تتطلب أي عملية توسيع رئيسية للطاقة المتجددة في العالم تطبيق سياسات حكومية مبتكرة, وتوفير بيئات استثمارية مستقرة ويمكن التكهن بها, وعمليات نقل تكنولوجيات إلي الدول النامية.
بات قطاع الطاقة المتجددة علي وشك الانطلاق. وستدفع أنواع الطاقة المتجددة المتوفرة تجاريا والقادرة علي المنافسة اقتصاديا في الكثير من الأماكن عجلة المصالح القومية الأمريكية من خلال المساعدة في إنهاء إدماننا علي النفط والبدء في معالجة مسألة ارتفاع درجة حرارة الأرض (أي ظاهرة الاحترار العالمي). وقد أصبحت صناعة الطاقة المتجددة متأهبة للدخول في المرحلة الثانية التي سوف تضع استثمارات الولايات المتحدة التي بلغت 15 مليار دولار علي مدي 30 عاما في الأبحاث والتطوير وتجربة تكنولوجيات الطاقة المتجددة موضع الاستخدام في الأسواق.
هناك ثلاثة حوافز رئيسية تدفع الأسواق باتجاه استعمال الطاقة المتجددة. الأول هو أمن الطاقة القومي. وتظهر التوقعات الحالية أن استهلاك النفط في الولايات المتحدة يتزايد وسوف يتجاوز منحنيات تقديرات الإنتاج المحلي التي توقفت عن الارتفاع, مما يجعل الولايات المتحدة الأمريكية معتمدة علي أسواق النفط الأجنبية بصورة متزايدة, وهو الأمر الذي سيجعل الاقتصاد الأمريكي عرضة للتأثر بأي انقطاع في واردات البترول والتضرر منها.
وعلاوة علي ذلك, يضع النمو السريع لدول نامية كالصين والهند ضغطا متزايدا علي أسواق النفط العالمية, وهي مشكلة من المرجح أن تتفاقم مع مرور الوقت. وقد أصبح من الممكن ملاحظة هذا الأمر الآن: فقد تجاوز سعر برميل النفط 70 دولارا في منتصف يونيو, 2006, بعد أن كان 30 دولارا قبل بضعة سنوات فقط. ويمكن للطاقة المتجددة أن تساعد الولايات المتحدة في الاعتماد علي مصادر الطاقة المحلية مما يقلص حاجتنا للنفط أو يقلل من معدل تزايد استهلاكنا له.
والحافز الثاني الذي يدفع السوق نحو الطاقة المتجددة يتعلق بالقلق من تغير المناخ. بإمكان الطاقة المتجددة أن تساهم في تأمين احتياجاتنا للطاقة وتقلص في نفس الوقت من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وقد ذكرت عدة مصادر للأنباء أن أكثر من 2000 عالم يتفقون في الرأي علي أن كمية الغازات المسببة للاحتباس الحراري, كثاني أكسيد الكربون والميثان, تتزايد في الغلاف الجوي الرقيق المحيط بالكرة الأرضية وأن هذه الزيادة في كمية الغازات تزيد من ارتفاع درجة الحرارة في العالم. ويعتقد الكثير من هؤلاء العلماء أن ارتفاع درجات الحرارة هذا ينذر بنتائج سلبية وكارثية محتملة, وأن الوقت الحاضر هو الإطار الزمني الصحيح لمعالجة هذه المسألة, وأن هناك إجراءات يمكن اتخاذها. ومن هذه الإجراءات استعمال طاقة متجددة خالية من الكربون.
والحافز الثالث للسوق هو كلفة الطاقة المتجددة التي ما فتئت تتقلص منذ عدة عقود ومن المنتظر أن تستمر تكلفة أنواع معينة من الطاقة المتجددة في الانخفاض. ويمكن إرجاع سبب تقلص تكاليف الطاقة المتجددة إلي تحسن تكنولوجيات إنتاج الطاقة المتجددة. وسوف يستمر هذا التقلص أثناء نضوج هذه الصناعة.
