يحتفل العالم هذه الأيام بعيد الحب، وهو عيد للإنسانية جمعاء، عيد للحياة والجمال والنور والإيمان والتراحم والعطاء والكرم والنبل والبقاء.
غريب أن يخصص العالم يوما واحدا خلال العام فقط للحب، فالواقع أن كل يوم من أيام الحياة هى حب فى حب. ألم تستيقظ كل صباح على تغريد الطيور وزقزقة العصافير ودعاء الكروان وموسيقى الكون الرائعة، أليس هذا النشيد المختلف النغمات ترحيبا بيوم جديد وكأنه يوم عيد للحياة تغنى فيه الطبيعة نشيد الحب والأمل؟
ألا يشدك هذا الجمال الطبيعى الإلهى والنور ينبثق من الظلمة وآشعة الشمس تتسلل بهدوء وفى روية شيئا فشيئا مع فجر يوم جديد، هو بمثابة يوم عيد للحياة والحب والتفاؤل؟
كاتب هذه السطور يعتقد أن الحياة كلها هى عيد للحب، وأننا نظلمها إذا اخترنا يوما واحدا لهذا العيد.
كل يوم نعيشه هو عيد للحب، فقد حبتك الحياة بيوم جديد تتمتع فيه بهذا الكون العظيم، وتبحث فيه عن رزقك وسعادتك. لا تقل ان الحياة مملة رتيبة سيئة أو أنك تكرهها دون سبب.. الحياة جميلة حلوة سعيدة مهما عانيت فيها من آلام وأمراض وأوجاع، فنظرة متأملة لهذا الكون الفسيح فى الصحراء عبر الرمال، أو على شاطئ البحر أو الأنهار، وإلى الزهور والورود اليانعة فى الحدائق الغناء، أو نظرة فاحصة لطفل أو طفلة تمنحك سعادة وهناء وتشعرك بسعادة يوم العيد، فالحب يجعلنا فى عيد دائم، والحياة كلها عيد للحب.
ومع ذلك فقد اهتم الانسان منذ اقدم الازمان بأن يخصص يوما للحب والاها للحب احتفاء بهذا الشعور الذى يربط بين الانسان واخيه الانسان وهذا الكون بكل ما فيه، المصريون عرفوا الحب والهة الحب، وكان هناكالاله(من) اله الحب والتناسل، اليونانيون امنوا بافرودايت الهة الحب والجمال، الرومان امنوا بفينوس الهة الحب والجمال، وهكذا حتى اتينا الى العصر الحديث وعيد الحب الذى يطلق عليه الغريبون عيد القديس فلانتين، أو يوم فالانتين Valentine Day ولهذا العيد حكاية ظريفة لا تخلو من مأساة حزينة: كان هناك راهب قسيس يدعى فلانتين عاش فى القرن لثالث عشر فى الامبرطورية الرومانية، تحت حكم الامبراطور كلاوديوس الثانى، شعر هذا الامبراطوران جيشه اصيب بالضعف والوهن فاخذ يبحث عن سبب ذلك، وهداه تفكيره الى ان حب الشباب والزواج هو سبب ضعف الجيش والرجال المحاربين وعلى الفور اصدر اوامره بمنع جنوده من الزواج حتى يحافظ على قوة الامبراطورية ويظل جنود جيشه بعيدين عن الحب والهوى ويهب روحه وكل حياته فداء الامبراطورية الرومانية العظيمة المقدسة، لم يعجب الراهب الاب فالانتين هذا الفرمان والامر بمنع الجنود من الحب والزواج، وشعر انه حرمان من الحياة نفسها، فلم يطبق هذا القرار واستمر فى مباركة المحبين وعقد الزواج لهم سرا، لكن الاخبار وصلت الى الامبراطور الذى جن جنونه وثار على هذا الراهب الذى لا يخضع للقوانين والفرمانات، وحاول ان يقنعه بالخروج من ايمانه المسيحى والعودة الى الايمان بالهة الرومان الوسنيين لكنه رفض التنازل عن مسيحته،فحكم الامبراطور عليه بالاعدام، وبين صدور الحكم وتطبيقه سجن الراهب فالانتين، وفى سجنه اغرمت به ابنة السجان وعشقته واخذت تزوره باستمرار، ويقال ان فالانتين قبل اعدامه كتب لها رسالة حب واحترام ذيلها بتوقيعه: من فالانتين الذى يعزكFrom your Valentine وهو التعبير الذى مازال يستخدم حتى الان فى معظم بطاقات التهنئة.
فى الرابع عشر منفبراير 259م تم اعدام فالانتين ليكون شهيدا من اجل ان يحب الشباب ويتزوج، اى من اجل الحب وهو الحياة نفسها، فمن غير حب لا تكون حياة ولا تستمر. ومن اجل تخليد القديس فالانتين SaintValentine شيدت فى روما وفى المكان الذى اعدم فيه كنيسة عام 350 م لكى يزورها العشاق فى ذكرى اعدامه ويترحمون عليه، فقدمات واعدام لانه رفض التنازل عن ايمانه المسيحى، وعن التوقف عن زواج العشاق والمحبين، لكل العشاق.
كان من تقاليد هذا اليوم ان تكتب اسماء الفتيات المجتمعات اللاتى فى سن الزواج فى لفافات صغيرة من الورق، وتوضع فى انية على منضدة ويدعى الشباب الذين يرغبون فى الزواج ليلتقط كل منهم ورقة من الانية وعندما يقرأ اسم الفتاة من الورقة ويعرفها يضع نفسه فى خدمتها لمدة عام، يختبر كل منهما خلق الاخر وطباعه، وهل يتوافقا معا ويمكن ان يتزوجا ام لا؟ فاذا وجد كل منهما راحة ورغبة فى الاستمرار مع الاخر والزواج منه حدث الزواج، وان لم تكن هناك راحة نفسية او توافق فان كل منهما يعيدان التجربة فى العام الذى يليه، وهذه تجربة مهمة تؤمن بالعقل وضرورة المعرفة والفحص قبل الزواج.
هناك راوية اخرى تذكرها المراجع عن عيد الحب تقول ان الرابع عشر من شهر فبراير 269 ليس بالضرورة تاريخاعدام القس فالانتين وان الكنيسة حددت ذلك اليوم بعدها بعدة قرون حتى تبطل الاحتفال بعيد وثنى اخر هو عيد(لوبريكاليا) كانت الامبراطورية الرومانية تحتفل به فى نفس اليوم، كما ان شهر فبراير يعتبر شهر بداية فصل الربيع وهو شهر التطهير حيث كانت المنازل تفرغ من الاثاث ثم ينثر اهل البيت حبوب الملح والقمح فى كل ارجاء البيت.
وكان عيد لوبريكاليا فى الخامس عشر من شهر فبراير وهو عيد ومهرجان التخصيب عند الرومانيين القدماء، وكان مخصصا للربة فينوس ربة الجمال والزراعة عند الرومان القدماء.
مع استخدام لغة القانون التى كانت قاصرة على المحاكم فى اغراض الحب الغزلى، تم انشاء.. المحكمة العليا للحب.. فى باريس يوم عيد فالانتين عام 1400، وكانت تلك المحكمة تختص بامور الحبكافة، كانت تتعامل مع عقود الحب والخيانات والعنف ضد المراة، وكان القضاة يتم اختيارهم بواسطة السيدات.
المهم ان تحتفل بالحب دائما، ليس يوما واحدا فى العام، بل طوال العام، فكل يوم هو حب، لان الحياة هى الحب، ودون الحب ليست هناك حياة، وكل حب وانت طيب.