عندما أراد الصينيون القدامي أن يعيشوا في آمان,بنوا سور الصين العظيم واعتقدوا بأنه لايوجد من يستطيع أن يتسلقه لطول ارتفاعه الشديد,ولكن خلال المائة عام الأولي بعد بنائه تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات!وفي كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة إلي اختراق السور أو تسلقه,بل كانوا في كل مرة يدفعون الرشوة للحارس ثم يدخلون عبر الباب.للأسف الشديد انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الحراس.
تحدثنا في المقال السابق عن ثلاث صفات للذين يتمسكون بالتدين الشكلي,واليوم نسرد ثلاث صفات أخري:
ء-الكبرياء:الفريسي أو المتدين ظاهريا همه الأول والأخير مراقبة ودينونة الآخرين,ويبدأ في توزيع أحكامه علي أقرانه كما كانت صلاة الفريسي:اللهم أنا أشكرك لك لأني لست مثل باقي الناس السراقين الظالمين الفاسقين,ولا مثل هذا العشار(لوقا18:11).كل من علي شاكلته ينسلخ عن إخوته ويصبح شخصا منعزلا,وبحجه أنه حافظ للشريعة يشعر بأنه فوق الجميع,ولا يعتبر نفسه خاطيا أمام الله ومقتنعا تماما بأنه طاهر وليس كسائر البشر.
هـ-الاكتفاء الذاتي:فالفريسي متأكد بأنه تبرر من خطاياه وآثامه بفضل أعماله والمثال المزيف الذي يظهر به أمام الناس,وليس بنعمة الله ورحمته المجانية:أصوم مرتين في الأسبوع,وأعشر كل ما أقتنيه…(لوقا18:12).أما هذا الضمان الذاتي والثقة المخدوعة والأعمال التي يقدمها نتخيل سؤال الله له:إذا ماذا أنا فاعل؟ماهو دوري؟ لأن هذا الشخص السطحي طافح من ذاته ومعجب بأعماله,فهو لايضع الله في الاعتبار أو مكانه الأول في حياته.
و-المرتب والمنظم:أهم شئ بالنسبة له التدين المبني علي الترتيب والنظام,ولهذا هو ولد وأتي إلي العالم,وبالنسبة له هذا الترتيب هو الضامن لأعماله,ولايحبذ أي تغيير خلاف ما فرض عليه,ويصر علي أن كل شئ يجب أن يكون واضحا ومحددا ومنظما مرة واحدة لاغير.الويل لمن يمس أي ترتيب أو تحديد خاص به كما أنه يدافع عن كل قناعاته التي عليها رافضا أي نقاش أو مداخلات,معتبرا كل جديد هو عثرة له,حتي أنه أفرغ الشريعة من روحها وجوهرها.
لنتساءل إذا:ماهي خطورة هذا التصرف؟ هذه المعتقدات الخاطئة للكتبة والفريسيين وكل من يتمسك بالشكليات جعلت الدين عبئا ثقيلا لايحتمل لأنهم أضافوا آلاف الوصايا والممنوعات,لم يفهموا إن للدين أجنحة يرتفع بها الإنسان إلي الله ويتقرب منه,وليس عبئا وحملا يرزح تحته.فالدين هو قوة للإنسان تساعده وتعينه وليس شبحا يخيفه,كما أن الدين فرح وسعادة لنا وليس تعاسة لحياتنا,وهو الالتجاء إلي قوة الله التي ترفع عن الإنسان كل أعبائه وأحماله,لأننا إذا جعلنا الدين مجرد طاعة قواعد وتشريعات لاتحصي,أصبح من السهل علينا أن نهتم بالمظهر الخارجي أمام الناس حتي نظهر أمامهم في كامل تقوانا,كما لو كنا في مسرحية وتمثيلية لخداع الناس ونبدو في مظهر يختلف تماما عن واقع أفكارنا ومشاعرنا فكل إنسان يظن أن الدين هو المحافظة علي مظاهر خارجية يقع في قناع التقوي,ليخفي ما في قلبه من المشاعر الخالية من كل تقوي حقيقية.وكل من يفعل مثل هذا يسئ فهم مشيئة الله,لأنه ظن أن إرادة الله في اتباع آلاف التشريعات والأوامر والنواهي وليست المحبة الحقيقية لجميع البشر فالخطر الحقيقي الذي يقع فيه كل إنسان هو أن يستبدل حق الله ومشيئته بآرائه الشخصية وميوله الذاتية ويصل إلي النتيجة المحتومة وهي أن يضل ويضل الآخرين أيضا.ومثل هذا نجده حسب الظاهر في قمة التدين,لكن قلبه مملوء بالرياء والشر.
كم من الأشخاص الذين يسيرون أمام الناس بخطوات مستقيمة ومنكسي الرأس كأنهم متواضعون,ولكن قلبهم يكون مليئا باحتقار الآخرين والتعالي عليهم؟ومن نتائج التدين الشكلي هو بحث الكثيرين عن المكافأة نتيجة أعمالهم الصالحة وليس حبا في الله والآخرين,فتكون حركتهم في عمل الخير محدودة ومقيدة,لأن الإنسان الذي يحسب دائما حساب الجزاء الذي يستحقه ينظر إلي الله نظرته إلي صراف وينظر إلي الدين نظرة تجارية تحكمها مسألة الأرباح والخسائر,والدائن والمدين قائلا لله:لقد قمت بهذا القدر من الأعمال,والآن أطالب مكافأتي واستحقاقاتي.ولكن من يحب هو علي أتم استعداد أن يقدم أغلي ما عنده لله والآخرين دون أن يخطر علي باله التفكير في الجزاء والمكافأة التي يستحقها علي كل ما يقدمه.وقد قيل قديما:إن أحد القديسين كان يتمني لو أنه أطفأ نيران جهنم بالماء وأحرق أفراح السماء بالنار حتي يصنع الناس الخير والصلاح دون طمع في ثواب أو خوف من عقاب,بل يفعلون الخير للخير ذاته.