الاستفادة من الطاقة المتجددة
يجعل التوزيع غير المتساوي لموارد الطاقة المتجددة عبر الولايات المتحدة من الصعب وضع سياسة قومية شاملة موحدة لهذا القطاع. فالطاقة الشمسية أقوي ما تكون عليه في الجنوب الغربي; وطاقة الريح هي الأكثر استعمالا في منطقة السهول الكبري وعلي الحيود الجبلية وقبالة السواحل في البحر; أما في الغرب فتتوفر الطاقة الجيولوجية الحرارية, بينما تتوفر طاقة الكتلة البيولوجية في جميع أنحاء البلد ولكنها تتخذ إقليميا أشكالا مختلفة. ويتم إنتاج أنواع الوقود البيولوجي في الولايات الزراعية ولكنها تستهلك في المدن التي تفرض قيودا تتعلق بنوعية الهواء.
وهناك أسواق محلية عديدة للطاقة المتجددة عبر كامل الولايات المتحدة, ولكل منها مواردها واقتصادها وثقافتها وسياستها الخاصة بها. وقد تصدرت ولايات بصفتها الفردية قطاع إنتاج الطاقة المتجددة. ويعتمد نصف عدد الولايات تقريبا معيار ملف الطاقة المتجددة (RPS), وهو نظام يحدد أهدافا تتعلق بإنتاج الطاقة المتجددة. ويفرض اعتماد هذا المعيار علي مستوي الولاية علي شركات الكهرباء تأمين كمية معينة من الطاقة من مصادر طاقة متجددة بحلول تاريخ محدد, مما يوجد علي الفور طلبا جديدا علي الطاقة المتجددة.
وفي أماكن أخري, قام الاتحاد الأوربي باتخاذ خطوات تهدف إلي تعزيز استعمال الطاقة المتجددة وأصبح مصدرا للسياسات المبتكرة. وقد طبقت ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا ودول أخري فرض رسوم لتغذية هذه الطاقة هي عبارة عن سعر كل وحدة طاقة كهربائية يتعين علي شركة إنتاج الكهرباء أو مورد الطاقة الكهربائية دفعه ثمنا للطاقة الكهربائية المتجددة التي تنتجها مولدات الكهرباء الخاصة وتحصل عليها الشركة من الشبكة. وفي هذه الأثناء, تقدم كل من فنلندا واليونان والمملكة المتحدة منحا وحوافز ضريبية بالإضافة إلي أوامر بإنتاج واستعمال الطاقة الخضراء.
طاقة الرياح
تتفوق طاقة الرياح علي ما عداها في سوق البيع بالجملة لانتاج الكهرباء المتجددة في الولايات المتحدة الأمريكية. واستنادا إلي ما أوردته الجمعية الأمريكية لطاقة الرياح في الولايات المتحدة, بلغ إجمالي طاقة الإنتاج الإجمالية في بداية عام 2006 لوسائل الإنتاج من الرياح المركبة في الولايات المتحدة 9.149 ميجا وات. وقد تم تركيب قسم كبير من هذه الطاقة الإنتاجية, 2420 ميجا وات, في عام 2005 ووضعت خطط لتركيب وسائل إنتاج تقدر طاقتها الإنتاجية بثلاثة آلاف ميجا وات في عام .2006 وبفضل التقدم التكنولوجي الذي شهده القطاع في السنوات الأخيرة, تحسنت قدرة الطاقة المولدة من الرياح علي منافسة الطاقة المولدة من الغاز الطبيعي من حيث السعر, مما يدعم النمو المستمر لهذه الصناعة. وبالإضافة إلي ذلك, تقدم الحكومة الفيدرالية الأمريكية إلي الشركات إعفاءات من الضريبة علي إنتاج طاقة الرياح تعادل حوالي 1.9 سنتا لكل وات/ ساعة منتجة. وقد شكلت هذه السياسة حافزا قويا لجذب المستثمرين الذين تهمهم الضرائب, كشركات الكهرباء, نحو امتلاك مزارع توليد الطاقة من الرياح.
وقد كانت الدانمارك السوق الأصلية الأولي لطاقة الرياح في أواخر التسعينيات من القرن الماضي, وتبعتها ألمانيا. اما اليوم فتشكل إسبانيا وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة والهند أنشط الأسواق لهذه الطاقة. غير أن طاقة الرياح متوفرة في كل مكان تقريبا.
الطاقة الشمسية
طاقة الفولتية الضوئية الشمسية, صناعة عالمية تستقطب أموال قدرها 12 مليار دولار, وهي المصدر الرئيسي للطاقة المتجددة التي يتم توزيعها فعليا (المستهلكون الذين يولدون الطاقة الحرارية أو الكهربائية اللازمة لاحتياجاتهم ثم يعيدون الطاقة الكهربائية الفائضة إلي شركات الكهرباء). وقد شهد هذا القطاع نموا في الفترة الأخيرة في اليابان, وألمانيا, وإسبانيا.
