في تصريح للمتحدث باسم رئاسة الجمهورية عقب اختتام المباحثات بين الرئيس محمد حسني مبارك والرئيس السنغالي,أعلن أن مصر ترفض ما يسئ للدين الإسلامي والمسلمين وأن مصر عازمة علي استصدار قرار يحث المجتمع الدولي علي التصدي لازدراء الأديان…هذه دعوة وطنية مباركة من الرئيس مبارك يؤيدها ويناصرها جميع الناس في أنحاء العالم علي اختلاف مشاربهم وأديانهم ومعتقداتهم,ونرجو الله ألا تبدي الدول الكبري ما درجت عليه من ازدواجية المعايير ما يعطل هذا القرار علي غرار ما حدث مع الدعوة إلي مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب…
إن ما يحدث بين الحين والحين من ازدراء للأديان بحجة حرية الإعلام حينا وبحجة واجب الدعوة حينا آخر ما هو إلا جريمة تخفي تحت عباءتها شرا داهما يهدد الأمة ويشيع روح التعصب والكراهية ويخلق حالة من التوتر والاستفزاز وما يتبعها من فوضي وجرائم إرهابية تحركها تطلعات سياسية آثمة,فضلا عن إتاحة الفرصة للربط الظالم بين الإرهاب والإسلام…
لقد زين شيطان ما لرسام مغمور في دولة الدانمرك أن ينشر رسوما توحي بالإساءة إلي دين الإسلام ونبي الإسلام…وهو يعلم تماما أن دين الإسلام ونبي الإسلام أكبر كثيرا وأعلي مقاما من أن يتأثرا بهذا الهراء…وهو في واقع الأمر لا يتوجه بهذه الرسوم إلي الشعب الدانمركي…فالشعب هناك إما عازف عنها أو معارض لها,وآية ذلك تلك المظاهرات الحاشدة التي انتظم فيها الآلاف من الشعب الدانمركي احتجاجا وشجبا لتلك الرسوم وناشرها…وإنما يتوجه بها إلي الشعوب الإسلامية بقصد إثارتهم ضد مواطنيهم من الديانات الأخري,الأمر الذي شاهدناه في إندونيسيا عقب الإعلان عن تلك الرسوم من تدمير لإحدي الكنائس,وما نراه علي أرض الوطن من استنفار ومناخ غير صحي…
عشنا زمانا جميلا لم تكن فيه حساسية في الخطاب الديني,حيث كان الالتزام وقبول الآخر أمرا مألوفا…ثم أصبح الزمان غير الزمان,فإذا بخطاب إسلامي يتعارض مع روح الإسلام يسلك توجها مختلفا في الإعلام وعلي المنابر وفي الكتب المنتشرة علي الأرصفة وفي واجهات المكتبات داعيا إلي ازدراء الدين المسيحي ورفض الآخر…ومع زيادة الجريمة التحريضية,زادت مساحة التعصب الديني مما أدي إلي جرائم إرهابية منها ما حدث في الإسكندرية وفي صعيد مصر…
وليس ببعيد كتاب ””التكفير”” للدكتور محمد عمارة والذي تحمل كاتبه أمام الله والضمير والوطن والتاريخ وزر الدعوة لإباحة سفك دم المسيحيين شركاء الوطن بالرغم من روابط الأرض والتاريخ والجغرافيا…وأيضا كتاب الدكتور نصر الله محمد البراجة أستاذ الفلسفة بجامعة جنوب الوادي الذي أؤتمن علي تكوين فكر وشخصية طلابه في كلية الآداب بقنا,فإذ به يلقنهم في كتابه تكفير المسيحية ويتطاول علي كتابها المقدس ليشيع في نفوسهم الكراهية والازدراء بما يتداعي عنه من تحركات إرهابية عانت منها البلاد عناء مدمرا…
ونحمد للدولة سحب الكتاب من السوق استجابة لصرخة وطنية علي صفحات جريدة ””وطني”” فضلا عن استهجان الكثير من الكتاب والمفكرين من الإخوة المسلمين.
ومن العجيب حقا أن نري جريدة قومية كبري وقد سمحت لداعية شهير أن ينشر عبر صفحاتها تفسيراته من تهجم علي الدين المسيحي وكتابه المقدس…!
وعلي الجانب الآخر نري إعلاما في قناة ””الحياة”” يشارك في إذكاء روح التعصب يتقول به القس زكريا بطرس من تعرض لشريعة الآخر بحجة حرية التعبير وحق الرد علي دعاوي التكفير والازدراء…في حين أن ذلك الأسلوب الإعلامي لا يوقف تلك الدعاوي بل يؤججها ويزيدها اشتعالا.
ومن المسلم به أنه ليس من حق المسلم أن يتهجم علي الشريعة المسيحية وكتابها المقدس,وليس من حق المسيحي أن يتهجم علي الشريعة الإسلامية وقرآنها الكريم…
إن جماعة المثقفين تنحصر حواراتها بشأن حملات ازدراء الأديان وتداعياتها علي شجبها وإدانتها في مجالسها خلف الأبواب المغلقة,ولا تتخطاها إلي عامة الشعب حيث تتفشي الأمية الفكرية وتسود ثقافة دينية تبعد عن جوهر الدين…
إن الأمر جد خطير ويستلزم التعامل بحكمة إعلامية مع ما يصدر من أفعال أو أقوال غير مسئولة تسئ للأديان,كما يقتضي الأمر إعادة النظر في بعض البرامج الإعلامية التي تشوه الوجه الحضاري لمصر…مع عدم المساس بالحريات الإيجابية للتعبير وإبداء الرأي.آن الأوان لمصادرة كتب التحريض والإثارة التي تعطي انطباعا خاطئا للربط الظالم بين الإسلام والإرهاب…وعلي القائمين علي العملية التعليمية والتربوية في مصر إعادة الحقبة القبطية علي صفحات الكتب الدراسية بعد تجاهلها وتغريبها لعقود عدة مرت علي مصر,والعمل علي ترسيخ مبادئ المواطنة والتعايش وقبول الآخر لدي الأطفال في المدارس,وعلي الأسرة المصرية أن تلتزم بتلقين الأبناء منذ الصغر ما أوصت به الأديان من مبادئ الأخلاق والفضائل والتكافل وقبول الآخر…
ومن البشائر في هذا المجال ما أقرته لجنة الاقتراحات في مجلس الشعب بتعديل قانون العقوبات لتغليظ عقوبة ازدراء الأديان علي كل من روج لذلك بأية وسيلة من الوسائل المقروءة أو المسموعة أو المرئية…ولعل في قانون منع التظاهر في دورالعبادة ما يحفظ لها قدسيتها وحمايتها من الفوضي والحيلولة دون تحويلها لمراكز للشحن والتحريض والاستعداء في خطوة حاسمة لفصل الدين عن السياسة وتفادي تسييس الدين,والحفاظ علي ما يدعو إليه من ثقافة محبة وصلاح للمجتمع المصري.