اليوم السادس من الشهر المريمي
” يا مريم أعيريني قلبكِ “.. تأملي في هذا اليوم مقتبس من صلاة وجدتها في كتاب ” أمجاد مريم ” للقديس لويس ماري غرينيون دو منفورت المعروف بمحبته وتعلقه بالعذراء مريم :
” إني بكليتي لكِ ، وكل ما هو لي هو لكِ ،
إني أقبلكِ في كل ما هو لي .
أعيريني قلبكِ يا مريم ” .
قرأت الصلاة وتأملتها بعمق وتأثرت بقوة مضمونها فأخذت أكتبُ وأصفُ العلاقة القوية التي تربطتني بمريم العذراء الكليةُ القداسة والكاملةُ الطهارة ، أُمي وأُم الرُسُل وأُمّ الكنيسة .
” هذا ابنُكِ.. هذهِ أُمُّكَ ”
هكذا هو حب أمي مريم في قلبي، شعلة دائمة الإتقاد، غير أنها تزداد توهجاً بين الحين والآخر حتى يصل نورها إلى كل زوايا الكيان .
وعلى ما يبدو كانت هذه الكلمات ” يا مريم أعيريني قلبكِ ”
من نوع الوقود السخي الذي استجاب له قلبي
وصارت لي عاطفة روحية ترافقني فلا أملّ ولا اتعب من تردادها..
عاطفة حملتني في رحلةٍ على متن الروح لترتفع بي إلى السماء، فوجدت نفسي فجأة أغوص في قلب أمي مريم البتول، أكثر القلوب شبهاً بقلب يسوع..
هذا القلب الذي استمد منه ابن الله ” يسوع ” صفاته البشرية والإنسانية..
هذا القلب الذي أحب الرب كثيراً، وأحبّهُ بلا حدود.
هناك في قلبِ مريم أغوص وأبحر …
والقلبُ بالمعنى الكتابي يُلخّص كل كيان الإنسان:
هو مركز الإيمان والأفكار والذاكرة والإرادة والقوة،
هو مركز الكيان العميق، يعبّر عن حميمية الإنسان
وهو منبع المشاعر والأفكار .
أتأمل في أفكار قلبها.. وأحفظها لأعمل بها..
كل ما فيها متجه دائماً نحو الكمال، نحو الله مصدر كل عطيةٍ صالحة وموهبة كاملة ، استطاعت أن تقول: ” نعم، هاءنذا أمة الرب ” دون أن تفهم كل شيء
وكأن نَعَمها تقول: نَعَم أُريدُ الله، وأريدُ إرادة الله، ومشيئةُ الله..
أتأمل ذاكرة قلبها الدائمة التأمل بالكلمة المتجسّد منها والأمور العظيمة التي صنعها الرب في حياتها وحياة شعبها .
من فيض ذاكرة هذا القلب أزهرت على شفتيها كلمات أجمل نشيد:
” تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلّصي ” .
ومن قلبها الجميل كانت تنبع الإرادة الطيبة
التي تبادر إلى فعل الخير والعطاء دون انتظار أي مقابل، تبادر إلى الخدمة، ها هي مريم أم الله تبادر بالذهاب إلى أم المعمدان السابق.. وتقطع المسافات لتخدم نسيبتها اليصابات
أجل لقلبكِ يا مريم عيون.. عيون محبة..
عيون واسعة ترى ما لا يراه الآخرين، وتشعر ما لا يشعره الآخرين..
قلب ينتبه إلى الحاجات والطلبات ويعمل على تلبيتها بقلب أُم..
والأُم لا تحتاج إلى من يرشدها لترى حاجات أبناءها،
كما في عرس قانا الجليل..
أعيريني قلبكِ وافتحي عيوني يا مريم على حاجات من وضعني الرب على طريقهم، كنيستي، ابرشيتي، شعبي المؤمن، وايضاً الذين لا يؤمنون.. والذين يرغبون ويسعون على معرفة ابنك ومعرفتكِ يا والدة الله..
وعلّمي قلبي كيف ينبض بتناغم مع إيقاع محبة الله وخدمتهِ .
مع السبحة الوردية أقدم لكِ ذاتي وأقدم كل من أحملهم بقلبي،
فأصغي إلينا يا شفيعتنا وأعيري قلبكِ لأبنائكِ.
عندما تهاجمنا الهواجس ، وتُعتم بسحابتها السوداء أفكار قلوبنا ، وتحجب نور الشمس عن حياتِنا ،
فلا نعود نحسن التمييز بين إرادة الله ورغباتنا العابرة. عندما يغرينا درب الخطيئة بأساليبهِ السهلة، ويصعب علينا التوجه نحو الكمال والخير والصلاح. تعالي وأعيرينا قلبكِ يا مريم
عندما نداعب في ذاكرةِ قلوبنا المواقف السلبية، وننسى أعمال الرب العظيمة..
ندما تحاول المرارة أن تنسينا أعمال الرب وحسناتهِ التي لا ُعدّ ولا تُحصى..
تعالي وأعيرينا قلبكِ..
واسألي الرب أن يمنحنا بشفاعتكِ ذاكرة روح شابة وواعية
كذاكرة قلبكِ الذي يهذي بإحسانات الرب ونعمه وعطاياه..
وعندما يتعب القلب من الحب..
ويصطدم العطاء بجدران اللامبالاة القاسية..
عندما تثقل الحياة كاهلنا بواجباتها فيضيق خلقنا..
أسرعي وأعيرينا قلبكِ يا مريم .
عندما نضيع في متاهات القيم البشرية المتقلبة،
ونشعر بصعوبة اختيار قيم الإنجيل الثابتة .
تعالي وأعيرينا قلبكِ .
أعيرينا قلبكِ لنتحلى بإيمانٍ وشجاعة معانقة إرادة الله في كل تفاصيل الحياة..
أعيرينا قلبكِ لنختار على مثالكِ يسوع : ” الطريق والحق والحياة ” .
يا أماً حبيبة.. يا أُماً عجيبة..
إننا نقبلكِ في كل ما هو لنا..
فأيرينا قلبكِ يا حنونة يا رؤوفة يا شفوقة،
يا مريم الحلوة اللذيذة.. آمين.