قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (628)
اكتمل الجمعة قبل الماضي النصاب القانوني للجمعية العمومية لنقابة الصحفيين وأجريت انتخابات التجديد النصفي لمجلس الإدارة -بما فيها منصب النقيب- وبذلك يسدل الستار علي واحدة من أشرس انتخابات النقابة وأكثرها دقة حيث ارتفعت الأصوات من أجل إصلاح وتطوير النقابة وتحديث تشريعاتها مع حشد ضخم من الوعود التي قطعها المرشحون علي أنفسهم والتي أقف أمامها مشفقا علي المجلس الجديد ومتسائلا: كيف يمكن الوفاء بذلك التنوع والتعدد في الوعود والرؤي؟!!
وهنا لا يسعني إلا أن أتقدم بالتهنئة إلي النقيب الجديد الصديق الأستاذ عبدالمحسن سلامة والزملاء الستة الذين نجحوا في الانتخابات لينضموا إلي أعضاء المجلس الذي لم يشملهم التجديد النصفي, متمنيا أن ينصهر الجميع في مجلس متناغم متفاهم ينجح في النهوض بمهنة الصحافة ومراعاة مصالح الصحفيين… ذلك لأن أمامهم تحديات كبيرة تتطلب وضع برنامج عمل يتفقون عليه ويعملون من أجل إنجازه… وهو الأمر الذي يصطدم بشكوك وهواجس غير قليلة.
فها هي لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة تصدر بيانا إعلاميا صبيحة إعلان نتائج الانتخابات أنقل من بين ما تضمنه الآتي: … إن الفترة القادمة في حاجة لأن تشهد النقابة مجلسا متجانسا في الأداء, متقاربا في الرؤي والأفكار, لإنجاز الملفات الهامة التي تنتظرها الجماعة الصحفية… والأمل ألا تتبخر الوعود الانتخابية -سواء التي أعلنها النقيب أو أعضاء المجلس الجدد- وألا تذهب برامجهم أدراج الرياح كسابقتها من البرامج التي وعد بها البعض….
عدت إلي المقال الذي كتبته في هذا المكان منذ عامين -بتاريخ 2015/3/29- بعنوان انتخابات نقابة الصحفيين: هل أتت بمجلس متناغم؟… وكان بمناسبة انتخابات التجديد النصفي لمجلس النقابة منذ عامين, لأجد أن التاريخ يعيد نفسه, فما كتبته بالأمس يصلح لليوم, فهل نحن لا نتعلم من تجاربنا؟… هذه مقاطع مما كتبته وأذكركم أنها كانت في مارس 2015 وليست في مارس 2017!!
** المتأمل لتعدد وتباين الرؤي وتنوع واختلاف الطموحات التي عبر عنها المرشحون سوف يصاب بالحيرة إزاء كيفية عمل المجلس المقبل وما هو الخط الواحد الذي سيتفق عليه أعضاؤه فيما يخص إدارة شئون الصحفيين وتحقيق تطلعاتهم والارتقاء بمهنتهم؟
** بعيدا عن دغدغة مشاعر الصحفيين لاستمالتهم أمام الصندوق باشتراك سائر المرشحين في الدعوة لمنع حبس الصحفي والوعد بزيادة الأجور وبدل التدريب, هناك حشد متباين من السياسات التي تبنوها والتي يقف أمامها الصحفي متسائلا: كيف سيتأتي لأولئك المنضمين إلي مجلس النقابة تنفيذ تلك السياسات؟… هل يتخلي كل منهم عن وعوده التي بشر بها في حملته الانتخابية أم سيناضل من أجل تحقيقها بين زملاء لا يتفقون عليها؟… هذا الواقع هو انعكاس لما حدث ويحدث داخل مجالس الإدارات غير المتناغمة والتي جاء أعضاؤها من خلال ديمقراطية الصندوق لكن دون التنسيق فيما بينهم ودون الاشتراك في رؤي تجمعهم وأجندة عمل توحدهم وسياسات يتفقون عليها… وهل ينتهي بنا المطاف إلي تفجر الصراعات داخل المجلس واستفحال الخلافات من جراء محاولة كل عضو تمرير رؤاه للوفاء بوعوده للناخبين؟
** دأبت علي حث الكثير من المرشحين الذين وفدوا إلينا في وطني علي استطلاع المساحات التي تجمعهم بمرشحين آخرين بهدف الاتفاق علي حزمة موحدة من السياسات والبرامج يتقدموا بها كمجموعة موحدة للناخبين, فتكون بذلك المنافسة والمفاضلة في الانتخابات علي السياسات والأهداف والبرامج بدلا من كونها مجرد اختيار بين حشد هائل من الأسماء… ولعل ذلك يكون تمهيدا إيجابيا للعمل علي تغيير نظام الانتخاب نفسه من الفردي إلي القوائم ومن تبعية الفرد إلي تنافس البرامج سعيا نحو تكامل عمل مجالس الإدارة مستقبلا.
هذا ما كتبت منذ عامين لكن لم يتغير في الأمر شيئا… ولعلي في هذا الصدد أعود لأسجل بالتقدير الموقف الذي اتخذه الأستاذ ضياء رشوان نقيب الصحفيين الأسبق, فقد ربط تقدمه للترشح للانتخابات هذه المرة بحتمية تجمع وتوحد مجموعات الصحفيين وراء أهداف تربطهم عوضا عن الانسياق في سباقات فردية ومعارك شخصية تستنزفهم وقد تستدرجهم للخروج عن شرف التنافس الانتخابي بالانزلاق نحو التعريض ببعضهم البعض. وللأسف فشل الأستاذ ضياء رشوان في بلوغ مقصده فما كان منه إلا الانسحاب وعدم الترشح وتسجيل ذلك في بيانه الذي حمل عنوان: اعتذار وإبراء للذمة.
لست أبكي علي لبن مسكوب… لكني كما أسلفت أشفق علي المجلس الجديد فيما ينتظره من تحديات وأتطلع إلي أن يفعل أعضاؤه بعد نجاحهم ما لم يفعلوه قبل نجاحهم.
*** تبقي ملاحظة مضحكة مبكية فشلت تماما في استيعابها ونحن في الألفية الثالثة ونزعم أننا مستهلكون للتكنولوجيا وللثورة الرقمية ولوسائل الاتصال الحديثة… إلي متي ستستمر مع كل انتخابات هستيريا تعليق وطباعة الملصقات الدعائية والفوضي التي تطل بها علي كل أرجاء النقابة والقبح الذي يسيطر علي عشوائية تجهيزها وتعليقها؟!!… إلي متي ستستمر حمي طباعة مئات الآلاف من النشرات الدعائية التي توزع علي الناخبين بوهم حثهم علي إعطاء أصواتهم لمرشحين بعينهم ويكون مصيرها أن تلقي أرضا وتداس بالأقدام بعد ثوان معدودة من استلامها وأمام أعين من يوزعونها؟!!… إلي متي يقبل الصحفيون ونقابتهم المنظر البائس الكريه لأطنان المخلفات التي تغطي جميع أرضيات الأدوار وسائر درجات السلالم ويتم رفعها بواسطة عمال القمامة عقب الانتخابات دون أن ينتفع بها أحد؟!!… ألا يوجد عاقل يضع حدا لهذا السفه والعبث؟!!… هل يمكن أن يتصدي المجلس الجديد لإعادة صياغة بروتوكول حضاري للدعاية الانتخابية؟!!… اعتبروه واحدا ضمن مسعاكم لرد الاعتبار والكرامة للمهنة!!!