اختتم معرض القاهرة الدولي للكتاب فعالياته في دورته الـ 41الأسبوع الماضي,وشهد العديد من الندوات والأمسيات المختلفة,والتي طرحت بعض قضايا المجتمع…وحرصت وطني علي متابعة القضايا في هذه الندوات,وعرضها في هذه السطور…
طفل العشوائيات في مصر تم الحديث عنه ليس بوصفه أهم الفئات العمرية المرتبطة بالتنمية ولكن بسبب أن هذه الفئة تعد مؤشرا لمستقبل المجتمع…هكذا استهل الدكتور عبد الباسط عبد المعطي-أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس,مؤكدا أن مستقبل أي مجتمع يترتب علي أوضاع أطفاله وشبابه.
وأشار إلي أن العشوائيات هي نتاج مباشر لخلل السياسات الاجتماعية المصرية التي من أبرز مظاهرها الانحياز لرجال الأعمال,بالإضافة لمجموعة من العوامل التي أسهمت في تزايد نشأة العشوائيات,في مقدمتها الفقر والهجرة الريفية الحضرية,وتعقد أزمة الإسكان في مصر,وبالتالي فهي انعكاس للسياسات التنموية كالهجرة الداخلية والبطالة والفقر.
قالت الدكتور أماني مسعود -أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- إنه لا توجد سياسة محددة المعالم لمواجهة قضية العشوائيات في مصر,فأطفال العشوائيات ليس فقط بلا مأوي ولكن تغيب عنهم سياسات الدولة.
واتفق كل من محمد حسن عبد الحافظ-منسق البرامج الثقافية بالمركز القومي لثقافة الطفل,ورضا هلال باحث بالمجلس القومي لحقوق الإنسان علي أهمية المراجعة الحقوقية لهذا الطرح فيما يتعلق بالمواثيق الدولية خاصة قانون الطفل الذي تم تعديله في عام 2008,الذي يضمن للطفل كرامته.
قضايا المياه في أفريقيا
وعقدت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب ندوة بعنوان قضايا المياه في أفريقيا والتي شارك فيها الدكتور أيمن عبد الوهاب خبير الشئون الأفريقية ومياه النيل,والدكتورة أماني الطويل -متخصصة بالشئون الأفريقية,ودار الحوار حول أهمية نهر النيل الذي يعد من بين 50نهرا علي مستوي العالم,ولكنه يتميز بأنه يجري من الجنوب إلي الشمال مما يعد هبة ربانية,والحفاظ علي مياه الشرب نقية.
أكد الدكتور أيمن عبد الوهاب أن القضية تتزايد في تشابكها حيث ارتباطها بمفهوم الأمن القومي خاصة أن مصر تعتبر من الدول التي تصنف علي أنها تعاني من الفقر المائي وكذلك السودان,وإنما الوضع في مصر أكثر حرجا,وختم الدكتور أيمن كلمته بالتأكيد علي قضية تسييس المياه والتي ارتبطت بقضية التنمية وأصبحت هناك قضايا استراتيجية تتحكم في هذا الملف.
ركزت الدكتورة أماني الطويل أثناء كلمتها علي المياه المالحة خاصة مياه البحر الأحمر,ووصفتها بأنها حديث الساعة,وأشارت إلي تحول البحر الأحمر إلي أحد مصادر التهديد للأمن المصري,وركزت أيضا علي ثلاثة محاور أساسية: المصالح الإسرائيلية,والتحركات الدولية والعربية,والسياسات المقترحة لسياسات الأمن القومي.
تطرقت الدكتورة أماني إلي قضية القرصنة البحرية,وهي أكثر الظواهر انتشارا في الآونة الأخيرة منذ عام 2005 وتزايدت في عام 2008.
عنف المعلومات
خصص المعرض إحدي جلساته لمناقشة كتاب عنف المعلومات لمؤلفه جمال الغيطاس,وأشار الدكتور السيد ياسين -مدير الندوة والباحث والمحلل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلي أننا ما زلنا في العالم العربي لم ندرك بعد العمق المعلوماتي الحادث في العالم كله,وأن ترتيب مصر في الحكومة الإلكترونية متأخر.
