حينما يتعرض الانسان لأى صورة من صور الضيقات تبدأ سلسلة استفهامات طويلة بين الانسان و بين نفسه بل و بين المحيطين به أيضا الذين احيانا يصل بهم الأمر انهم يصدرون أحكاما كما لو كانوا عارفين بفكر اللهالذى “ما ابعد احكامه عن الفحص” ( رو ٣٣ : ١١) . التلاميذ يسألون السيد المسيح عن المولود اعمى: “من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد اعمى؟” ( يو ٢ : ٩) و مع انه استفهام لكنه يحمل حكما صارخا ، اقروا بوجود خطية اقترفها هو ، او اقترفها ابواه و اسنان الابن ضرست!!!. و بنفس الفكر ظل اصحاب ايوب يستذنبونه و يكيلون له الاتهامات بأن الله ينتقم منه و هذا ما احزن قلب الله “لم تقولوا فى الصواب كعبدى ايوب” ( اي ٧ : ٤٢ ) و اعتبرها خطية ينبغى ان يقدموا عنها توبة. و امثلة كثيرة مثلما حدث مع القديس بولس عندما جمع بعض الاخشاب ليتدفا فخرجت افعى من وسط الاخشاب و نشبت فى يده يقول سفر الاعمال “لما رأى البرابرة الوحش معلقا بيده قال بعضهم لبعض لابد ان هذا الانسان قاتل لم يدعه العدل يحيا و لو نجا من البحر” ( اع ٤ : ٢٨) و هكذا يعمل الفكر البشرى و لكن تظل الحكمة الالهية اعلى و اعظم من اى حكمة بشرية ، مثل قصده فى معجزة المولود اعمى قال عنه الرب يسوع: “لكى تظهر اعمال الله فيه” اي شهادة لمجد و قدرة اسمه القدوس فى كل الاجيال إذ من العدم خلق له عينين، حتى و ان لم تتكرر هذه المعجزة مع كل أعمى، لكن عمل الله يظهر بطرق ما اعجبها فكم من عميان مثل القديس ديديموس الضرير بقوا بعمى عيونهم الجسدية و لكنهم فاقوا مبصرين كثيرين و ظهرت اعمال الله العجيبة فيهم “ليكون فضل القوة لله لا منا” (٢كو ٧ : ٤ ) . و كم من مرضى على أسرة مرضهم شاكرين و تمتعوا بسلام يتمناه بعضا ممن يتقلبون أرقا على فراش التنعم، طلب منى مريض ان اصلى من اجله و هو فى الثلاثينات من عمره و له فى المرض حوالى ١٨ سنة دعوت له بالصحة و عافية الجسد، فطلب منى ان اصلى لكى يتمتع اكثر و اكثر بالعشرة الالهية و قال لى: المهم الروح. و قد كان محقا فى طلبه فهذا تعليم الكتاب “روح الانسان تحتمل مرضه اما الروح المكسورة فمن يحملها” (أم ١٤: ١٨ ) ، انهاقامات عالية ظهرت فيها اعمال الله . فى قصة ايوب جاءت التجربة على ايوب و عبرت لكن بقيت اعمال الله ظاهرة فيه لكل الاجيال “ها نحن نطوب الصابرين قد سمعتم بصبر ايوب و رأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة و رؤوف” ( يع ١١ : ٥ ) . امور كثيرة ظاهرها خسارة و لكن الله قصد بها خيراً ابعد و ابقى ، اربعون سنة من شبابه قضاها موسى فى البرية هاربا محروما من كل تنعمات قصرفرعون و ذلك كان لخير أبعد و لكن أبقى، لصقل شخصيته و اعدادها ليرعى و يقود شعب اللهفى البرية، كما يقولون الشدائد تخلق الرجال . و امثلة كثيرة فى الكتاب المقدس بل و فى حياة كل واحد منا لخسارات حصلنا من ورائها بركات عظيمة. و نحن على استعداد لخسارة الكل لنربح المسيح و نوجد فيه.
العالم ربما يستسلم للضيق فى يأس مثل الشاعر الذى قال: غير مجد فى ملتى و اعتقادى نوح باك او ترنم شاد. اما فى المسيح فهناك رجاء للمتالمين “الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا انفسهم كما لخالق امين فى عمل الخير” ( ١بط ١٩ : ٤).