تصاعدت أحداث ميدان التحرير منذ خطاب المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وبالرغم من اتفاق غالبية القوي السياسية علي عقد الانتخابات البرلمانية في موعدها وإجراء الانتخابات الرئاسية قبل يوليو المقبل, إلا أن ثوار التحرير أعلنوا العصيان والاعتصام ويرفضون مغادرة الميدان قبل تشكيل حكومة إنقاذ وطني وتسليم السلطة إلي مجلس رئاسي مدني.
حول تصاعد الأحداث الأخيرة ومدي تأثيرها علي الانتخابات في ظل الانفلات الأمني,تقدموطنيهذا التحقيق.
قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد أستاذ القانون الدستوري ونائب رئيس المجلس القومي الإنسان الأسبق: فشل السلطة الحالية في ضبط أمور البلاد, يعمق الأزمة ويجعل الدولة عرضة لهروب المزيد من الاستثمارات والجميع يعلم مدي احتياج المجتمع في الفترة الحالية لأقل الفرص من هذه الاستثمارات وماتم الاتفاق عليه في اجتماع المجلس العسكري هو حتمية إجراء الانتخابات في موعدها المحدد غدا بشرط توفير كل السبل لتأمين عملية الإدلاء بالأصوات وكافة مراحل العملية الانتخابية برمتها, لكن في ظل الظروف التي تمر بها محافظات الجمهورية خاصة ميدان التحرير, فقد ينتابني تخوف من أن ما يذهبون إلي صناديق الانتخابات غدا يكونون أقلية, وبالتالي تكون العملية الانتخابية في مجملها غير معبرة عن الناخبين وإرادتهم وهذا ما تناولنا مع المجلس العسكري خلال المناقشة التي استمرت لعدة ساعات.
وأضاف د.أبو المجد بقوله:تطرقنا للأمور التشريعية الخاصة بتسليم السلطة في موعد أقصاه 30يونية لكن يجب أن تجري الانتخابات البرلمانية أولا, مشيرا إلي أن موجة العنف قد تؤدي إلي بطلان الانتخابات في بعض الدوائر وبالتالي استمرار مسلسل عدم الاستقرار بالبلاد مما يجعل المجتمع يخسر كل يوم الملايين ونصبح أمام لحظة صعبة.
قد تصبح مصدرا للصراع!
أما محمد زارع مدير المؤسسة العربية للإصلاح الجنائي أوضح بقوله:مايحدث في ميدان التحرير وأغلب محافظات الجمهورية يؤكد أن الثورة مازالت مستمرة, ولم تنته بعد,خاصة وأن المجلس العسكري يتعامل مع الموقف بنفس الطريقة التي كان يتعامل بها النظام السابق.
وأضاف قائلا:الشارع المصري لديه مشاكل عديدة لم تحل بعد, والمجلس العسكري يتعامل معها أيضا بنفس الأسلوب, الذي يتسم في كثير من المواقف بالأنانية والجنوح إلي الانفراد بالقرار, وفي أحيان أخري بالانحياز لقوي سياسية أو أكثر علي حساب باقي التيارات, ومستقبل الانتخابات البرلمانية المزمع أن تبدأ غدا قد تصبح مصدر صراع مستقبلا نظرا لعدم تمثيل بعض القوي السياسية ومنهم بعض الشخصيات المرشحة للانتخابات مشيرا إلي أن ضعف هذا التمثيل قد يخلق أجواء طائفية تسحقنا للوراء.
وحول إطلاق لفظ ديموقراطية الدولة بدلا من مدنيتها نوه زارع إلي أن مدلول المدنية يؤكد عدم كونها عسكرية أو دينية, مؤكدا أن هناك قوي سياسية أصبح كل أهدافها هو فقط الانقضاض علي الشرعية والسلطة وبالتالي عدم انتهاء الثورة بعد.
