جاء الصدوقيون و هم طائفة من اليهود لا يؤمنون بقيامة الاموات ليحرجوا الرب يسوع و يضعوه فى مأزق فسألوه عن المرأة التي مات زوجها وصارت زوجة لسبعة اخوة واحد تلو الاخر ففى القيامة لمن تكون؟ و هم لا يدرون انهم بهذا السؤال قد وضعوا حبة الرمل فى اللؤلؤ لتخرج من فم الرب يسوع جوهرة تعليم ارتقت بالبشرية كلها “متى قاموا من الاموات لا يزوجون و لا يزوجون بل يكونون كملائكة فى السموات” (مر٢٥:١٨ ). لقد كانت هذه الجوهرة أساساً للفكر النسكي المسيحي الذي تأسست عليه الكنيسة. لقد عرفنا من هذه الكلمات ليس فقط ما يخص طبيعتنا فى الدهر الآتى بل سمو مكانتنا و قيمتنا عند الله. من هذه الآية فهمنا ان الله لم يخلقنا لأكل و شرب و ترابيات لكن ما نحياه الآن على الارض هو مجرد سفارة و وضع مؤقت “كالاجير الذى يسر بانتهاء يومه” (أى ٦:١٤ ) “نسر بالأولى ان نتغرب عن الجسد و نستوطن عند الرب” ( ٢كو ٨:٥ ).
على ضوء هذا التعليم السماوي نستطيع أن نستوعب ما يقوله القديس بولس “لكى يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم و الذين يبكون كأنهم لا يبكون و الذين يشترون كأنهم لا يملكون و الذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه لأن هيئة هذا العالم تزول” ( ١كو٧:٣١-٢٩ (
إذن فجنسيتنا الاصيلة سماوية و ليست ارضية و على هذا لا نتعجب انه كلما زاد الإنسان انغماسا فى ملذات العالم تولد معه شعور بالكآبة نتيجة الانفصام الذي يحدث بين وازع الحياة السماوية المغروسة كبذرة أصيلة فى كل إنسان و بين ملذات العالم التى ندرك جيداً أنها أمر عارض فى حياتنا . و على العكس كلما تخففنا من ثقل الملذات و انحازت سلوكياتنا نحو السماويات زاد الإنسان بهجة و تصالحا مع نفسه حتى فى احلك الضيقات كما يقول القديس بولس “كحزانى و نحن دائما فرحون كفقراء و نحن نغنى كثيرين كأن لا شئ لنا و نحن نملك كل شئ” (٢كو١٠:٦ )
أليس هذا هو ما دفع المؤمنين فى كل عصور الاضطهادات ان يختاروا ان يعيشوا “معتازين مكروبين مذلين … تائهين فى برارى و جبال و مغاير و شقوق الأرض” (عب ١١:٣٨-٣٩ ) على ان يكون لهم تمتع وقتى بملذات العالم حاسبين عار المسيح غنى اعظم من خزائن مصر “لأنه كان ينظر الى المجازاة” (عب ٦:١١ )كما قيل عن موسى النبى، فتصبح الصلاة مع هذا الفكر نافذه نطل بها على الابدية و الصوم اوقات من حياة الدهر الآتى و عمل الرحمة و المحبة وجود فى حضن الرب يسوع نفسه.