يحتل عيد قيامة السيد المسيح المكانة الأولي بين الأعياد المسيحية علي مستوي العالم إيمانا من المسيحيين بأنه لو لم يقم المسيح فالكرازة به باطلة وباطل هو إيمانهم كما يقول الكتاب: وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل إيمانكم (1كو15:14). وإن كانت الأعياد السيدية الكبري سبعة فهو تاجها وعلي رأسها. تنبأ عنه المزمور فقال: هذا هو اليوم الذي صنعه الرب نبتهج ونفرح آه يارب خلص آه يارب أنقذ. مبارك الآتي باسم الرب باركناكم من بيت الرب (مز118:24-26). وبات الكتاب المقدس يسطر لنا الآيات النبوية التي لا حصر لها عن المسيح القائم كما دون لنا إشارات ورموزا تشير لنا أنه في ملء الزمان سيأتي المخلص ويصلب ويدخل القبر ثم يرجع حيا منتصرا علي الموت. ولعل خروف الفصح كان أهم هذه الإشارات والرموز, ولكن علمنا الآباء أنه عندما جاء المرموز إليه انتهي الرمز.
العلاقة بين الفصح والقيامة
تمتد جذور عيد القيامة المقدسة إلي الفصح اليهودي الذي فرضه الرب علي الشعب في القديم كأول عيد كما جاء في سفر الخروج ويكون لكم هذا اليوم تذكارا فتعيدونه عيدا للرب في أجيالكم تعيدونه فريضة أبدية (خر12:14). فذبيحة الفصح في العهد القديم التي كانت سببا في خروج الشعب من العبودية وإنقاذهم من الهلاك كانت رمزا وإشارة إلي الحمل الإلهي الذي ذبح علي الصليب من أجل العالم كله ليفديهم ويخلصهم من عبودية الشيطان وهذا ما يفهم من المعني العبري لكلمة فصح وهو الاجتياز والعبور وهو عبور واجتياز الملاك المهلك عن كل بيت عليه علامة دم الخروف المذبوح (خروف الفصح) الذي كان حسب أمر الرب يحفظ عندهم إلي اليوم الرابع عشر من شهر نيسان حتي يتحقق للأسرة سلامة الخروف وأنه بلا عيب وذكر وابن سنة (حولي). وهذا ما حدث مع السيد المسيح الذي دخل إلي أورشليم يوم أحد الشعانين وصلبوه يوم عيد الفصح ليكون هو فصح العهد الجديد كما يقول الرسول: لأن فصحنا أيضا المسيح قد ذبح لأجلنا (1كو5:7). ويقول أيضا: ليبطل الخطية بذبيحة نفسه (عب9:26). ومن هذا المنطلق اعتاد المسيحيون في القرون الأولي أن يطلقوا علي عيد القيامة أنه عيد الفصح المسيحي وبهذا المفهوم كتب لنا القديس غريغوريوس النزينزي في الخطبة 19: إنه ملك الأعياد وعيد الأعياد. أما القديس يوستينوس فقال: خروف الفصح اليهودي كان رمزا إلي المسيح فصحنا أيضا الذي ذبح لأجلنا. وهكذا القديس كيرلس السكندري ويوحنا ذهبي الفم (347-407) الذي قال: إنه إكليل الأعياد وأعظمها ويوم الرب العظيم. كما أشار إلي عيد القيامة كل من ترتليانوس وإيريناوس وأوريجانوس الذي شهد قائلا: إن عيد القيامة كان محفوظا في الكنيسة ويحتفل به كغيره من الأعياد. ولكن عزيزي القارئ لا أستطيع أن أخفي أن القرن الثاني الميلادي كما يقول الدكتور رشدي واصف في كتابه: التقويم وحساب الأبقطي سجل لنا جدلا طويلا بين فريقين من الكنائس حول تحديد عيد القيامة فالمسيحيون في آسيا الصغري وكيليكيا وبين النهرين وسوريا كانوا يعيدون في اليوم الرابع عشر من شهر نيسان العبري تذكارا للصلب واليوم السادس عشر من الشهر المذكور تذكار للقيامة.. والفريق الآخر وهم المسيحيون في بلاد اليونان ومصر والبنطس وفلسطين وبلاد العرب فلم يجعلوا ليومي 16, 14 نيسان أهمية بقدر أهمية الجمعة كتذكار للصلب والأحد تذكارا للقيامة واستندوا في ذلك إلي تسليم القديسين بطرس وبولس. ولكن في عام 198م انعقد مجمع روما المكاني برئاسة البابا فيكتور وأيد البابا ديمتريوس الكرام في رأي كنيسة الإسكندرية الذي أقره مجمع نيقية فيما بعد وحسم الجدل حسب تعاليم الآباء الرسل.