البداية هي الانتخابات البرلمانية
وعلقت أمينة النقاش نائب رئيس حزب التجمع قائلة:الأحداث التي تشهدها مصر حاليا مؤلمة وتدعو للأسف الشديد لكن البداية كانت مع نزول أعضاء الإسلام السياسي إلي ميدان التحرير للتنديد بما جاء في وثيقةالسلمي يتعلق بمناقشة ميزانية القوات المسلحة,ليس لهذا السبب فقط,وإنما لأن التيار الإسلامي لديه قناعة أنه سوف يحوز علي أغلبية الأصوات, وبالتالي لايجب لأحد أن يشاركه في ذاك التصويت, وفي سبيل إثبات ذلك وقع في عدة محاذير منها القيام برفع أعلام لدول أخري غير مصرية في هذه المظاهرة وترديده شعاراتإسلامية-إسلامية فهم من دعوا لاستمرار الاعتصامات في الميدان وبالتالي فقد تجاوزت الشعارات المرفوعة للهدف المعلن من قبل والخطة التي وضعت تبدأ بالانتخابات البرلمانية, ثم انعقاد الجمعية التأسيسية للدستور في مارس القادم, وبعدها تجري الانتخابات الرئاسية ورغم كل ذلك يسعي التيار الإسلامي للاستحواذ علي السلطة بينما هم خسروا كثيرا في الأيام السابقة.
واستطردتالنقاش قائلة:في هذا الوقت العصيب أطلب فقط من الناخبين تأمل مسألة ترويع المجتمع, وإشاعة الفوضي في البلاد نتيجة لبعض التصرفات غير المسئولة من جانب جماعات الإسلام السياسي فتغيير كلمةمدنية إليديموقراطية تدعو إلي الاندهاش الشديد وتكشف نوايا الاستمرار في التمييز في كافة مناحي الحياة سواء بين المسلم وغير المسلم أو بين الرجل والمرأة وغيرها من مظاهر التمييز لذلك فعلينا أن ننظر إلي حال الدول التي حكمها التيار الإسلامي سواء في السودان أو أفغانستان أو غيرهما, فلا نري سوي قمع المعارضين وملاحقتهما, والتقليل من قيمة المرأة وغيرها.
أكد الدكتور سمير مرقس – عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أنه رغم خطاب المشير طنطاوي لاتزال أعمال العنف مستمرة وما يحدث في التحريرغاية في السوء, خاصة أن انفلات الأمور إلي ما هي عليه نتيجة فض اعتصام سلمي بالقوة, وهو ما أدي إلي تفاقم الأوضاع بصورة لم يتوقعها أحد, مؤكدا أن تسليم السلطة إلي مجلس مدني وحكومة إنقاذ وطني كانت السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة, مع محاسبة المتورطين في استخدام القوة المفرطة مع المتظاهرين, والتعرف علي أسباب انفلات الأمور بهذه الدرجة.
عبر عن عدم تفاؤله بما يحدث الآن, خاصة أنه سبق أن حذر من الموجة الثانية للثورة منذ فبراير الماضي, وكان من الضروري أن تحدث هذه الموجة, لاستكمال ملفات لم تحسم بعد, ولكنه علي المدي البعيد هناك تفاؤل بتغير الأوضاع للأفضل, ولكن يشترط توافق القوي السياسية حول مستقبل النظام السياسي والاقتصادي لمصر,فهناك قضايا جوهرية لم يتحدث أحد عنها وانشغل الجميع بملفات وقضايا فرعية.
التوتر في تزايد
من جانبه حذر القس رفعت فكري – راعي الكنيسة الإنجيلية بشبرا – من استمرار التوتر في ميدان التحرير وتصاعد الأمور دون حسم, واعتبر مطلب الثوار برحيل المجلس العسكري فورا وتشكيل مجلس رئاسي مدني أمرا صعب المنال, نظرا لأن المؤسسة العسكرية تدير البلاد منذ عام 1952 وليس من السهل أن تتخلي فجأة عن السلطة.
وأوضح أن الاحتكام للاستفتاء الشعبي إذا اقتضت الضرورة كحكم بين ثوار التحرير وبقاء المجلس العسكري في الحكم خطوة جيدة خاصة أن الشعب وحده يقرر مستقبله وعلي الكل احترام الإرادة الشعبية في اختيار المصير.
