قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(529)
صدرتوطني الأسبوع الماضي يتصدر صفحتها الأولي مانشيت يقول:في انتظار تفعيل الدستور:ممنوع إعادة بناء كنيسة قرية الجلاء بالمنيا…ويشير المانشيت إلي تحقيق داخل العدد ينطوي علي فضيحة مدوية تصفع أوجه جميع المتشدقين بحقوق المواطنة والمبشرين بدولة القانون,وقد يعتقد البعض أن مشكلتي هنا هي الصراخ من أجل إعادة بناء كنيسة,لكني في الحقيقة لا أتصدي لهذه القضية من أجل الكنيسة وحدها إنما هلعا واحتجاجا وغضبا إزاء استمرار تقاعس الأجهزة التنفيذية والأمنية عن إعلاء القانون والذود عن هيبة الدولة ضد الجماعات التي تمارس التشدد والإرهاب وتطيح بالقانون وتهدر هيبة الدولة.
لقد دأبت منذ إقرار الشعب المصري لدستور 2013 علي طمأنة كل من يسألون عن تشريعات بناء الكنائس بأن الدستور الأخير يؤصل بشكل غير مسبوق لحقوق المواطنة والمساواة المطلقة بين المصريين,كما يحدد في مواده الانتقالية بأن علي أول برلمان منتخب بعد إقرار الدستور عبء سرعة إنجاز وإصدار القانون الخاص بإطلاق حرية بناء وتدعيم الكنائس…وكنت أوكد لكل الأصوات التي علت مطالبة بفك أسر الكنائس المغلقة وإصدار موافقات بناء الكنائس الجديدة أن الفرج اقترب وأن يتحلوا بالهدوء والصبر والثقة لأن الدستور يرسخ ويضمن حقوقهم في ذلك.
لكني أبدا لم أكن أتصور أن الميراث البغيض للممارسات التعسفية التي طالما تعرض لها الأقباط فيما يخص كنائسهم سوف يستمر في الظهور بوجهه القبيح ليس فقط من جانب ضعاف النفوس من المتعصبين ولكن أيضا بسكوت ممثلي الإدارة وتقاعس حماة القانون,وكأن الدولة في انتظار مجئ البرلمان وصدور تشريع الكنائس ارتضت أن تلعب في الوقت الضائع وتسمح بالممارسات القديمة البغيضة بدلا من أن تعمل علي فرض روح الدستور والقانون!والكارثة التي لايجب أن تفوت علي سائر المسئولين أن التفريط في إعلاء القانون وغض البصر عن استباحة هيبة الدولة من شأنه خلق جماعات وتيارات متوحشة منفلتة يصعب كبح جماحها أو ترويضها بعد صدور التشريعات المنتظرة من البرلمان…ولنا في كارثة تعامل الدولة مع ظاهرة إرهاب الألتراس أسوة حسنة!!!
وقبل أن أخوض في التفاصيل المهنية المخزية لقضية اليوم دعوني أسجل أن وسائل الإعلام-خاصة القومية منها-تقف متلبسة بالتعتيم علي وقائعها,إذ اجتهدت جدا في تغطية زيارة قداسة البابا تواضروس للمنيا منذ نحو أسبوعين واستقبال المسئولين والشعب له وزياراته وصلواته وكلماته التي قدم خلالها نموذجا عظيما في الوطنية وتخللها شكره للرئيس السيسي علي لفتاته ومبادراته الطيبة تجاه الأقباط…اجتهدت وسائل الإعلام في تغطية ذلك تفصيلا بعناوين كبيرة ومساحات واضحة,بينما ذكرت علي استحياء بين السطور الآتي:
وعلي هامش زيارة البابا تواضروس تظاهر العشرات من أبناء قرية الجلاء أمام مطرانية سمالوط انتظارا لوصول البابا لمطالبته بالتدخل لدي الجهات المختصة للموافقة علي إحلال وتجديد كنيسة القرية القديمة…
هكذا تم ذكر الفضيحة التي نشرتهاوطني في عددها الماضي بكل اختصار وتعتيم دون أن تتكبد مشقة تعريتها وفضح وقائعها!!!
