هناك انقسام بين صناع القرار في الولايات المتحدة في شأن مصير تدهور العلاقة الأمريكية – الصينية وإذا كان ما يحدث بين البلدين العملاقين تدهورا حقيقيا أو أنه عاصفة في فنجان. إيران تحتل موقعا مميزا في موازين العلاقة بين الولايات المتحدة و الصين, لكنها ليست وحدها ما يقلب كفة الميزان في اتجاه أو آخر. فكما في إيران و السودان كذلك اليمن والعراق وأفغانستان هناك مزيج من التنافس والتعاون الاستراتيجي بين البلدين. أجواء التوتر هذه الفترة سببتها الخلافات علي تايوان و غوغل واتهامات القرصنة الصينية عبر الإنترنت لأجهزة شركات أمريكية. إنما هناك داخل المؤسسة السياسية – العسكرية الأمريكية من يشير إلي تعاون وثيق بين الولايات المتحدة والصين في التحالف ضد القرصنة في الممرات المائية الأساسية لمرور النفط من منطقة الخليج وغيرها, ويقول إن لا توتر هناك علي الإطلاق بل إن السياسة الصينية براغماتية تركز علي المصالح المشتركة وفي مطلعها حرية الملاحة وحراسة الممرات النفطية الرئيسية.
ما يحدث لتلك العلاقة ينعكس بالتأكيد علي حلف إيران وما يتشعب عنه
لجهة طموحاتها النووية وعلاقاتها الإقليمية. قيام الولايات المتحدة بنشر أنظمة مضادة للصواريخ في دول مجلس التعاون الخليجي لا يشكل نقلة نوعية في العلاقة مع تلك الدول وإنما يبعث رسالة ردع وطمأنة إلي كل من إيران وإسرائيل.
علي رغم ذلك, هناك كلام عن تحول في التكتيك والاستراتيجية للرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد مرور سنة صعبة علي رئاسته, بعضه يتعلق بمنطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط ومعظمه يصب في التحدث بلغة المصالح الاستراتيجية الأمريكية.
ليس واضحا من سيكون علي حق: أولئك الذين يقولون إن من المبكر إطلاق الأحكام علي الأوبامية لأنها لم تختمر بعد ولأنها لا زالت في صدد شراء بعض الاستقرار في العلاقات الدولية… وأولئك الذين يقولون ان الأوبامية فشلت وأن باراك أوباما لن يتمكن من الحصول علي ولاية ثانية إذا لم يكف عن سياسة الإرخاء والاحتضان.
الذين يتحدثون عن التحول في سياسات الرئيس الأمريكي التكتيكية والاستراتيجية يقولون إنه إما محاولة لإنقاذ الرئاسة أو أنه ملامح نمو باراك أوباما في البيت الأبيض وإدراكه ضرورة التحدث بلغة المصالح الأميركية العليا. هذا يعني صيانة موقع الدولة العظمي وحماية المواقع والممرات النفطية والتفكير استراتيجيا بلغة الواقعية السياسية – الجغرافية.
العراق, مثلا, بدأ يعود الي الواجهة ليس من زاوية تنفيذ استراتيجية الخروج وإنما من ناحية ضرورة إعادة النظر في العراق من منظار قيمته الاستراتيجية والنفطية في الاعتبارات الضرورية للمصالح الأمريكية.
هنري كيسنجر كتب في واشنطن بوست محذرا من عواقب إهمال العراق وتجاهل مركزيته في التوازن الاستراتيجي مع إيران.
آخرون بدأوا يتحدثون بلغة الحاجة إلي كف باراك أوباما عن اعتبار استراتيجية الخروج من العراق إنجازا واستبدال ذلك باستراتيجية حماية المصالح الأمريكية المباشرة بمعني الشركات النفطية وغيرها, والمصالح القومية العليا بمعني إدراك أهمية العراق الكبري في تموضع الصين في مركز الدولة العظمي أو في احتفاظ الولايات المتحدة بالاستفراد بهذا الموقع.
المؤسسة العسكرية – السياسية لا توافق بالضرورة علي أن إدارة باراك أوباما تجاهلت العراق, وهي تري ان الرئيس الجديد لم ينقلب علي السياسات الأمريكية بخطوطها العريضة, بل إنه سار إلي الأمام بما وصلت إليه السياسة في أواخر عهد جورج دبليو بوش. وهناك رأي يقول إنه ليس هناك من جديد مدهش في مختلف الملفات بل إن الأمور ليست بالضرورة سيئة.
في اليمن, مثلا, تري هذه الأوساط أن الهزيمة التي ألحقتها المملكة العربية السعودية زادت من عزم أقطاب القاعدة علي استخدام اليمن نقطة تجمع وانطلاق للانتقام من المملكة ومن دول الخليج ككل. وتري أن جيران اليمن هم الذين سيتحملون عبء إنقاذ اليمن من أنياب القاعدة ومن الانزلاق وذلك من خلال الآتي: الإصرار علي الحكومة اليمنية بأن عليها وقف النار مع الحوثيين والتفاهم مع الجنوبيين ومن خلال الأموال من أجل التمكن من وضع اليمن علي مسار الاستقرار.
