في الوقت الحالي, نحن بين مرحلتين, النظام القديم, الذي يتمثل في مؤسسات عصر ريغان التي أسست علي فكرة أن السوق يتسم بالكمال وأن لا حق للحكومة, وهذا نظام يتلاشي شيئا فشيء, ونظام جديد, يلعب فيه وول ستريت دورا ضعيفا بينما تلعب فيه واشنطن دورا أكبر, وهذا النظام في مرحلة الميلاد, ولكن تبدو العملية مؤلمة وستطول.
في الأول, رفض مجلس النواب الأميركي دعم خطة الإنقاذ التي تقترحها الإدارة, وبإلقاء اللائمة علي كلمة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي (التي لفتت من خلالها الانتباه إلي ما قام به قادة الحزب الجمهوري بمجلس النواب في صياغة التسوية) ستفوتنا الصورة الأكبر, حيث يطلب المقترح من الجمهوريين الإقرار بعجز السوق والاعتراف بقدرة الحكومة علي وضع الأمور في نصابها الصحيح. كما طلب من الجمهوريين أن يتبرأوا من نظرتهم العالمية وأن يسيروا ضد المعتقدات التي كانت سببا رئيسا في دفع الكثيرين منهم إلي الدخول في معترك السياسة. (ولكن بعد إجراء بعض التعديلات علي الخطة أجازها مجلس النواب الأميركي).
وعليه, فإنه في الوقت الذي يعاني فيه الأميركيون من أزمة مالية, يعاني الجمهوريون بمجلس النواب من أزمة معتقد, وفضل معظمهم الالتزام بمعتقده بغض النظر عن التبعات المالية التي سوف تلحق بالوطن.
كانت المقترحات المضادة التي قدمها الكثير من النواب الجمهوريين يشوبها الكثير من الخطأ, لدرجة أنه يمكن النظر إليها فقط علي أنها حلول تعتمد علي المعتقدات لمشاكل أفرزتها التجربة. تتساقط البنوك وبيوت الاستثمار كما لو كانت أحجار دومينو, ولحل أزمة تبخر رأس المال تلك, اقترح النواب الجمهوريون تقليل ضرائب مكاسب رأس المال. هل نعتقد أنه لم يهرع المزيد من المستثمرين لإنقاذ ليمان وبير وإيه أي جي ووتشوفيا…الخ, لأنهم حسبوا أن الضرائب علي مكاسب رأس المال التي سوف يدفعونها كانت كبيرة؟
مرة أخري, كان مشروع القانون الذي عارضه الجمهوريون في ذاته وثيقة انتقالية, توحي إلي حد ما بالدخول إلي نظام جديدة مع أنه صمم بالأساس لدعم النظام القديم. ويمكن إرجاع المخاض السياسي لخطة الإنقاذ إلي تصوراتها, فهي عبارة عن مقترح في ثلاث صفحات لوزير الخزانة الذي كان يشغل منصب المسؤول التنفيذي الأعلي بأكبر البنوك الاستثمارية نجاحا في وول ستريت, وتدعو الخطة إلي شراء القروض المعدومة للمؤسسات المالية مقابل أسعار سوف يحددها وزير الخزانة دون رقابة عليه. هذا هو كل ما في الأمر. وقد أجريت تعديلات ذات مغزي علي مشروع القانون الذي كان قد رفع إلي مجلس النواب, فقد وضع المشروع احتمالية أن يكسب المواطن فائدة محدودة علي الأسهم في بعض البنوك, كما وضع قيودا علي أجور المسؤولين التنفيذيين في وول ستريت, كما سيسمح لضرائب عمليات الأسهم بتغطية أية خسائر عامة إذا ما استمرت بعد خمسة أعوام.
ولكنها وصفت في مرحلة الميلاد بأنها خطة إنقاذ وول ستريت, قامت بذلك وزارة خزانة لم تر المشاكل السياسية الواضحة التي نشأت, من الممكن أن يقر مجلس النواب مشروع القانون مع إجراء بعض التغيرات الشكلية. أو قد يكون إنقاذ وول ستريت بأموال عامة خطوة تزعج الكثير من النواب من مختلف الأطياف السياسية ويتم رفض المشروع مرة أخري. ومن الواضح فعلا أننا سوف نخرج من تلك الأزمة بعدد أقل من البنوك, ولكنها ستكون أكبر, ونتيجة لعمليات الدمج الأخيرة التي نظمتها البنوك, سوف تتحكم ثلاثة بنوك وهي جي بي مورغان تشيس وبنك أوف أميركا وسيتي غروب في قرابة ثلث الودائع, وسوف تكون أكبر كثيرا من أن تفشل, وسوف تكون كبيرة بالدرجة التي تمكنها من تحديد السعر عندما يرغب الأميركيون في الاقتراض. ومن ثم, سيتطلب الوضع تنظيما أكثر إحكاما مما كنا نفرضه علي البنوك من قبل, وهذا هو الميدان الذي يجب فيه علي الحكومة بذل المزيد, فمع مؤسسات مالية تقدم قروض بمعدلات أقل, سيكون علي الحكومة الاستثمار بصورة أكبر في الاقتصاد الأميركي لتقليل آثار الركود ولبناء البنية التحتية التي سوف تعزز من التنافسية الأميركية في الاقتصاد العالمي.
ليست هي البنوك الاستثمارية التي سوف تسقط في المجزرة الأخيرة, ولكنها فكرة الرأسمالية غير المقيدة, التي تعود لفكر ريغان. وإذا لم يجد الجمهوريون وسيلة لتحرير أنفسهم من معتقدهم في أساليبهم القديمة, فإنهم قد يضمنوا بذلك أن الحزب الجمهوري نفسه سوف يكون أحد ضحايا سياسة عدم تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية.
##واشنطن بوست##
نقلا عن الشرق الأوسط