في عام 2005, منح قانون سياسة الطاقة في الولايات المتحدة تخفيضات في المبلغ الذي تفرض عليه ضريبة دخل فيدرالية بلغت 30 بالمائة من سعر أنظمة الطاقة الشمسية المشتراة للاستعمال في المنازل وشركات الأعمال في الولايات المتحدة, وذلك بالإضافة إلي برامج تقديم إعانات مالية رسمية لا يستهان بها في ولايات مثل كاليفورنيا ونيو جيرسي.
وتتوفر فرصة عظيمة للطاقة الفولتية الضوئية الشمسية في الدول النامية إلا أنه كان من الصعب تطبيق استخدامها لأنها تستدعي إنشاء بنية تحتية من الشركات المحلية لبيع وتركيب وصيانة المعدات, ولأنها تحتاج إلي تمويل لا يكون متوفرا في كثير من الأحيان. ورغم ذلك, تشهد سوق هذه الطاقة نموا في الهند وسريلانكا وبنجلادش والمغرب وكينيا وجنوب أفريقيا وفي دول أخري.
الوقود البيولوجي
سيشكل الوقود البيولوجي, وبصورة رئيسية الإيثانول المستخرج من الذرة, أعظم فرصة للاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة القادمة. وقد دحضت الأدلة التي جمعها مختبر لورنس بركلي الاعتقادات القديمة التي تعود إلي السبعينيات من القرن الماضي, القائلة بأنه لا وجود لأي فوائد بيئية من الإيثانول المستخرج من الذرة لكون عملية الإنتاج تستهلك قدرا كبيرا من الطاقة. ويبدو الآن أن إنتاج الإيثانول المستخرج من الذرة يتطلب كمية من البترول تقل كثيرا عما يتطلبه إنتاج البنزين, وأن كمية الغازات المسببة للاحتباس الحراري المنبعثة من الإيثانول أقل بنسبة بين 15 %و20 % من الكمية التي يولدها البنزين. وقد خفضت التكنولوجيا الجديدة للإيثانول السلولوزي الكمية المنبعثة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري كما خفضت استهلاك البترول حتي إلي حد أكبر. وبحلول الإيثانول محل مثيل أثير البيوتيل الثلاثي (مركب كيميائي يستعمل كمكون للوقود في البنزين منعت 22 ولاية أمريكية استعماله) ازداد الطلب علي الإيثانول بسرعة كبيرة. وسينتج, في عام 2006, أكثر من 4.7 مليار جالون (17.9 مليار لتر) من الإيثانول, ويتم حاليا إنشاء مرافق إضافية في الولايات المتحدة تبلغ طاقتها الإنتاجية 2 مليار جالون (7.6 مليار لتر) من الإيثانول سنويا.
وقد تنبهت شركات صنع السيارات في الولايات المتحدة للاهتمام الحديث بالوقود البيولوجي وأخذته في الحسبان. فعلي سبيل المثال, تنتج شركة جنرال موتورز حاليا تسع موديلات من السيارات التي يمكن تشغيلها باستعمال الوقود E85, وهو مزيج مكون من الإيثانول بنسبة 85% ومن البنزين بنسبة 15%.
الاستثمار
يتم حاليا استثمار مبالغ ضخمة في شركات ومشاريع الطاقة المتجددة. وقد ذكرت ##برايس واتر هاوس كوبرز##, و##طومسون فنتشور إيكونوميكس##, والجمعية القومية لأصحاب رؤوس الأموال المغامرة, أن أصحاب رؤوس الأموال المغامرين استثمروا حوالي 181 مليون دولار في شركات إنتاج الطاقة البديلة, أي بزيادة قدرها 78 مليون دولار عما استثمروه فيها في العام الماضي.
وقد بدأت الشركات الرئيسية في قطاع الطاقة تتنبه إلي فرصة الأسواق المتنامية هذه وبدأت تظهر دعمها. فعلي سبيل المثال, استثمرت شركة جنرال إلكتريك أخيرا مبلغ 81 مليون دولار في مشروع لطاقة الرياح تبلغ طاقته الإنتاجية 50 ميجا وات في كاليفورنيا, ووظفت شركة كاسكايد إنفستمنت المحدودة مبلغ 84 مليون دولار في شركة باسيفيك إيثانول التي تنتج وتسوق الوقود المتجدد. وفي حين أوجد النمو المتسارع للسوق بيئة ملائمة للمستثمرين وفرصا لتحقيق أرباح كبيرة, إلا أنه أوجد كذلك مخاطر محتملة في هذه الصناعة التي أصبحت قيمتها 50 مليار دولار سنويا.
