وحيد حامد واحد من أهم كتاب الدراما في مصر والعالم العربي. وإلي جانب حرفيته المبهرة في نسج السيناريو. فهو مفكر له رأي واضح ضد الإسلام السياسي وحكم الدولة الدينية.
بهذه الحرفية والفكر الراقي خرج مسلسل الجماعة ليرصد تاريخ درامي لأول جماعة راديكالية معاصرة من جماعة الإسلام السياسي, وتعد الأم التي ولدت وأرضعت كل جماعات العنف الديني التي مازالت تثير القلاقل في العديد من بلدان العالم, وهنا تكمن الصعوبة في كتابة مثل هذا العمل عن الإخوان المسلمين هذا التنظيم الذي مازال باقيا منذ أكثر من 80 عاما علي نشأته, ورغم الضربات الموجعة التي وجهت له سواء في عهد الملك فاروق -وزارة النقراشي تحديدا- أو في عهد عبد الناصر. لم ينكسر حلمه يوما في الوصول إلي الحكم, وإقامة الدولة الدينية, وعلي الرغم من الاعتماد الواضح علي مراجع عديدة تكتب في تيتر المسلسل, ومنها المذكرات الخاصة بحسن البنا إلا أن الإخوان شنوا هجوما شرسا علي المسلسل وذلك منذ أن كان مجرد فكرة. فهم يعشقون السرية والمسلسل يضعهم في بؤرة الضوء, وهم يقدسون مؤسسهم حسن البنا والمسلسل يقدمه إنسانا له عيوب ومزايا.
وهم يخططون بالمراوغة. ويتكلمون بالتقية, والدراما تكشف وتفضح مهما قيل عن الحياد في الكتابة, فالدراما لها وجهة نظر بالأساس, والحياد فيها أكذوبة كبري وإذا حدث فينتج عنها عمل بلا لون ولا طعم, وظهر ذلك في مشهد مهم بالمسلسل عندما ذهب وكيل النيابة -حسن الرداد- لشراء كتب عن الإخوان فقال له البائع… الكتب التي مع الإخوان تجعلك تتمني أن تكون واحدا منهم, والكتب التي ضدهم تجعلك تتمني حدوث معجزة تخلصنا منهم!!.
هكذا تفعل المقالات والكتب, أما الدراما فهي من البداية تتبني وجهة نظر واضحة ومحددة, فمن خلال نفس المذكرات التي اعتمد عليها وحيد حامد يمكن لكاتب آخر أن ينسج عملا مغايرا تماما للجماعة, وهو ما يحاول الإخوان فعله الآن ليظهروا حسن البنا في عمل درامي يرضي تصورهم عنه, واستغل الإخوان الصورة اللطيفة التي قدم بها المسلسل في حلقاته الأولي رجال الأمن وقالوا إن المسلسل مكتوب بتكليف من الحكومة لكي يشوه الإخوان علي الرغم من كم المديح الذي قدمه لحسن البنا والثناء علي ذكائه وقوة شخصيته. والكاريزما الخاصة به, ونجح الممثل العتيق في الأداء الشاب في الروح إياد نصار في تقديمه بإبهار شديد -وهو نجاح حقق جاذبية للشخصية.
المشاهدون الذين وجدوا في المسلسل دعاية لجماعة الإخوان كانوا في البداية رافضين لفكر الإخوان ولم يتوقعوا رؤيتهم علي الشاشة. وخاصة في الحلقات الأولي التي أظهرت الجماعة كجماعة دينية تحارب الفساد الأخلاقي ولها طابع مثالي خاصة مع مقارنة هذه المشاهد مع المشاهد المعاصرة التي انتقدت الكثير من الفساد الذي نعاني منه حاليا (رشوة – بطالة – استغلال نفوذ – المرور…. إلخ) وسرعان ما تراجع هذا الفريق بعد ظهور التنظيم الخاص الذي أسسته الجماعة للاغتيالات وارتكب عدد من الجرائم المنفرة. (اغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر عام 1945 واغتيال الخازندار عام 1948 والعنف والتفجيرات ضد الممتلكات اليهودية واغتيال النقراشي بعد قرار حل الجماعة عام 1948). فقد أكدت هذه المشاهد والتي قدمها المخرج محمد يس ببراعة هائلة وأن الدين يفسد السياسة والسياسة تفسد الدين.
أشار المسلسل إلي ضيق الأقباط من الجماعة في كلمات عابرة, ولم يقدم أية مشاهد تكشف الرؤية الإخوانية المتعصبة ضد الأقباط.
جاء السيناريو قويا في سرد حياة البنا حيث تألق أحمد مالك في طفولة البنا ثم إياد نصار بعد ذلك وأحمد راتب في دور النحاس باشا ومحمد أبو داود في دور النقراشي باشا, ولم يكن السيناريو بنفس القوة في الرصد المعاصر, كما جاء أداء حسن الرداد ويسرا اللوزي باهتا, ونجح المخرج محمد يس في صناعة صورة قوية جذابة, أما موسيقي عمر خيرت فلا تحتاج إلي تعليق بل تحتاج إلي تصفيق من القلب للموسيقار الكبير.
وأخيرا المسلسل حالة من الجدل والإبداع والمتعة والتساؤل, وسوف يبقي كثيرا في ذاكرة الدراما المصرية.