قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(557)
ونحن علي أعتاب الانتخابات البرلمانية وذهاب المصريين إلي مراكز التصويت لانتخاب مرشحي البرلمان عن المرحلة الأولي,يستمر الجدل في الدوائر السياسية والإعلامية حول شرعية مشاركة مجموعة الأحزاب ذات المرجعية الدينية في الانتخابات.ومع هذا الجدل تواصل تلك الأحزاب-وعلي رأسها حزب النور-مباشرة حقها في الدعاية الانتخابية,الأمر الذي يؤجج الجدل ويفجر تساؤلات عديدة حول مغزي السكوت عن مواجهة وضع الأحزاب الدينية وموقف اللجنة العليا للأحزاب من ذلك الأمر…ويتطور الجدل إلي تكهنات مقلقة تتحدث عن فوات الأوان وعن التهديد بإيقاف العملية الانتخابية برمتها إذا صدرت أحكام القضاء الآن بحظر نشاط وترشيحات الأحزاب الدينية,بل يصل الأمر بالتكهنات إلي حل البرلمان نفسه إذا تمهلت أحكام القضاء في هذا الصدد إلي ما بعد انتهاء الانتخابات وانعقاد البرلمان!!!…وطبعا تكون النتيجة أن الجميع يصبون جام غضبهم علي لجنة الأحزاب ويطالبون الدولة باتخاذ موقف سياسي منها,لكن الحكماء يرفضون ذلك ويصرون علي أن أي قرار يخص إيقاف الأحزاب الدينية يجب أن يصدر عن القضاء وبموجب الدستور والقانون.
وها هو القانون يأخذ مجراه في هذا الاتجاه,ليس بايقاف نشاط الأحزاب الدينية ولكن بإدانة صمت وتقاعس لجنة الأحزاب عن القيام بدورها الذي ألزمها به القانون في خطوة تنبئ ببدء مسار تعقب الأحزاب الدينية وإقصائها عن الساحة السياسية,بالرغم من التوجسات التي ذكرتها عاليه حول مردود ذلك-سلبا-علي مسار الانتخابات البرلمانية…جاء ذلك بناء علي حكم محكمة القضاء الإداري الذي صدر في12سبتمبر الماضي في الدعوي رقم76029 لسنة 69 قضائية والمقامة من الأستاذ عصام الإسلامبولي المحامي ضد رئيس لجنة الأحزاب السياسية بصفته.
تدور وقائع الدعوي التي أقامها المدعي بتاريخ2015/9/8 حول تقدمه بطلب إلي رئيس لجنة الأحزاب السياسية بتاريخ2014/10/14 ذكر فيه أن مجموعة من الأحزاب التي تطلق علي نفسها أنها أحزاب ذات مرجعية دينية قوامها عشرة أحزاب وهي:النور-الوسط-الأصالة-الفضيلة-الوطن-البناء والتنمية-الإصلاح والحضارة-العمل الجديد-الاستقلال-مصر القوية,باشرت ممارسات معادية لإرادة الشعب بهدف اسقاط ثورة 30يونية كما باشرت أنشطة معادية لمبادئ الديمقراطية ولها تكونيات شبه عسكرية وشاركت في اعتصامات رابعة والنهضة,وكان يتعين علي لجنة الأحزاب السياسية مراجعة برامج تلك الأحزاب للتأكد من مطابقتها للدستور والقانون ورقابة ممارساتها,إلا أن اللجنة تقاعست عن القيام بدورها المحدد في القانون ولم تتخذ أي أجراء حيال الطلب المقدم منه.
وفي نهاية دعواه يذكر الأستاذ عصام الإسلامبولي ما يؤكد التوجسات التي ذكرتها حين يقول:أطلب وقف تنفيذ القرار السلبي للجنة الأحزاب بالامتناع عن بحث طلبي وذلك في ضوء صدور قرار الدعوة لانتخابات مجلس النواب.وحتي تتم إجراءات الترشح علي وجه سليم ولا تشكل خطرا علي مجلس النواب القادم…والواضح الآن أننا نواجه ذلك الخطر فعلا!!