الفوائد القومية والعالمية
إن الطاقة المتجددة هي مجموعة واسعة من المصادر التي تعتمد علي الطاقة المتوفرة طبيعيا حولنا. وفي حين لا تشكل الطاقة المتجددة حلا سحريا لجميع مشاكلنا, إلا أنه كلما ازداد استعمالنا لها كلما وجدنا أنفسنا في وضع أفضل في ما يتعلق بتقليص واردات النفط وتخفيض درجة التلوث وكمية الغازات المنبعثة المسببة للاحتباس الحراري, وزيادة فرص العمل.
وتستطيع الطاقة المتجددة تأمين فرص لا يستهان بها للدول النامية والمناطق الريفية. فعلي سبيل المثال, من خلال تأمين فرص عمل جديدة ومصادر جديدة للدخل للفلاحين وأصحاب مزارع تربية المواشي, زادت شركة كولورادو جرين ويند فارم, في مقاطعة لامار, بولاية كولورادو, قاعدة الضريبة المحلية للمقاطعة بنسبة 29 بالمائة وزادت تمويل الصندوق العام للمدارس بمقدار 917 ألف دولار سنويا, كما زادت التمويل المخصص للمركز الطبي للمقاطعة بمقدار 189 ألف دولار.
إن الإمكانيات التي تنطوي عليها الطاقة المتجددة هائلة. وهي تساهم في تلبية احتياج أمريكا إلي مأمونية الواردات وإلي بيئة أنظف ووظائف جيدة وفرص استثمار أكثر. وسيكون القطاع الريفي الأمريكي الفائز بحصة الأسد من المكاسب المتأتية عن تنمية صناعة الطاقة المتجددة.
توقعات للمستبقل
إن التوجه المستقبلي للطاقة المتجددة في الولايات المتحدة وحول العالم أصبح إيجابيا ويستمر في التسارع. ويشكل هذا تحديا لصانعي السياسة الحكوميين الذين يتعين عليهم الاعتماد علي نماذج الكمبيوتر الخاصة بالتوقعات المستقبلية التي يمكن أن تتجاوزها الأحداث بسرعة نظرا لارتفاع أسعار النفط وازدياد تسارع الطلب علي الطاقة المتجددة. فعلي سبيل المثال, في حين يظهر التوقع الأمريكي الرسمي, استنادا إلي وكالة معلومات الطاقة أن مساهمة الطاقة المتجددة لن تتعدي 10 بالمائة من إجمالي إمدادات الطاقة في الولايات المتحدة في عام 2030 إلا أن مجموعات مختلفة في هذه الصناعة تعبر عن تفاؤل أكبر بشأن دورها. ويدعو ائتلاف مستقبل الطاقة (إنرجي فيوتشر كوألشن) إلي نسبة 25% بحلول عام 2025, بينما يعتقد المجلس الأمريكي للطاقة المتجددة (ACORE) بوجود إمكانية مساهمتها بنسب 20%, و30% و40% بحلول الأعوام 2020, 2030, 2040, علي التوالي.
ولكي يتحول هذا التوقع إلي حقيقية ملموسة, يجب أن يتواصل ارتفاع أسعار الطاقة التقليدية وأن يستمر انخفاض تكاليف إنتاج الطاقة المتجددة, وأن تظل السياسات الحكومية ثابتة وقابلة للتكهن بها, وذلك لتشجيع التزام مقدمي القروض والمستثمرين بتمويل أنظمة الطاقة المتجددة. كما يجب أيضا أن يكون هناك تعاون دولي لنقل هذه التكنولوجيات إلي الدول النامية.
———-
يشغل مايكل إكهارت منصب رئيس المجلس الأمريكي للطاقة المتجددة (ACORE), وهو مؤسسة لا ربحية يقع مركزها الرئيسي في واشنطن العاصمة. وقد ساهم مسئولان في المجلس الأمريكي للطاقة المتجددة, هما بيتر جايج وكاميرون ماك كارتر في إعداد هذا المقال.
يو إس جورنال