عيد القيامة وتعليم الآباء الرسل
جاء في كتاب الدسقولية (تعاليم الآباء الرسل) الذي جاء في مقدمته: نحن الاثني عشر رسولا الذين لابن الله الوحيد ضابط الكل ربنا ومخلصنا يسوع المسيح اجتمعنا معا بأورشليم مدينة الملك العظيم ومعنا أخونا بولس الإناء المختار رسول الأمم ويعقوب أخونا أخو الرب أسقف هذه المدينة أورشليم وقررنا هذه التعاليم. وفي الباب الحادي والثلاثين الذي فيه التعاليم عن الأعياد فقالوا: احذروا أن تعيدوا مع اليهود لأنه ليست لكم الآن معهم شركة لأنهم ضلوا وأخطأوا وزلوا.. أما عيد القيامة الذي لربنا ومخلصنا يسوع المسيح فلا تصنعوه في يوم من الأيام البتة إلا يوم الأحد وصوموا في أيام الفصح وابتدئوا من يوم الاثنين إلي الجمعة والسبت وهي ستة أيام تنالون فيها الخبز والملح والماء فقط.. وأما الجمعة والسبت فصومهما معا لمن يقدر ألا يذوق شيئا إلي وقت صياح الديك بالليل, وإذا لم يقدر الإنسان أن يصوم اليومين معا فليحفظ يوم السبت.. ففي هذه الأيام المذكورة أخذ اليهود السيد المسيح منا وعلقوه علي الصليب.. ويكون صومكم في ثاني الأسبوع وتفطرون وقت صياح الديك بكرة أول الأسبوع الذي هو يوم الأحد. ومن تعاليم الآباء نخلص بأن عيد القيامة لا يحتفل به إلا يوم الأحد وهذا ما تقوم به كنيستنا القبطية, إذ تعتبر أن كل يوم أحد هو تذكار القيامة المقدسة وأيضا نفهم أن عيد القيامة هو الأحد التالي للفصح اليهودي لا معهم ولا قبلهم مع الوضع في الاعتبار أنه يمكن أن يتأخر عيد القيامة عن الفصح اليهودي بأسبوع أو اثنين حسب القاعدة الحسابية المتبعة لذلك في حساب الأبقطي. وكان لمجمع نيقية الذي اجتمع عام 325م ووصل عدد الحضور فيه إلي 318 أسقفا وعدد ليس قليل من الآباء القساوسة والشمامسة الفضل في توحيد الاحتفال بعيد القيامة وهذا لما أصدره الإمبراطور قسطنطين في منشوره بعد المجمع بخصوص تحديد عيد القيامة وتوحيده, ولكن التابعين لكنيسة روما والتابعين للتقويم الغربي انفصلوا وانفردوا في احتفالهم بعيد القيامة بعدما أجري البابا الروماني غريغوريوس الثالث عشر في عام 1582م تعديلا للتقويم وأصبحوا تابعين لتقويمهم الأفرنجي وهذا يجعلهم يتقمون بالاحتفال بعيد القيامة علي الكنائس الشرقية, ولكن تحديد عيد القيامة في الكنيسة القبطية هو الأقرب إلي الصواب لأنه حسب قوانين وتعاليم الآباء الرسل وانفراد كنيسة الإسكندرية بالمعرفة الفلكية وحساب الأبقطي عن بقية العالم وهذا ما جعلني أفتخر بما سطره المتنيح العلامة نيافة الأنبا لوكاس مطران منفلوط وأبنوب الأسبق في كتابه التحفة اللوكاسية في هذا الشأن إذ نراه يقول: للكنيسة القبطية حساب دقيق له روعته التاريخية ومتانته التقويمية التي تضمن استخراج ذبح الخروف (فصح اليهود) في موعده الأصلي وتحديد الأحد الذي يليه موعدا لعيد القيامة تحديدا كنسيا شرعيا قانونيا منسجما مع أحكام القوانين الرسولية التي حتمت علي المسيحيين بألا يعيدوا فصحهم مع فصح اليهود ولا قبله. ومما سبق نستطيع أن نقول إن عيد القيامة له جذور تاريخية قديمة اخترقت أعماق التاريخ واستمرت حسب تعليم الكتاب فريضة أبدية تتوارثها الأجيال وهي معتزة بفصحها الذي اجتاز وعبر بها من عالم القيود والمذلة إلي من حقق ما قاله النبي هوشع منذ 500 عام ق.م: من يد الهاوية أفديهم من الموت أخصلهم أين آباؤك يا موت أين شوكتك يا هاوية تختفي الندامة عن عيني (هو13:14). ما أعظمه عيدا غرس جذوره في أعماق التاريخ وكانت ثماره في أعلي السموات. وإلي اللقاء في يوم عيد آخر.
المصادر: الكتاب المقدس- الدسقولية- اللآلئ النفيسة في شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة للمتنيح القمص سلامة يوحنا سلامة- التحفة اللوكاسية للمتنيح العلامة الأنبا لوكاس أسقف منفلوط الأسبق- التقويم وحساب الأبقطي للشماس الدكتور رشدي واصف- الأعياد للراهب القمص مرقوريوس الأنبا بيشوي.
[email protected]