أما في ما يتعلق بالمساهمة الدولية في اليمن, فتري هذه الأوساط أن التحالف البحري الذي يتخذ من المنامة مقرا له وتشارك فيه سفن أمريكية وأوربية وروسية وصينية وكذلك باكستانية هو الذي يستحوذ علي الأولوية.
فالمصالح المشتركة المتمثلة في حرية وحماية ملاحة السفن المحملة بالنفط أبرمت شراكات لن تتأثر بالخلافات مهما كانت عابرة أو شرسة. فلقد تم إنشاء هذا التحالف قبل أكثر من سنة وهو تحالف بحري لا تشارك فيه دول عربية سوي قلة منها وبمشاركة ضئيلة. أما روسيا والصين وأوربا والولايات المتحدة, فهي في خندق واحد عندما يتعلق الأمر بحماية الممرات المائية.
الأوساط السياسية – العسكرية لا تتوقع مواجهة أمريكية – صينية في شأن إيران علي رغم احتداد لهجة الخلافات بسبب تايوان و غوغل وقرصنة الإنترنت وزيارة المرشد الروحي والسياسي لـ التيبت الدالاي لاما المنتظرة إلي الولايات المتحدة. فهي تتوقع نوعا من البناء علي المواقف الإيرانية الأخيرة التي عبر عنها الرئيس محمود أحمدي نجاد في شأن تخصيب اليورانيوم خارج إيران وكذلك تلك المتعلقة بالإفراج عن الأمريكيين المحتجزين في إيران. هذا يؤدي إلي تأجيل طرح مشروع قرار تعزيز العقوبات علي طهران, وبالتالي إنه يؤدي إلي تجنب أي مواجهة دبلوماسية مع الصين أو بين الدول الكبري الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تحرص علي الإجماع في صفوفها إزاء حلف إيران النووي.
كل هذا يفيد أن ازدياد لغة التوتر والبلاغة في توقع مواجهات عسكرية في منطقة الشرق الأوسط وبالذات في لبنان إنما هي مفرطة بل قد لا يكون لها أساس في هذا المنعطف. فليست هناك مؤشرات واقعية علي رغبة إيرانية في التصعيد العسكري عبر حزب الله في لبنان أو عبر غيره, لأن طهران تحسن قراءة العلاقة الأمريكية – الصينية وتري أن المصالح المشتركة أقوي من أن يهددها رفض إيران الإذعان للمطالب الدولية التي تلاقي الإجماع.
كذلك إسرائيل, إنها بدورها تفهم لغة المصالح وتدرك أن الإجماع الدولي ليس في اتجاه السماح لها بضرب إيران أو توريطها في لبنان. ولذلك, من المستبعد أن تتعمد استفزاز مواجهة عسكرية. فجزء من الأنظمة المضادة للصواريخ من نوع باتريوت في بعض دول مجلس التعاون الخليجي هدفه ردع إسرائيل عن ضرب إيران وردع إيران عن الانتقام بعمليات ضد دول مجلس التعاون أو ضد المنشآت النفطية. جزء من الطمأنة أيضا موجه إلي إيران وإسرائيل معا برسالة فحواها ان هناك تضامنا بين دول المنطقة ومع الولايات المتحدة علي أن لا أحد يريد لإيران استفزاز إسرائيل ولا أحد يريد لإسرائيل ضرب إيران.
فأجهزة باتريوت دفاعية وليست هجومية وهي موجودة في منطقة الخليج منذ غزو الكويت. وبالتالي أن الجديد فيها هو الضجة التي رافقتها مع العلم أن التعاون العسكري بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون أدي إلي إنفاق أكثر من تريليون دولار. إضافة إلي ذلك لا روسيا ولا الصين أطلقت صفارات الإنذار من هذه الأجهزة بل إن هناك مؤشرات علي تفهم وتفاهم عليها.
في أفغانستان أيضا هناك تفاهم وتفهم حيث إن روسيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) يتعاونان جدا والصين تشارك في التعاون وإن كان بدرجة أقل, دول مجلس التعاون أيضا دخلت الشراكة في ملف أفغانستان حيث تري أن مساهماتها مفيدة لها علي المدي القريب والبعيد, مباشرة وكطرف في الشراكات الدولية.
رئيس أفغانستان حميد كارزاي طلب من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن يلعب دورا مباشرا في المساعدة في المصالحة الأفغانية أي بما في ذلك مع طالبان. في ذلك الطرح محاولة لاستدراج المملكة العربية السعودية لتتحمل مسئولية ليست في حاجة إليها. فهي جزء من شراكة دولية فيها مسئولية مشتركة, ولا حاجة بها لتحمل مسئولية انفرادية إن كان لفشل مصالحة وطنية أو كان لنجاحها عبر تأهيل لـ طالبان قد تلام عليه.
فالكل يعرف أن هذه مرحلة الشراكات علي رغم المهاترات – الإقليمية منها أو تلك التي بين العمالقة كالصين والولايات المتحدة. والجميع يتموضع.
* الحياة اللندنية