أما جمال الغيطاس مؤلف الكتاب والصحفي بجريدة الأهرام أشار إلي أن صور العنف متعددة منها عنف المعلومات عن طريق امتلاك واحتكار المعلومات من قبل أي دولة وحجبها وتوظيفها بالطريقة التي تراها مناسبة لها,مثل استخدام المعلومات في الانتخابات ضد مرشح معين لصالح مرشح تابع أو موال للسلطة.
كما أعطي صورة أخري لعنف المعلومات من خلال القدرة علي إفساد المعلومات منها قيام أشخاص بالتلصص علي المعلومات الخاصة بالآخرين واستخدامها بطريقة قد تضر بهم,وطالب بإعادة هيكلة التشريعات لتلائم عصر المعلومات للتعامل مع عنف المعلومات.
تمت الإشارة إلي أن البعض اعتبر القضية المعلوماتية هي قضية تكنولوجيا,ولكن في حقيقتها هي قضية سياسية واقتصادية واجتماعية بل وثقافية,فمن خلال المعومات يمكن التعامل مع أي قضية,فكل شئ له نظير,فالعنف يقابله عنف رقمي,والاقتصاد يقابله الاقتصاد الرقمي,حتي الابتزاز يقابله الابتزاز الرقمي.
آفاق جديدة
تتمتع علاقات الشرق بالغرب باندماج الثقافات وتنوعها,من خلال الموروثات الثقافية والعولمة,وارتباطها منذ الماضي وحتي الآن في شتي المجالات الثقافية والعلمية والمعلوماتية,هذا كان محور إحدي ندوات المعرض.
قال موريزيو فالس -المدير العام لقسم النشر بوزارة الثقافة الإيطالية إن العلاقات بين الشرق والغرب تتمتع بنوع من الحرية الثقافية وذلك في المعلومات الثقافية خاصة بين مصر وإيطاليا عن طريق وزارتي الثقافة المصرية والإيطالية علي مدي قرون ماضية والتي وصلت لقمتها,وتجلي ذلك واضحا في مكتبة الإسكندرية,وذلك لتقوية التاريخ بين البلدين في التنوع الثقافي.
وتناولت ربنتا مافبوتوني -الملحق الثقافي بالسفارة الإيطالية الإسهامات الإيطالية بدعم الثقافة لتقارب الشعوب,وتعاونها لتقريب وجهات النظر في الأمور الدولية والسياسية,ووضع خطة للنهوض بالعقول لتفتحها وتنويرها,وإزالة الشوائب التي تصطدم بها العقول بدون رؤية واضحة عن العلاقات الثقافية,والتي تؤدي إلي تشويه الصورة للمواطن العادي دون المثقف المطلع علي الحضارات.
ومن جانبها أكدت الدكتورة حنان منيب -مستشارة رئيس الهيئة العامة للكتاب أن هناك برامج بين الدول العربية لتبادل الثقافات بين الدول بعضها البعض.
الشباب والتراث المصري
ارتباط الشباب بالتراث المصري القديم كان عنوان ندوة ضمن ندوات معرض الكتاب,وأكد المشاركون بها أن ارتباط الشباب بالتراث يأتي من خلال ارتباط وتعريف المفاهيم القديمة للشباب والأجيال القادمة,عن طريق المحاكاة,والأفلام التصويرية,والمعلومات العامة بالمتاحف,وذلك بعرض الماضي والحاضر,مما يساعد علي إعطاء تصورا للمستقبل,وتنويرا للعقول.
قالت أهداف سويف كاتبة ومفكرة في الأدب الإنجليزي إن ارتباط الشباب والأطفال يكمن في أهمية الدولة لمعرفة الأجيال بالماضي والحث علي ارتباطهم بالتراث المصري القديم.
أما عن المعوقات أوضحت سويف أنه من بين المعوقات التي يقابلها الشباب اليوم,عدم وضوح الرؤية الثقافية المصرية في المناهج الدراسية سواء بالمدارس أو الجامعات,مثل دراسة التاريخ دون قالب تاريخي توضيحي,مما يؤدي إلي الابتعاد والنفور من معرفة التاريخ وبالتالي عدم معرفة التراث المصري,وهذا ما تشهده اليوم العملية التعليمية بكل مراحلها المختلفة.