اعتبر فكري أن الحل الأمن للخروج من الأزمة هو البدء في وضع دستور جديد للبلاد, ثم انتخابات رئاسية ثم انتخابات برلمانية, بينما ما يحدث في الوقت الراهن إهدار للوقت ومزيد من الشقاق بين الصفوف الوطنية,أما الوضع الحالي فهو غير مستقر ويشجع علي إثارة الفوضي.
الشكوك تتزايد
من جانبه قال سيد عبد العال – أمين عام حزب التجمع:في ظل حالة الانفلات الأمني المتزايد منذ اندلاع تظاهرات ميدان التحرير يوم 18 نوفمبر الجاري من قبل جماعة الإخوان المسلمين تزايدت الشكوك بطبيعة الحال لدي المواطنين في مدي قدرة الأمن و الجيش في توفير الحماية أثناء عملية الانتخابات و علي أي حال ما يحدث الآن في التحرير وكافة ميادين مصر يطرح تساءل هل الثورة تسير في مسارها الذي اختاره الشعب يوم 25 يناير أم أنها تواجه عقوبات ؟!
نوه إلي أن أهداف الثورة كانت واضحة لتحقيق الحرية و العدالة الاجتماعية وكرامة المواطنين يترجم في دستور يقر حق المواطنة في دولة مدنية حديثة تحترم فيها العقائد والاتجاهات السياسية والفكرية وغيرها لتجد النتيجة أنه لا شيء تحقق حتي الآن بل جاء في الاتجاه المعاكس وحدث تفعيل لحالة الطواريء ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية, والتصدي بعنف لمتظاهرين سلميين في حين عدم انتهاج ذلك الأسلوب للتصدي للبلطجية وهو ما جعل هناك حالة من الانفجار إلي ما يحدث في ميدان التحرير وميادين أغلب المحافظات من مشاحنات ربما قد يترتب عليها تأجيل الانتخابات لاستعادة الأجواء.
وركز عبد العال أن الحل كخطوة أولي يكمن في الإسراع بإنهاء المرحلة الانتقالية والانتقال إلي دستور يؤكد علي مدنية الدولة ومن ثم انتخاب رئيس جمهورية,ومن جانب آخر لابد من السلطات الحاكمة أن تبرهن علي انحيازها للعدالة الاجتماعية كمطلب ثوري ممثل في وضع حد أقصي للاجور ورفع الضريبة التصاعدية علي الشركات المساهمة مع تعديل الموازنة العامة واهتمام أكثر بالخدمة الصحية والتعليمية ودراسة صرف بدل بطالة للخريجين وأن يعلن برنامج اجتماعي يحدد تلك المطالب فمنذ حكومة شفيق إلي حكومة شرف لم تعط أي انطباعات منحازة للعدالة الاجتماعية في المقابل تخضع تحت ضغوط للقوي السياسية الاسلامية بزعم أن هؤلاء هم القوي الحقيقية للثورة علي حساب القوي الليبرالية .
وعن التحول من مدنية الدولة إلي المطالبة بدولة إسلامية أشار عبد العال بقوله:لم تكن رغبة أي مصري أن تنفي صفة الإسلام عن شرعيتها ولكن ما نرفضه هو من يطلب أن يحكم مصر باسم الإسلام فلابد من الفصل بين الدين والدولة فما نحتاجه هو حكم مصر بدستور يضعه المصريون بالتوافق بين كل طوائفه بما يحافظ علي حقوق وواجبات أقليته قبل أغلبيته ومن ثم تصدر كافة القوانين التي تشرع ذلك, فمدنية الدولة لاتطالب بأي مرجعية أخري سوي الدستور فقط.
