قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (720)
في الحلقتين السابقتين من سلسلة مقالات مناقشة التعديلات الدستورية تناولت كافة بنود التعديلات المطلوبة من مجموعة الـ155 من نواب البرلمان وقمت بالتعقيب عليها… اليوم أعود إلي التعديل الأهم وهو الذي يطالب بتعديل مدة رئاسة الجمهورية لتصبح ست سنوات بدلا من أربع مع وضع ما يلزم من أحكام انتقالية… وعندما عرضت هذا المطلب ضمن طلبات التعديل تركت هذا السؤال يبحث عن إجابة: في حالة إقرار إطالة فترة الرئاسة من أربع إلي ست سنوات, هل يسري هذا التعديل علي فترة الرئاسة الحالية للرئيس السيسي, أم يبدأ سريانه علي الفترة التالية لإقراره؟… وكتبت أن هذا هو مربط الفرس الذي تتأهب لمتابعته كافة الدوائر.
دعونا أولا نعترف بأن الرغبة في إطالة فترة الرئاسة من أربع إلي ست سنوات ليست رغبة مطلقة تستهدف إطالة أمد رئاسة رؤساء لا نعرفهم سيخلفون الرئيس السيسي, إنما هي رغبة ملحة لتثبيت الرئاسة الحالية للرئيس السيسي استشعارا بالإنجازات العظيمة التي حققها خلال فترة حكمه وقيادته للبلاد علي الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية وغيرها من مجالات التطوير والإصلاح, الأمر الذي يخلق توجسا حول ضمان استمرار ذلك وعدم تعثره في حالة انقضاء فترة رئاسته الثانية عام 2022 وصعود شخص غيره إلي السلطة بموجب الدستور الذي يحظر تجديد انتخاب الرئيس أكثر من مرة واحدة.
كما يجب أن نعترف أن التوجس من صعود شخص آخر إلي السلطة حال انقضاء الفترة الثانية للرئيس السيسي عام 2022 مبعثه واقع الفراغ السياسي وتلكؤ الإصلاح الحزبي وانعدام الرؤية في قدرة التكتلات الحزبية -التي طال انتظارها- علي إفراز وتقديم قيادات سياسية تستطيع إقناع الجماهير بقدرتها علي القيادة ومواصلة مسيرة الإصلاح والتطوير والعمل المضني الدؤوب التي اضطلع بها الرئيس السيسي.
إذا الاحتياج إلي استمرار رئاسة السيسي واضح… وإدراك قصور الساحة السياسية عن توفير بديل يتسلم السلطة بعد نحو ثلاث سنوات واضح… لكن تبقي أسئلة في غاية الأهمية معلقة تبحث عن إجابات, وهي أسئلة دستورية أتصور أنها تقتضي إجابات دستورية أيضا, كما أتصور أن تلك الإجابات يتحتم أن تتبلور الآن ونحن في مرحلة مناقشة التعديلات الدستورية لتكون هادية للجميع قبل الذهاب لصناديق الاستفتاء:
** في حالة موافقة البرلمان علي تعديل مدة رئاسة الجمهورية لتصبح ست سنوات بدلا من أربع, هل ينطبق هذا التعديل بأثر رجعي أم يصير تطبيقه بعد تاريخ استفتاء الشعب وموافقته عليه؟… إن مبدأ امتناع الأثر الرجعي للأحكام يحول دون انسحابها علي الحالات السابقة علي صدورها وإقرارها, ويقتصر تطبيقها علي الحالات التي تنشأ لاحقة لتاريخ صدورها, فكيف نراهن علي دستورية انطباق تعديل مدة رئاسة الجمهورية علي فترة رئاسة الرئيس السيسي؟… هذا الأمر يستلزم أن تنظره أعلي الدوائر الدستورية وتفصل فيه قبل المضي في مسار التعديلات والاستفتاء.
** إذا تمت إجازة تعديل مدة الرئاسة من أربع سنوات إلي ست سنوات, وتمت إجازة انطباقها علي الفترة الحالية لرئاسة الرئيس السيسي, هل تنطبق علي فترة رئاسته الثانية -الحالية- فقط بحيث تمتد من 2018 إلي 2024, بدلا من انقضائها أصلا في 2022, أم تنطبق علي فترتي رئاسته ليضاف فارق سنتين لكل فترة أي يكون إجمالي الفترتين اثنتي عشرة سنة بدلا من ثماني سنوات وبذلك تضاف أربع سنوات علي فترته الثانية بحيث تمتد من 2018 إلي 2026؟… وهنا تبرز شبهة العوار الدستوري إذ ستكون مدة رئاسته للفترة الثانية ثماني سنوات وليست ست سنوات.
** لعلاج شبهة العوار الدستوري هذه, قد يري البعض تعديل فترتي رئاسة الرئيس السيسي لتصبح كل منهما ست سنوات, فتكون الفترة الأولي 2014-2020, وتكون الفترة الثانية 2020-2026, لكن في هذه الحالة ماذا يكون العمل والثابت في سجلات الدولة الرسمية أنه تمت عملية تجديد الرئاسة لفترة ثانية ترشيحا وانتخابا عام 2018؟
*** هذه كلها أسئلة دستورية تبحث عن إجابات ويتحتم نظرها بكل جدية ودقة للعبور إلي تعديلات فترات رئاسة الدولة بأمان… لكن في جميع الحالات لا يجب أن ننسي أبدا مسئولية التصدي لإصلاح الخريطة الحزبية والسياسية لتهيئة الساحة للتداول السلمي للسلطة بعد الرئيس السيسي… مهما امتدت فترة رئاسته.
أخبار ذات صلة