لست في معرض تكرار سرد تفاصيل قضية كنيسة قرية الجلاء,لكني أسجل ملامحها الرئيسية هنا كي أضعها أمام رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ليتحمل كل منهما مسئوليته في إصلاح الأمور المعوجة ووضع حد لإهدار مواطنة الأقباط واغتصاب صولجان القانون واستباحة هيبة الدولة:
00قرية الجلاء-مركز سمالوط-يعيش بها نحو 1400 من الأقباط الذين يصلون في كنيسة باسم السيدة العذراء بنيت منذ 38عاما من الطوب اللبن علي مساحة60مترا مربعا…ومع تداعي مباني الكنيسة وضيقها عن استيعاب الأعداد المتزايدة من المصلين تقدم الأقباط بطلب للسلطات لبناء كنيسة جديدة علي أرض جديد مشتراة وحصلوا علي تصريح رسمي بذلك منذ سبع سنوات -أي عام2008.
00بدلا من شروع الأقباط في بناء الكنيسة الجديدة,صادقوا عراقيل إجرائية عديدة من جانب السلطات كانت كافية لإسراع المتشددين من المسلمين ببناء مسجد مجاور لأرض الكنيسة والاعتراض علي إقامة الكنيسة بجوار المسجد-يعني المسجد يبني بجوار أرض مرخصة رسميا لبناء كنيسةحلال لكن الكنيسة تبني بجوار المسجدحرام-وطبعا من سمح بتلك المهاترات غير المسئولة مسئولون متواطئون ومتخاذلون…وكانت النتيجة إجبار الأقباط علي العودة لكنيستهم القديمة يجرون أذيال الإحباط والمهانة والقهر.
00قام الأقباط -سعيا لحل مشكلتهم مع الكنيسة القديمة-بشراء منزلين مجاورين لها وتقدموا بطلب للمحافظ للموافقة علي ضم أراضي المنزلين لأرض الكنيسة لتوسعتها وإحلالها وتجديدها…ومرت السنين حتي صدرت موافقة محافظ المنيا في2015/1/31علي إحلال وتجديد وتوسعة الكنيسة.وفرح الأقباط باعتبار أن الموافقة صدرت في ظل عهد جديد تعيشه مصر تترسخ فيه المواطنة وتتصدي فيه الدولة للتطرف والإرهاب.لكن أبدا لم يتغير شئ فلم يكد الأقباط يشرعون في التجهيز للمشروع الجديد حتي انقض عليهم المتشددون المسلمون معترضين علي الأعمال,ولم تفلح تأكيدات المحافظ والأجهزة الأمنية في تمكينهم من البناء…كل ماحدث أن الأقباط وقفوا مبهوتين أمام تقاعس جميع الأجهزة عن ردع المتطرفين وكانت الطامة الكبري عندما طلب نائب مأمور قسم شرطة سمالوط من الأقباط الذهاب لاسترضاء مسلمي القرية!!
00عندما تبين للأقباط مقدار الهوان الذي حاق بهم بسبب تخاذل السلطات عن حمايتهم ذهبوا صاغرين لاسترضاء مسلمي القرية-ودعوني أصحح:ذهبوا لاسترضاء متطرفي القرية-حيث أجبرهم المتطرفون علي الجلوس معهم في جلسة عرفية فرضوا عليهم فيها أن تقام الكنيسة علي موقعها القديم دون أي إشارة مسيحية(!!) وحددوا ذلك بمنع القباب والمنارة والصليب…وأن تقام من طابق واحد دون تنفيذ أساسات تسمح بتعليتها مستقبلا…وألا يحق للأقباط ترميمها أو تجديدها مرة أخري…وألا يحق للأقباط إعادة بنائها إذا تداعت أو انهارت مستقبلا…وأخيرا أن توثق كل تلك الشروط في اتفاق يوقعه الأقباط في الشهر العقاري!!!…ولا أنسي أن ألفت نظركم أن كل ذلك الصلف والتحدي يتم تحت سمع وبصر السلطات وينال سكوتها عليه!!
00كان بطبيعة الحال أن يرفض الأقباط تلك المهانة ويتركوا الجلسة العرفية-التي أخطأوا بالجلوس فيها أصلا-وذهابهم لتنظيم وقفة احتجاجية أمام مطرانية سمالوط تزامنا مع زيارة قداسة البابا,لعل صرختهم تصل أسماع المسئولين وتجد حلا…وطبعا لا داعي لإيضاح أن أسماع المسئولين المقصودين هم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء,ولا تتضمن محافظ المنيا أو مدير الأمن بها,لأنهما المسئولان عن هذه المهزلة من الأساس.