غموض الرؤية وراء تصاعد الأحداث
أما د.جمال عبد الجواد – مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام سابقا أوضح بقوله:إلغاء الانتخابات في ذلك التوقيت إذا ما استمرت الأوضاع علي هذا النهج بتلك الفوضي والانفلات ستصبح كارثة لكونها الأمل والخطوة الوحيدة المؤكدة في عملية نقل وتسليم السلطة وانتخاب سلطة ممثلة عن الشعب ومن ثم فأي قرار بإلغائها بالطبع أمرا سيثير غضب وحفيظة كل المصريين بزيادة حدة الشكوك بالأكثر.و كان من المفترض ألا تتصاعد الأمور بهذه الصورة لمجرد الاختلاف في الرؤي حول صدور وثائق تقرر مدنية الدولة من عدمه لتتحول من مليونية سلمية الي حرب دامية لولا عدم وضوح الرؤية. أضاف بقوله:نتمني الفترة القادمة أن يصبح لدينا برنامج زمني محدد ومباديء دستورية واضحة ويبقي للتفاوض عليها بين القوي السياسية المختلفة علي أن يتوقف المجلس العسكري عند حد إدارة البلاد.فالوضع حاليا في حاجة لرؤية واضحة وقواعد محددة لتنظيم عملية التظاهر تسمح بمعرفة الحقوق والواجبات وحرية التعبير.
و شدد د .عبد الجواد أنه في حالة إتمام عملية الانتخابات في موعدها علي المواطنين النزول للأدلاء بأصواتهم غير عابئين بمثل هذه الأحداث من خلال التأكيد علي الدور الإعلامي كرسالة توضيحية لأهمية إنقاذ الثورة في أولي خطواتها و هي إتمام انتخابات حرة نزيهة آمنة لأن هناك من يسعي وراء تلك الأحداث لترويع وترهيب المواطنين من النزول للشارع من باب إهدار الأصوات في وقت مصر في أشد الحاجة لمن ينقذها مما وصلت إليه,ومن ثم لابديل عن المشاركة الإيجابية.
حملات انتخابية علقت
من جانبه نوه محمد حامد عضو الهيئة العليا لحزب المصريين الأحرار بصرف النظر عن الأحداث التي تشهدها مصر حاليا,فالفترة المتاحة للحملة الدعائية كانت ضيقة للغاية لما حدث من أمور تشويشية خلال الفترة التحضيرية حيث الاتفاق علي الرموز أو الأرقام و غيرهما وهو ما ساهم بدوره في تأخير الحملات لكافة المرشحين و مع اندلاع الأحداث زادت صعوبة الأمر وعلي كل مرشح أن يتحرك للشارع و يتحدث عن برنامجه و بالتالي ضغطت المدة بالأكثر وهناك من علق حملته الانتخابية نظرا للأوضاع غير المستقرة التي تنبيء بعدم إتمام العملية الانتخابية إذا ما استمرت الأمور مضطربة.
وتساءل بقوله:وإلي الآن لم نستطع تحديد من في صالحه تعطيل الانتخابات كثيرون يقولون أياد خفية وعناصر خارجية ولكن المجلس العسكري الجهة الوحيدة التي من مصلحتها ذلك إذا ما رغبت البقاء في الحكم رغم تأكيده عكس ذلك إلا أنه لم يكن هناك أي قوي أخري من مصلحتها تعطيل الانتخابات حتي فلول الحزب الوطني بعد صدور حكم لصالحهم في الترشح للانتخابات لم يكن لديهم أي شبهة تورط في مثل هذه الأحداث.
وعلق اللواء فؤاد علام -الخبير الأمني ووكيل جهاز أمن الدولة الأسبق بقوله:لم أكن متوقعا من قبل الأحداث بإتمام الانتخابات بصورة آمنة لتأتي الأحداث لتؤكد ما لدي من مخاوف بصعوبة تأدية الانتخابات وسط تلك الأجواء المشحونة و تلك الحروب و الصراعات,وهو ما انعكس بدوره علي البعض منا بعد الحماس بالسؤال عن موعد الانتخابات والاستعداد للنزول للشارع والمشاركة في الإدلاء بأصواتهم اختلف الوضع بطبيعة الحال بتخاذل الجميع والتراجع خوفا من تعرضهم لأي مخاطر بكونها لا تنبيء بالخير .
وعن تفسيره للغز غياب الأمن المتعمد لتهيئة الوضع أمام المواطنين للنزول للشارع يوم الانتخابات دون خوف ذكر أنه لم يكن هناك أي تفسير واضح لما يحدث وأي تحاليل يدلي بها فهي بعيدة تماما عن الحقيقة وغير مبنية علي أسس فلا أحد بإمكانه في هذه الفترة تفسير أو تحليل ما يجري من أحداث لغموض الصورة و عدم وضوح رؤيتها.