملكوت السماوات… مرقوريوس, كما حاربت وانتصرت في جيش الملك الأرضي, ستحارب وستنتصر في جيش ملك الملوك ورب الأرباب…
وما كاد الملاك الجليل ينهي خطابه حتي اختفي في لمح البصر. فأيقن مرقوريوس أنها دعوة السماء للجهاد الأعظم في سبيل الإيمان.
وبينما هو غارق في أفكاره, يستجمع قواه, إذا بقائد كبير يطرق بابه, ويؤدي له التحية العسكرية ويفضي إليه بأن الإمبراطور يستدعيه إلي مجلسه للتشاور معه في مهام الدولة. فاعتذر في مبدأ الأمر محتجا بتعبه صحيا, لكن الإمبراطور أرسل إليه مرة أخري, فذهب إليه, وعندئذ أمره أن يسجد معه لأبولون فرفض مرقوريوس, بكل شجاعة, أن يتعبد للأصنام, وأعلن أنه مسيحي يعبد الله الواحد, فذهل الإمبراطور لجرأة مرقوريوس في عدم الإذعان لأوامره, ولاطفه ثم عاد وتوعده بحرمانه من امتيازاته, وبتعذيبه وقتله. أما مرقوريوس فلم ينتظر طويلا, بل بقلب جرئ وزاهد في أباطيل العالم خلع منطقته العسكرية, وحلته بنياشينها تحت أقدام الإمبراطور, وجهر بمسيحيته, ولعن آلهة الإمبراطور الوثنية, وكان عليه أن يدفع الثمن, فدفع ثمنا غاليا, من تقطيع لجسده بأمواس حادة, وحرق جنبه بالنار, وشده بين أوتاد أربعة, وضربة ضربا مبرحا, كما علقوا في عنقه حجرا ثقيلا, وأخيرا قطعوا رأسه, فنال إكليل الشهادة.
فلما انتهي زمان الاضطهاد, أقاموا علي جسده كنيسة في قيصرية, عاصمة كبادوكيا في تركيا, وعلقوا فيها سيف مرقوريوس, ويروي بعد ذلك أن الإمبراطور يوليانوس الجاحد JULIANUS (331- 363)م دخل في حرب مع الفرس, فلاحظ القديس باسيليوس الكبير البطريرك وهو يصلي في الكنيسة أن سيف مرقوريوس المعلق قد اختفي من الكنيسة فتعجب, ولم يلبث قليلا حتي رأي السيف عاد إلي مكانه, وجاءت الأنباء بعد حين أن يوليانوس قد قتل في الحرب, وقد شوهد مرقوريوس في سماء المعركة, يضرب يوليانوس بسيفه ويوليانوس نفسه صاح وهو يحتضر ينادي المسيح حانقا لقد غلبتني أيها الجليلي ومن بين من أوردوا هذه القصة.
De LACY O##LEARY, THE SAINTS OF EGYPT.