وصيتي هي:أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم,ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه(يو15:12-13) ما يحزننا أننا نعيش في عالم وكأننا وجدنا لينافس كل منا الآخر,أو ليتشاجر أحدنا مع غيره.من المحتمل أن يسأل شخص ما السيد المسيح:لماذا تطلب منا أن يحب أحدنا الآخر؟ أو يوجه له سؤالا آخرا:لماذا تضع علي عاتقنا حمل المحبة ومسئولياتها؟ بالطبع سيسمع الإجابة في الحال:لأنني فعلت هذا قلبكم وكنت مثالا حيا لكم جميعا.
فالمعلم بدون شك عاش المحبة الحقيقية وسدد التزاماتها كما أنه تحمل كل تضحياتها مطبقا الوصية إلي أبعد الحدود.إذا,فالمحبة هي الواجب الأساسي والجوهري لكل فرد منا,ومن لا يقدر علي المحبة,فسيكون مصيره الفشل والضياع فكلمة الله كالبذرة التي تدخل قلب الإنسان وتثمر وتنمو وتحمل ثمار المحبة والرحمة والغفران والعطاء والالتزام تجاه الآخرين والاهتمام بالضعفاء والمظلومين والمهمشين.وعندما نقرأ الإصحاح الخامس عشر من إنجيل يوحنا سنشعر بمطرقة تدق علي رؤوسنا لمعرفة واجبنا الأساسي تجاه بعضنا البعض وهو:كما أحبني الآب,فكذلك أحببتكم أنا أيضا.
اثبتوا في محبتي إذا حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما أني حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته(يو15:9-11),نجد في هذه الكلمات توازي بين الآب والمسيح من جهة,والسيد المسيح والتلاميذ من جهة أخري,كما أنها تبدأ من الآب وتنتهي به.لأن المحبة الحقيقية تجد ينبوعها ومصدرها في الآب وتمر منه للابن,ثم من السيد المسيح للتلاميذ.إذا…الرباط الذي يربط التلاميذ بالسيد المسيح هو متساوي مع ذلك الذي يربط المسيح بالآب,وثمر هذا كله الفرح الحقيقي لأن فرح التلاميذ لايقارن بالفرح الدنيوي الزائل,لأنه كامل ومثمر كفرح المعلم.هذا كله لا يكفي لأن السيد المسيح يدعونا أن نحب مثله:كما أحببتكم,لأنه أحبنا حتي النهاية,ولاتقتصر محبته لنا علي الأرض التي فيها عبر عنها ببذل ذاته من أجلنا,ولكنها محبة كاملة وشاملة وأبدية.فكانت محبة المعلم بدون مقياس علي عكس محبتنا المبنية علي شروط دنيوية,فنحن نحب كما نريد ونحدد متي نحب,ومن هؤلاء الأشخاص الذين يجب أن نحبهم,لذلك وصيتا السيد المسيح لنا:كما أحبني الآب وكما أحببتكم,تضعانا علي نهج المقياس الإلهي الذي يختلف تماما عن أفقنا الأرضي الذي أعتدنا عليه.
نحن نخدع أنفسنا وندعي بأننا نعرف جيدا معني المحبة,ولا نقر بأننا محتاجون إلي من يعلمنا المحبة,ولكن عندما نصطدم بكلام السيد المسيح:كما أحببتكم نكتشف أن المحبة هي مادة صعبة التعلم,وعندما نلتحق بمدرسة المعلم الإلهي نصل إلي نكران ذواتنا ونسيان أنفسنا وفقدانها من أجل الآخرين لأن المعلم عندما أحبنا لم يمكث في مكانه ولكنه تنازل وتخلي عن ذاته وصار عبدا وخادما بينما نحن نفضل المحبة التي لا تكلف شيئا ولا تحتاج إلي التخلي أو نكران الذات فنحن نريد أن نحب ونظل في مراكزنا,دون بذل أي مجهود أو ترك أي شئ من تلك الأشياء الأرضية التي نتعلق بها.
كم هو مريرا أن نخرج من ذواتنا وأنانيتنا أو حساباتنا أو راحتنا أو برامجنا اليومية أو مصالحنا الشخصية حتي ننزل للغير ونشعر بحضوره ووجوده ونتفاعل مع مشاكله ونحمل أتعابه علي عاتقنا للأسف نحن نريد أن نملك زمام الأمور حتي نحدد من الذي يستحق محبتنا,ومن ذا الذي يجب أن نحبه,ومن له النصيب من اهتماماتنا,لكن السيد المسيح يعلمنا أنه يجب ألا نستبعد أحدا من حبنا حتي الذين نعتبرهم ثقيلي الدم بالنسبة لنا أو الذين يصنعون الشر نحونا,كما أن المعلم الصالح يؤكد لنا أنه ليس من حقنا أن نحدد من هو الثريب لأن القريب يأتي كما يريد,وفي الوقت الغير مناسب,وبالطريقة الغير منتظره بالنسبة لنا,ويطل علينا كالعاصفة دون استئذان أيضا يعلمنا السيد المسيح أنه لا يوجد حب حقيقي إن لم يصل إلي عطاء ذواتنا قبل الأشياء,وهذا العطاء يكون في بعض الحالات:بذل الذات من أجل الأحباء.
هنا نستطيع أن نشك في علمنا وقاموسنا عن المحبة,ونعتبر ذواتنا أميين غير قادرين في قراءة وكتابة مادة المحبة حتي ولو كنا نجيدها بالكلام ونعلنها بألسنتنا نهارا وليلا إذا واجب المعلم الإلهي أن يبين لنا شيئا واحدا,وهو الشئ الوحيد الذي لا نعلمه والشئ الوحيد الذي لا نفعله,والشيء الوحيد الذي يجب أن نقوم به:المحبة.