أما كارولين بيري -مديرة متحف بتري للآثار المصرية والسودانية بلندن قالت إن التعليم في لندن يقوم علي معرفة الماضي,والتراث القديم من خلال رؤية واضحة من جانب الحكومة بنشر المعرفة,والقيام ببرامج وبحملة قومية لتعريف التراث عن طريق المتاحف من خلال البرديات والنقوش القديمة التي تشرح النهضة العمرانية والثقافية المصرية.
قالت سارة خاطر -مديرة متحف سوزان مبارك للطفل إن الثقافة المصرية بها معرفة ومعلومات يجب أن تترجم إلي الأجيال القادمة,من خلال تعلمها وإدراجها بسهولة ضمن المناهج والمقررات الدراسية.
أشارت إلي أن المتحف يهتم بالطفل والشباب من خلال برامج ثقافية مختلفة لتعريفهم بالتراث المصري القديم.
هليوبوليس مدينة الشمس
نظم المعرض ندوة حول ترجمة كتاب بعنوان هليوبوليس مدينة الشمس تولد من جديد للمؤلفين أجيسكا دوبرفولسكا,وياروسلاف دوبرفولسكي,وقام بترجمته إلي اللغة العربية الدكتور محمد عناني أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة.
استهل الدكتور مصطفي رياض أستاذ الأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة عين شمس حديثه بأن هليوبوليس أو مدينة الشمس هي المكان الذي تلاقت فيه مصر وأوربا علي امتداد المائة عام الأخيرة بشتي الأشكال المبدعة والمثمرة,وأنه ما زالت المباني المنشأة في بواكير تاريخها تجمع بين الخطوط المعمارية العربية وما يتصل بها من مآذن وقباب بالتصور الأوربي لمدينة الحدائق التي نشأت في أوربا لتصحيح ما ألم بمدنها من تلوث واختناقات,من جراء الثورة الصناعية.
أشار الدكتور مصطفي إلي أن ترجمة هذا الكتاب الذي صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2008,هو ندرة ما كتبت عن مصر الجديدة عبر تاريخها الذي يمتد إلي ما يربو علي 200 عام.
أما الدكتور ماهر شفيق -رئيس قسم الدراسات اليونانية واللاتينية بجامعة القاهرة وصف الكتاب بقوله: نحن في أشد الاحتياج إلي مثل هذه الدراسات البينية,والروابط بين مختلف أنواع المعرفة وتطبيق هذا علي مدن وقري أخري في بلادنا,وأننا في احتياج لكتاب وصف مصر جديد كالذي كتبه علماء الحملة الفرنسية,باعتباره إضافة قيمة لتاريخ مصر القديمة,ودعوة لرؤية حضارية تتخطي الخطوط الإقليمية.
—-
علي هامش المعرض
تضمن معرض القاهرة للكتاب هذا العام نشاطات موسيقية,وعروضا مسرحية وسينمائية وأمسيات شعرية,وأقيمت 42ندوة ثقافية,إلا أن هناك بعض الإيجابيات والسلبيات رصدتها وطني من خلال آراء رواد المعرض من الجمهور والنقاد…
إيجابيات…
التنظيم كان جيدا,وبالنسبة للناشرين كان الموضوع أكثر تنظيما عن السنوات السابقة,كما اختفت ظاهرة الباعة المتجولين بتوفير أكشاك مخصصة لبيع المأكولات,بالإضافة إلي زيادة عدد الناشرين إلي 22ناشرا عن العام الماضي,كما شاركت فيه كوريا الجنوبية للمرة الأولي وكذلك روسيا التي تستعد لحلولها ضيف شرف المعرض للعام المقبل.
سلبيات…
أعرب بعض المثقفين عن استيائهم وغضبهم بسبب إلغاء المقهي…فبالرغم من أنه كان مكانا لتناول المأكولات بأسعار عالية نسبيا إلا أنه كان بالنسبة للمثقفين الاستراحة الوحيدة المتوفرة بالمعرض,بالإضافة للازدحام الشديد وانتظار الرواد علي أرصفة شارع صلاح سالم انتظارا لفتح البوابات,والذي تحدد فتحها في الثانية بعد الظهر يوم الجمعة,بالإضافة إلي غياب بعض المشاركين,نظرا لسياسة عدم التجمهر خاصة بعد صلاة الظهر تنديدا بأحداث غزة الأخيرة,مما أبطل فعالية زيادة عدد الرواد في المعرض وحجب كمية كبيرة من الحضور لعدم توافق المواعيد بالنسبة لهم.