قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها(596)
لم يكد ينشر مقال الأسبوع الماضي في هذا المكان تحت ذات العنوان حتي طالعتنا صحف الاثنين الماضي بأخبار تتصدر صفحاتها الأولي عما أسمتهلقاء المحبة والتسامح…نواب المنيا وبيت العائلة يطفئون نار الفتنة في أبو يعقوب!!
ولمن لم يقرأ مقال الأسبوع الماضي أو لم يتابع ما نشرته وسائل الإعلام-مقروءة ومسموعة ومرئية-حول سلسلة الأحداث الإرهابية التي شهدتها المنيا طوال الأعوام الثلاثة الماضية,دعوني أسجل أن الجميع أجمعوا علي أن ما يحدث هو إرهاب وإجرام منفلت يستبيح اغتصاب القانون ويستمرئ ضعف الدولة وتخاذلها ويفلت بفعلته الإجرامية من المساءلة بفضل سيناريو كارثي يعمل علي تزييف واقع الجريمة بتصويرها في صورةفتنة طائفية ويساوي بين الجاني والضحية حيث الجاني مجرم متأسلم موتور والضحية قبطي مسالم مقهور,ويستمر السيناريو الكارثي في تنظيم جلسة مأساوية يطلق عليها جلسة صلح بين الجاني والضحية-ولا يهم هنا هل ذهبت الضحية إلي تلك الجلسة بإرادتها أم أنها رضخت صاغرة واقتيدت رغما عنها تحت وطأة التهديد والترويع-وتزخر وقائع الجلسة بحديث بائس مزركش تتبادله سائر الشخصيات الرسمية والشعبية الراعية للجلسة يبرع في تزييف الحقائق وتغييب العقول وتسويف الجريمة,حتي تنتهي الجلسة بتوقيع اتفاق صلح بين الجاني والضحية.
إلي هنا والكارثة محصورة في نطاق مسرحية هزلية يتولي تمثيلها أطراف الجريمة وضحاياها….لكن أن تكتمل فصول المسرحية بإشراك الدولة والقانون والمجتمع كأطراف فاعلة فيها فذلك بعينه قمة المهازل بإعطاء الشرعية للجريمة ومكافأة المجرمين وتعطيل القانون وإهدار حق المجتمع في القصاص العادل…هذا يحدث عندما تتسلم النيابة محضر الصلح المحرر بين الجناة والضحايا فتهرع علي الفور في إخلاء سبيل جميع المتهمين ويادار ما دخلك شر!!!
ويتساءل المهمومون بأمر المجتمع وقوة القانون وهيبة الدولة:كيف يتم إخلاء سبيل متهمين ثابتة عليهم تهم التحريض علي العنف والتجمهر والترويع والاعتداء والإحراق والتدمير والسلب والنهب,لمجرد عمل صلح-سواء حقيقي أو مفتعل-بينهم وبين الضحايا؟!!…أين المبدأ الأصيل في القانون عنحماية حق المجتمع من أركان الجريمة حتي لو تصالح أطرافها؟!!…لكنهم لايجدون إجابة…وأظن أن الإجابة هي في الدولة التي تنازلت عن هيبتها وقانونها وتواطأت في جريمة تفوق الجريمة الأصلية…جريمة تغييب وعي المجتمع والتعتيم علي المجرمين!!
لايسعني سوي نشر مقاطع بائسة من الأخبار التي نشرت عنلقاء المحبة والتسامح الذي جري في المنيا,لئلا يعتقد أحد أنني أقاوم العيش المشترك بين المصريين -مسلمين ومسيحيين…فالحقيقة أنها مقاطع تتباري في الاستخفاف بالعقول حين تدير ظهرها للجريمة الأصلية وتسمح للمجرمين بأن يفلتوا بفعلتهم بينما هي تلبس الأمر برمته ثوبا مزيفا وتنتفض ذودا عن عودة الوئامالمفقود بين المصريين!!!…وإليكم تلك المقاطع:
**أسدل نواب المنيا بالتنسيق مع بيت العائلة وأجهزة الأمن الستار علي أحداث الفتنة الطائفية التي شهدتها قرية أبو يعقوب بالمنيا تحت شعارلا عصبية ولا طائفية إحنا بيوتنا بيوت مصرية…ياحلاوة!!
**عمدة القرية أكد أن المصالحة جاءت بعد مصارحة الأطراف بالأخطاء حيث تم الاتفاق علي قيام المسلمين بتعويض الأقباط عن الأضرار التي لحقت بهم والتنازل عن القضايا والتصالح في النيابة العامة التي قررت إخلاء سبيل جميع المتهمين في القضية….يا حلاوة!!
**قال النائب عثمان المنتصر إن مصر مستهدفة والبعض يسعي لإسقاطها بأي طريقة وبأي ثمن,لكن الأهالي يؤكدون أنهم يحبون هذا البلد ويرفضون محاولات زرع الفتن…ياحلاوة!!
**قال النائب سيد أبو بريدعة:نعيش في دولة المواطنة الحقيقية التي كفلها دستور2014 وهي الدولة التي تعلي من قيمة وكرامة الإنسان وتعمل كل مؤسساتها لخدمته وتلبية احتياجاته وكل السلطات في مصر تعمل من أجل أن يعيش المواطن المصري حرا كريما رافعا رأسه وأن القانون المصري لايفرق بين شخص وآخر…ياحلاوة!!
**قال عادل مصيلحي مقرر بيت العائلة أن شروط الصلح تضمنت إصلاح منازل الأقباط التي تم الاعتداء عليها وإقرار شرط جزائي قدره خمسون ألف جنيه لمن يخالف شروط التصالح,والقسم بعدم العودة إلي الاعتداءات والمشاجرات من جديد…ياحلاوة!!…هل لا حظتم اغتصاب واختطاف دولة القانون وإحلال المجالس العرفية محلها؟!!
***إن كل ماحدث كارثة بجميع المقاييس…لكن كارثة الكوارث تضامن النيابة مع ماحدث واندفاعها بإخلاء سبيل جميع المتهمين!!!وليذهب حق المجتمع في القصاص إلي الجحيم!!!.
***….وها هو الرئيس السيسي يلتقي الخميس الماضي بوفد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة قداسة البابا…وأسفر اللقاء عن ذات الكلام الدافئ المعسول الذي يدير ظهره للواقع المأساوي في المنيا,ويحول دفة الأمور نحو البديهيات والعموميات… هكذا تاركا الجاني ينعم بحريته والضحية تلعق جراحها وتبتلع مرارتها وتنام علي قهرها…ولا عزاء للدولة والقانون…وليبقي الحال علي ما هو عليه!!!