نظرت محكمة القضاء الإداري تلك الدعوي وأصدرت حكمها في12سبتمبر الماضي بقبول الدعوي شكلا ويوقف تنفيذ القرار السلبي للجنة شئون الأحزاب السياسية بالامتناع عن اتخاذ الإجراءات القانونية إزاء الطلب المقدم إليها من المدعي بتاريخ 2014/10/14 للتحقق مما ورد به في شأن مدي توفر الشروط المحددة في الدستور وفي القانون رقم 40لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية بشأن الأحزاب المشار إليها…والأهم من الحكم ما ورد ضمن حيثياته حيث أورد الآتي:
00دفع هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوي مردود عليه بأن الطعن علي قرار لجنة شئون الأحزاب يدخل في الاختصاص النوعي لمحكمة القضاء الإداري وبالتالي فإن ذلك الدفع غير قائم علي أساس سليم ويتعين رفضه.
00دفع هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوي لرفعها من غير ذي صفة مردود عليه بأن المدعي مواطن مصري له الصفة والمصلحة في أن تتم مراعاة أحكام الدستور والقانون فيما يخص مباشرة الأحزاب السياسية لأنشطها ومشاركتها في الانتخابات العامة,ويكون الدفع غير قائم علي سند صحيح ويتعين رفضه.
00الدستور أقام بنيان الحياة السياسية في مصر علي أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة,وكفل للمواطنين حق تكوين الأحزاب بموجب إخطار ينظمه القانون, وحظر الدستور مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي أساس ديني أو بناء علي التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو علي أساس طائفي أو جغرافي,كما حظر الدستور ممارسة أي نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية أو نشاط سري أو له طابع عسكري أو شبه عسكري,كما حظر الدستور حل الأحزاب إلا بحكم قضائي,فلا يجوز حلها بقرار إداري.
00شرط عدم قيام الحزب في مبادئه أو برامجه أو في مباشرة نشاطه أو في اختيار أعضائه علي أساس ديني,لم يقصد منه النيل من الإسلام أو الأديان السماوية المنصوص عليها في الدستور,أو حرمان أتباع أي من تلك الأديان من ممارسة السياسة أو المشاركة في النشاط الحزبي,وإنما قصد منه ألا تستغل الأديان كوسيلة لبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد…ولا يجوز أن تزج بالأديان في آتون السياسة حتي لا تكون سببا لانقسام المجتمع,وتحل رابطة الدين محل رابطة المواطنة,الأمر الذي يزعزع أساس الوحدة الوطنية ويؤسس لطائفية بغيضة.
00إذا لجأ أحد المواطنين أو أحد الأحزاب إلي لجنة الأحزاب السياسية مدعيا أن حزبا أو أحزابا تخلف في شأنها أو زال عنها أحد الشروط المنصوص عليها في المادة(4) من القانون رقم 40لسنة1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية,وطلب من اللجنة اتخاذ الإجراءات القانونية,فإنه يكون لزاما علي اللجنة أن تفصل في الطلب وفقا للقانون بأن تحيل الطلب إلي النائب العام ليجري تحقيقا في شأنه ويقدم تقريره إلي اللجنة لتبت فيه,ولجنة الأحزاب السياسية لاتتمتع بسلطة تقديرية في أمر اتخاذ الإجراءات القانونية ولايجوز لها أن تتقاعس عن إحالة الطلبات التي تقدم إليها وإنما يحب عليها القيام باختصاصها الذي أنشأها المشرع من أجله دون تراخ,لأن امتناعها عن مباشرة اختصاصها ينعكس سلبا علي الحياة الديمقراطية في البلاد ويتعارض مع حق المواطنين في أن تجري ممارسة الحياة السياسية علي أساس من الدستور والقانون,كما يعد تخليا منها عن واجب عليها الالتزام به وعن ثقة وضعها الشعب فيها.
00لجنة شئون الأحزاب اعتصمت بالصمت ولم تتخذ أي إجراء في شأن طلب المدعي ومن ثم تكون قد أخلت بواجبها المحدد في القانون ويشكل مسلكها هذا قرارا إداريا غير مشروع يرجح الحكم بإلغائه عند الفصل في موضوع الدعوي مع إلزامها باتخاذ الإجراءات القانونية التي أوجب المشرع عليها اتخاذها في شأن الطلب المقدم إليها من المدعي.
000هذا الحكم يحمل إدانة باته للجنة الأحزاب السياسية,وذلك يشفي غليل كل من تساءل واستنكر واحتج إزاء صمتها وتقاعسها عن أعمال الدستور والقانون بشأن الأحزاب الدينية…لكن في الوقت نفسه ماذا عن مسار الانتخابات؟…وماذا سيترتب من نتائج-قد تكون مدمرة-علي برلمان بدأت بالفعل آليات انتخابه؟!!